ناجي امهز ||
في 22 تشرين الثاني 1943: حصل لبنان على استقلاله بعد انتخابات صعبة دارت بين طرفين الأول والموالي لفرنسا المطالب بعزل لبنان عن عالمه العربي برئاسة إميل إده، والثاني والموالي لبريطانيا والمؤيد للتعاون مع الدول العربية برئاسة الشيخ بشارة الخوري.
وقد ربح الانتخابات الفريق المؤيد للتعاون مع الدول العربية، لكنه فشل بتحقيق هدفه بسبب نفوذ اللبنانيين الموالين لفرنسا.
منذ البداية كان الانقسام لمن يعزز وضعه الشخصي وبحال التقت المصلحة بشيء للبنان كان لبنان كوطن يحصل على الفتات.
خلال نكبة 1948 أطلق الزعيم أنطون سعادة حركة مواجهة شاملة ضد العدو الإسرائيلي، الا ان الحكومة اللبنانية أصدرت بسرعة قرارا بمنع نشاط الحزب القومي تحت ذريعة انه يزعزع استقرار لبنان، وفي عام 1949 أعدم الزعيم والمفكر أنطون سعادة.
اذا اول من اطلق المقاومة ضد العدو الإسرائيلي في لبنان ودعا الى إلغاء الطائفية وتكريس العلمانية وقيام سوريا الكبرى هم نخبة من المسيحيين لانهم يعلمون ان هكذا وطن لن يستمر، وقد شنت عليهم حربا ضروسا واعدم الكثيرين منهم، ليس لانهم مسلمين سنة او شيعة او حتى دروز، بل لانهم اعلنوا الحرب على العدو الإسرائيلي، وطالبوا بالوحدة مع سوريا الطبيعية.
في عام 1958، وقعت حربا أهلية اسميت ثورة كميل شمعون، وسبب هذه الحرب ان غالبية الشعب اللبناني من كافة الطوائف، ادركوا ان لبنان لا يمكنه ان يستمر، فطالب بالوحدة العربية التي كان ينادي بها الرئيس جمال عبد الناصر من اجل قتال العدو الاسرائيلي، بينما كان الرئيس كميل شمعون ضد هذه الوحدة.
ومن أبرز الذين عارضوا كميل شمعون، وطالبوا بالانضمام الى الوحدة العربية هم: البطريرك الماروني المعوشي، رشيد كرامي، صائب سلام، عبد الله اليافي، كمال جنبلاط والرئيس السابق بشارة الخوري، وزير الخارجية السابق حميد فرنجية، واحمد الاسعد، وغيرهم كثيرين.
وقد استعان كميل شمعون ب 14 ألف جندي من نخبة الجيش الأمريكي لقمع ثورة الشعب اللبناني المطالب بالوحدة وقد قتل بهذه الثورة اكثر من الف وخمسمائة مواطن لبناني من المسيحيين والمسلمين بسلاح الجيش الأمريكي، وعندما أدركت الإدارة الامريكية ان شمعون سقط شعبيا طالبته بالتنحي.
حرب 1975 والتي عرفت ببوسطة عين الرمانة، سببها ان الغالبية المسلمة ومعهم الحزب السوري القومي الاجتماعي واحزاب وطنية ويسارية وشخصيات مسيحية وازنة، تحالفت مع المقاومة الفلسطينية، حتى حزب الكتائب حينها لم يكن ضد او مع المقاومة الفلسطينية، وكان بيار الجميل ينسق شخصيا مع ياسر عرفات، ويذكر جوزف أبو خليل في كتابه قصة الموارنة في الحرب، ان حزب الكتائب لم يكن بوارد التصادم مع المقاومة الفلسطينية، لكن هناك فريق ثار على بيار الجميل عام 1975 وكفره عندما رفض بيار الجميل برسالته الى "هنري كيسنجر، الانخراط مع الإسرائيلي بحرب ضد الفلسطينيين، وقال له حرفيا "ان حربا واحدة تخسرها اسرائيل مع العرب تكفي للقضاء عليها" ونحن ناضلنا طيلة اربعمائة عام لنكون جزء من الوطن العربي".
إذا بعد حرب امتدت منذ عام 1948 حتى عام 1990، كلفت أكثر من مائتاي ألف قتيل ودمار بمئات مليارات الدولارات، وأكثر من مليون مهجر داخليا، ومليون مهاجر خارج لبنان، الم يحن الوقت كي نعرف ونفهم ان هناك فريق لا يريد ان يقاتل العدو الإسرائيلي، بل تعاون مع جيش العدو الإسرائيلي وساعده على احتلال العاصمة بيروت والجبل، بدعم عسكري مباشر من الجيش الأمريكي والاوروبي ممثلا بفرنسا، تحت ذريعة طرد الفلسطينيين، مع العلم ان العدو الإسرائيلي يستغل هذا الفريق، وهناك مئات الوثائق التي تؤكد ان الانسحاب الاسرائيلي فجأة من الجبل وترك المسيحيين بمواجهة مع الدروز هو لتهجير المسيحيين من الجبل، ومن ثم تهجيرهم من لبنان، كما تم تهجيرهم من فلسطين، جميع الإحصاءات تؤكد ان عدد المسيحيين من اصول فلسطينية هو ثلاثة ملايين، لم يبقى منهم في فلسطين الا مئتاي الف مسيحي.
الم يحن الوقت ان نفهم بعد كل هذا الموت والدمار والتهجير والهجرة، ان إسرائيل عدو عدو عدو حتى لو خرجت من مزارع شبعا، فان اطماعها لن تنتهي بلبنان وثرواته، كما لم تنتهي بالعالم العربي كله.
اما ان الأوان قبل ان نطالب بنزع سلاح المقاومة ان نطالب المجتمع الدولي ان يوقف إسرائيل عن العربدة بسمائنا والتعدي على حدودنا البرية والبحرية، وبعدها نفكر ماذا نفعل بسلاح المقاومة.
يجب ان تتوقف هذه التجارة بالمواقف فالوطن يكفيه ما فيه، وكما قال بيار الجميل، وانا اخبركم عن لسان الجميل لأنكم لن تقبلوا عن لسان غيره، إسرائيل عندما تخسر حربا واحدة تنتهي، وبعد خسارتها عام 2000 وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها عام 2006 هي الان تتحسس عنقها.
اما الأوان ان نستنكر ولو من باب رفع العتب والحفاظ على ماء الوجه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وخاصة ان العروبة والعمق العربي يبدأ من سوريا، كما يظهر على مر تاريخ لبنان الحديث.
يجب العودة الى الواقعية فالدول والنظام العالمي يتغير والأساليب القديمة انتهت وانقرضت، والرهان على حرب أهلية تخلط الأوراق عفا عليها الزمن، فجميع النخب الشبابية تعلمت من التجارب السابقة وهي تغادر لبنان الى غير رجعة.
منذ شهر تقريبا دعيت الى الغداء وكان هناك أربعة ضيوف غيري، الخمسة المتواجدين بالغداء وهم من الأشخاص المعروفين والمكتفيين ماديا، أولادهم هاجروا، وصدقا عندما تحدثوا عن حالة الوحدة التي يعيشونها، تألمت لأجلهم.