عدنان علامه ||
شهد مطلع الأسبوع الماضي حركة ديبلوماسية مكثفة للسفراء الأجانب بين القصر الرئاسي وبيت الوسط وعين التينة. وقد خرقوا جميعاً معاهدة فيينا 1961 وتدخلوا بشكل سافر في الشأن الداخلي اللبناني في مقر السلطات الرئاسية الثلاث دون أن يُسمِعوا السفراء كلمة عتاب واحدة ومنعهم من التدخل في الشأن الداخلي. كما أصاب الذين يتغنون بالسيادة الصمم والطرش والبكم. وكانت أوقحهم السفيرة الأمريكية دوروثي شيا التي أرسلت عدة رسائل مبطنة إلى رئيس الجمهورية. فمن حيث اللغة؛ حين يكون قرار تشكيل الحكومة محصوراً بين شخصين لا ثالث لهما فأي مدح لإحدهما يكون قدحاً للآخر. وأي صفة إيجابية تعطى لأحد الأشخاص فإن الصفة السلبية تعطى للشخص الآخر دون أن تذكره. وسأعتمد النص الرسمي للسفارة الأمريكي لتصريح شيا للإشارة إلى الخروقات للسيادة اللبنانية ومعاهدة فيينا.
فلنتعرف سوياً على المادة 3 من هذه المعاهدة والتي تحدد عمل البعثات الديبلوماسية:-
المادة 3
تشمل أعمال البعثة الدبلوماسية ما يأتي: أ- تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها.
ب- حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي.
جـ- التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها.
د- التعرف بكل الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة.
هـ- تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها.
و- لا يفسر أي نص من نصوص هذه الاتفاقية بأنه يحرم البعثة الدبلوماسية من مباشرة الأعمال القنصلية.
إذا قارنا تحركات وتصريحات سفيرتي أمريكا وفرنسا مع بنود المادة الثالثة نستنتج بأنهما خرقتا بشكل فاضح السيادة اللبنانية كما خرقتا أيضاً المادة 3 من معاهدة فيينا 1961 التي تنظم عمل البعثات الدبلوماسية في الخارج.
وسأنقل لكم نص تصريح السفيرة الأمريكية الحرفي الذي ألقته في القصر الجمهوري وفقاً لسفارتها وسأعلق على الفقرات بشكل موجز :-
يوم الخميس في الخامس والعشرين من شهر آذار الجاري، التقت السفيرة دوروثي شيا بالرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، ومع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في بيت الوسط. وقد القت الكلمة التالية من قصر بعبدا.
صباح الخير. أود أن أبدأ بشكر فخامة الرئيس عون على استقباله لي صباح اليوم هنا في قصر بعبدا. لقد ناقشنا خلال اجتماعنا اليوم، الأهمية – لا بل الحاجة الملحة – الى تشكيل حكومة ملتزمة بالإصلاحات وقادرة على تنفيذها. لقد اعادت الولايات المتحدة باستمرار التأكيد على التزامها الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني ودعمه.
تعليق:
لا بد من تذكير السفيرة شيا بتهديدات بومبيو وفيلتمان للحكومة والشعب اللبناني بأنهما أمام خيارين لا ثالث لهما : " إما الفقر الدائم أو الأزدهار المحتمل" إذا لم تنفذ الحكومة الأوامر الأمريكيةَ وتأليف حكومة إختصاصيين غير حزبيين هو أحد الشروط.
والآن، هناك حاجة إلى قادة شجعان، لديهم الاستعداد لوضع خلافاتهم الحزبية جانباً والعمل معاً لإنقاذ البلاد من الأزمات المتعددة والجروح التي احدثتها بنفسها والتي تواجهها.
إنني على ثقة بأنه بإمكانكم القيام بذلك.
· تعليق:
تدخلت السفيرة بشكل سافر في الش) نرالداخلي وهي تطلب من رئيس تسهيل تأليف الحكومة وكأنه هو المعرقل.
