د. إسماعيل النجار ||
بشفافية، وبدون مواربَة، بعيداً عَمّا نسمعه في وسائل الإعلام، أو ما نقرأهُ في الصُحُف ووسائل التواصل الِاجتماعي، فإن الحقيقة تقبع خلف الكواليس، مغلفة بسرية تامة، حتى لا تتسرب إلى الناس،وإنّ الإيهام والإيحاء يخرجانِ إلينا عن شاشات التلفزَة الخاصة،
وكل ماتقوله هو تمويه وليس الحقيقة.
وكما نعلم جميعاً، فإنّ"بعض" الشاشات الفضائية اللبنانية تعمل بخلاف قناعاتها، فيما يخص الحقائق،
بسبب توزيع الشوكولاتَة عليها،من قِبَل سفير مملكة بني سعود في لبنان، وليد "بو خاري".
فأصبَح كل شيء في هذه المحطات مُستَأجَراً حتى الأُجَرَاءُ فيها، الذين كُنَّا نعتبرهم شرفاءَ، وغير قابلين للبيع والشراء، أصبحوا عبيد لقمة العيش والحاجة.
بعضٌ من غُلمان عوكر رفع شعار تحرير لبنان من الِاحتلال الإيراني! وحاول بغباء، إيهام المجتمع اللبناني، على طريقة الفضائيات، أن إيران تسيطر على الدولة ومفاصلها!
وهم حتى الآن، لم يثبتوا حادثة واحدة فرضَ الإيرانيُّ فيها رأيه علينا،
فأين يكون هذا الإيراني المُدّعى أنّه يحتل بلادنا، حسب ما يزعمون؟!
ونحنُ لا زلنا نبحث عن مواقع الحرس الثوري في لبنان ومراكز أمنهِ ومخابراته فلا نجدُ لهم أي أثر ٍ،إلَّا في رأس فارس سعَيد الذي سبّب له الدولار فوبيا الاحتلال الإيراني، فتراه متوتِراً دائماً على تويتر،
حاله حال من يعاني من متلازمة إيران وحزب الله.
الشيخ سعد الحريري الذي عاد أوَّل من أمس إلى بيروت، بموكبٍ يضاهي قطار طريق الحرير، جاء خالي الوفاض من الإمارات،فما جاءَ بالمَن ولا بالسلوى
ولا جاء من"أبو ظبي"بالخبر اليقين، وما إذا كان سيترشح لِلِانتخابات؟ أم هل سيكون رئيس حكومة لبنان المقبل؟ أم لا...
ونحن، هنا في لبنان، لا نلومهُ لأنه ليسَ هُدهُد سليمان، بل هوَ أسير الهَوَى بِبِن سلمان؛ يرفض ترشيح نفسهِ، أو أن يُسمِّيَ أحداً من كتلتهِ،خوفاً من الغضب السعودي الذي يرفض زعامته بالمطلق، مِمّا دفع بهذا الأخير إلى إلقَاء حبل التيار على غاربِهِ، ليختلطَ الحابلُ بالنابلِ بين صفوف نوابهِ وقادة تيارِه، وليتركه فريسَةً لمصطفى علوش ونهاد المشنوق، وللماكر الأكبر، الثعلب الأشدّ مكْراً، فؤاد السنيورة.
نحنُ كلبنانيين نقول لهُ: ليسَت هكذا تورَدُ الإبل يا سعد..!
فَمَن رَضِيَ لنفسه أن يكون جَمَّالاً، عليه أن يُعلي بابَ داره، لا أن يقفلها بوجه أتباعه، ويتركهم فرائس رشوة لفلان المُتموِل وعلَّان المتعامل، وشقِيقٍ طامحٍِ بغير وجه حَق.
هذا من جهة...
أمَّا من جهةٍ ثانية، فإنَّ سمير جعجع وحزبه هما المستفيدان الوحيدان من ضعف التيار الوطني الحُر وتمَزُق الطائفة السُنِّيَة، لأنه المستثمر الوحيد والأنجح على ساحتهما، بدعمٍ أميركي سعودي إماراتي، مراهناً على تراجع شعبية التيار الوطني الحُر وخسارتهِ لأغلبية مقاعده في إنتخابات أيار المقبل.
أما فيما يخص الطائفة الدرزية الكريمة، يقف في أعلى شير زعامتها وليد بَك جنبلاط،متمسكاً برمزيةالتمثيل الدرزي، كرأس جبل الجليد، يليه في أسفل سفح ذاك الجبل الأمير طلال أرسلان، وما بينهما وئامٌ شَموس.
القرار الدرزي مُنقسِمٌ وضعيف، وغيرُ قادر على تصدُّرِ أي دور رئيسيٍّ بارز ،في أزمة سياسية معقدة للغاية، ولاعبوها كِبار متصدري مُنازلتها أكبر من وليد جنبلاط حجماً وقوَّة.
أما الساحة الشيعية الثنائية المتماسكة قيادياً من ١٢٠٠ متر وما فوق؟،
فتُسيطرُ على قاعدتها الشعبيّة طبقةٌ من الضباب والجليد السميك القوي، أصبحت "عازلة" وقابلة للذوبان جزئياً في إناءال NGOS،خلال شهر خمسة، في أواخر فصل الربيع وإطلالة الصيف، ولا أحد يستطيع إخفاء الأمر.
وبين ممتنع من هؤلاء عن التصويت،نتيجة تأَثُرَهُم بالضَخ الإعلامي المعادي وعدم تفهُم إستراتيجية قيادتهم السياسية للمرحلة المقبلة، ولأسباب سياسية مزاجية فردية تحكم عقلية بعض عوائل البيوتات الشيعية في بعض المناطق اللبنانية بسبب حسابات خاصة لكلٍ منهم على حِدا، وآخرهم ملتزم تنظيمياَ، ومُكَلَّف شرعاً، خيارهُ محسوم وخارطةُ طريقهِ واضحة.
فيما يخص البيت الشيعي، يتحدث الأكثرية بنفس الصوت واللهجة السياسية، بأننا لَم نخشَ إسرائيل ولا أمريكا ولا داعش، ولم تؤثر علينا نِصالُ سيوفهم الحادّة الطويلة والغادرة،
إنما، ما قطع وريدنا وانغرسَ عميقاً بين أكتافنا، هوَ النصلُ اللبنانيُّ القريبُ جداً مِنَّا، والأقربُ من الدم إلى حبل الوريد.
ولا زلنا نقول:لا بأس،سنتحمل وسنحافظَ على وريدنا، لأنه يحوي دماءَنا التي تجري فيه؟وكان عام ٢٠٠٠ أكبر شاهد على مصداقيتنا.
أمريكياً المطلوب إنجاز الِانتخابات بموعدها، لأن القناعة الأمريكية كادت أن تقتنع، إلى حدِّ اليقين، أنّ هذه الِانتخابات ستكون لصالح حلفائها،وأن الأكثرية النيابية لن تكون لمصلحة حزب الله وفريقه.
وبحساباتٍ أميركية دقيقة، فإنَّ خسارة حزب الله تبدأ من هزيمة التيار الوطني الحُر وبعض حلفائهِ في الإنتخابات النيابية القادمة، وانتزاع الأكثرية البرلمانية منهم.
ومن هناك، تبدأ حكاية صَوغ مرحلة سياسية للبنان الجديد،
لأن تقارير القَبِّيضَة في لبنان تؤكد لعوكر فوزهم في تلك الِانتخابات فوزاً ساحقاً، في مواجهة الأغلبية البرلمانية الحالية.
إذاً كيف ستكون حالة الساحة السُنِيَّة ومَن سيتقاسمها؟
ولِمَصلحَة مَن ستتوزع الأصوات؟
يقيناً، إذا بقيَ الشيخ سعد مصراً على موقفهِ الرافض للتَرَشُح، فإنّ الأمر غامض وغير معروف.
أما حسابات حزب الله وشركائه، فتختلف كلياً في هذا الأمر، ويبدو أنه مرتاحٌ أكثرَ من غيره في هذه المرحلة، لأنه، ولغاية الآن، لم يُبْحَثْ جِدِّياً، أو بالأحرىَ، لَم يحسم خياراته بالنسبة لمرشحيه، أو في نسبة التغيير في صفوف نوابه الحاليين جنوباً وبقاعاً وساحلاً، وتحديداً في منطقة بعلبك الهرمل الأكثر حساسيةً، والتي على ما يبدو أن التغيير فيها سيطال نائبين فقط ليسَ أكثر في شمالها ووسطها، وهذا الأمر ليس هو المشكلة الوحيدة التي يواجهها حزب الله بقاعاً لأن إستياء الناس ليسَ من الحزب الذي حماهم ووقف الى جانبهم بتاتاً، والأمر لم يُحسَم بعد؟.