"وأضافت لقد تحدثت الليلة الماضية فقط مع عدد من الناشطين السياسيين الشباب من مختلف الأطياف وكان من الواضح أنهم يريدون حكومة تتحمل مسؤولية بلدهم ويريدون قضاء مستقلا وسيادة القانون. إنهم يريدون اجتثاث الفساد المستشري الذي يسلب البلد وشعبه من الموارد الثمينة التي يحتاجها بشدة. كما قالوا إنهم يريدون أن تجرى الانتخابات المقرر إجراؤها في العام المقبل في موعدها".
· تعليق:
هذا إعتراف صريح من السفيرة شيا بخرق السيادة اللبنانية وخرق المادة 3 من إتفاقية فيبنا 1961 بلقائها شرائح من المجتمع اللبناني حول تاليف الحكومةً والإنتخابات النيابية المقبلةً وهذا شأن داخلي لا علاقة لأي 9سفير به.
وقالت ولكن دعونا نركّز عل ما يحدث هنا الآن. إنني اعلم ان قادتكم يحاولون تشكيل حكومة. وبكل احترام، أود أن أقول لأي شخص يضع شروطا لتأليف هذه الحكومة التي هي حاجة ماسة لشعبكم، إذا كانت تلك الشروط قد أدت إلى عرقلة تشكيل الحكومة، أود أن أسأل: الآن بعد مرور ثمانية أشهر تقريبا من دون حكومة بسلطات كاملة، الم يحن الوقت للتخلي عن تلك الشروط والبدء بالتسوية؟
· تعليق:
تبنت السفيرة شيا مزاعم الرئيس الحريري واتهمت بوقاحة الرئيس عون بالعرقلة.وهذا التصرف لا يمت إلى الأعراف الديبلوماسية بأية صلة.
وأما السفيرة الفرنسية وفي خرق فاضح للسيادة اللبنانية ولمعاهدة فيينا فقد التقت بري بناءً على طلبها، حيث تم عرض الأوضاع العامة، خصوصا التفاصيل المتعلقة بالملف الحكومي والمعوقات التي تحول دون انجاز تشكيل الحكومة، وتم التشديد على وجوب الإسراع في تشكيل حكومة يتمكن من خلالها لبنان من معالجة أزماته، وفقا لما نصت عليه المبادرة الفرنسية.
وأنضم إلى قافلة خارقي السيادة وإتفاقية فيينا القائم بأعمال السفارة البريطانية في بيروت مارتين لوغدين إنه تحدث "بصراحة شديدة" مع الوزير السابق جبران باسيل بشأن الملف الحكومي.وقال لوغدين في تغريدة على صفحته على تويتر أعادت نشرها السفارة البريطانية في بيروت: "تحدثت إلى الوزير السابق جبران باسيل اليوم "بصراحة شديدة" بخصوص "قلق بريطانيا العميق على لبنان". وأضاف: "يرقص القادة السياسيون على حافة الهاوية، وعلى جميع الأطراف تحمل المسؤولية والتحرك"
وكان السفير السعودي في بيروت وليد البخاري قد التقى عون تلبية لطلب الرئيس اللبناني الذي أصر على لقاء البخاري مرات عدة. والتقى البخاري في السفارة السعودية سفراء الكويت والولايات المتحدة وفرنسا، وتقول اوساط سياسية ان حركة السفير السعودي لافتة في توقيتها.
وأنضمت نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية نجاة رشدي إلى جوقة خارقي السيادة اللبنانية فالتقت عدداً من المسؤولين من بينهم الحريري وبري وعون.
هذا التدخل السافر والكثيف للبعثات الديبلوماسية والإهتمام غير العادي بتأليف الحكومة اللبنانية يدعو للشك والريبة وكأن حكومة الإختصاصيين المنتظرة هي مشروع دولي وليست شأناً داخلياً لبنانياً. وللأسف فإن المسؤوليين اللبنانيين يعتقدون بأن "كل شي فرنجي برنجي"، فيفسحون المجال لتدخل السفراء بدلا من تذكيرهم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية والإلتزام برعاية شؤون رعاياهم وفقاً للقوانين الدولية إلا إذا كان تأليف الحكومة المتوقع هو مصلحة عليا مشتركة لبلادهم وهم يرعونها.
وإن غداً لناظره قريب
https://telegram.me/buratha