لكن في الحقيقة هناك قلق كبير يساور الجميع، من فَريقَي ٨ و١٤ آذار،ففريق ٨ قلقه يكمُن في تقلُب مزاج بيئتهِ، ضد أفرادٍ بعينهم،وليسَ ضد الخط المقاوم الذي يكنُّون له كل الحب والتقدير ويحفظون جهاده،
لذلك يسعى الحزب ويحاول لملمَة الأمر وجمع الشمل، لكنّ الأمر دونه صعوبات كبيرة، إذ أن من الصعب إقناع الناس، ولا بأي وسيلة كانت، بإعادة انتِخاب البعض من الذين يتبناهم على لوائحه مهما كانت التكلُفَة؟ بعدما وصلت بهم الأمور إلى ما وصلت إليه من إفلاس وجوع ونهبٍ لمدخراتهم، وبعدما أصبحَ أولئكَ المطلوب إعادة انتخابهم، والذين سبقَ وأن انتخبوهم سابقاً، هم وعوائلهم من أصحاب المليارات.
أما فريق ١٤...
فمشكلتهُ أكبرُ بكثير من مشكلة فريق ٨ لأنهم كذَّبوا على ناخبيهم، وعلى السعوديين والأميركيين، وأقنعوهم بأنهم سيكتسحون الصناديق، وينزلون بالتيار الوطني الحر وحلفائهِ هزيمةً نكراء، بينما هم بالحقيقة متشرذمون مختلفون متضادون، وأصبحَ في كسروان، حتى الآن، أربعة لوائح تلوح في الأفق، أو بانت ملامحها، منقسمة بين القوات(جعجع ) ، ومشروع وطن (نعمت إفرام)
وتحالف الخازن فرنجية،
والتيار الوطني الحر.
وربما تتغير الظروف، ويعود فرنجية ليتحالف مع التيار،( بمسعى من حزب الله) في خطوة تسمى لَمّ شمل الحلفاء الأضداد، لتمرير مرحلة في منطقة جداً حساسة وخطرة كمنطقة كسروان، حيث يعتبر حزب الله أن خسارة حلفائهِ فيها تعني كسر التيار معنوياً، في عقر داره وتجريده من الأكثرية النيابية التي يطمح إليها مجدداً.
أما منطقة الشمال، فستكون الِانتخابات فيها صعبة،بسبب غياب تيار المستقبل عن الساحة، واستفراد ريفي ميقاتي الصفدي كرامي بالأرض، مما يشكلُ هاجساً لدى المسؤولين من حصول خلافات وصدامات.
لذلك فإن مخططاً لتأجيل الِانتخابات، والتمديد لمجلس النواب ورئيس الجمهورية لمدة سنة، أصبحَ جاهزاً وموجوداً في عهدة الرئيس نبيه بري، من أجل إيجاد تخريجة له، بخبرتهِ وحنكته، عبر المجلس النيابي وإقراره، وتأجيل الِاستحقاق الذي تريده أمريكا وأوروبا.
وفي حال تم التصويت عليه في المجلس النيابي، فإنَّ المتضررين من إجراءالِانتخابات النيابية ويطالبون في الإعلام بإجرائها سينكشفون،
من خلال مَن صوَّتَ للتمديد، والذي امتنع عن التصويت أيضاً هو متضرر من إجرائها، والذين سيغيبون عن الحضور، بشكلٍ مقصود أيضاً، هم يشبهون مَن يصوِّت لصالح التمديد.
أما المعترض على التمديد،فسيكون هو الوحيد الذي يريدها.
لكن ماذا لو تمَ التمديد؟
ماذا سيكون الموقف الأمريكي؟
إنْ حصل التمديد، في ظِلِّ صمتٍ أمريكي،فستكون آثار فيينا ظاهرة عليه،
وإن رفضت أمريكا التمديد وأصر البعض عليه، فإن أكياس الرمل سترتفع أمام أبواب المحال التجارية من جديد.
أخيراً،لا بُدّ من التذكير أنّني لستُ متنبئاً، لكِنّني قارئٌ للأحداث أرىَ الأمور جلياً كما هي.
بيروت في...
22/1/2022
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha