نبيل صافية ||
كنتُ في الجزء الثّالث من البحث قد تطرّقت لمجال الإصلاح السّياسيّ في سورية ، وتمّت الإشارة ضمن ذلك لقانون الأحزاب رقم مئة الصّادر لعام 2011 الذي أصدره السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد لبيان إمكانية تعديله وتطويره وضرورة الالتزام بمواده من مختلف الأحزاب في سورية لتحقيق الغاية المنشودة من ذلك الإصلاح الذي دعا إليه سيادة الدّكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربيّة السوريّة ، وسنكون في الجزء الرّابع مع منظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة وآليّات تطويرها وتفعيلها بما يخدم الإصلاح السّياسيّ لتسليط الضّوء على بعض الجوانب التي تسهم في تحقيق المبتغى المنشود ضمن البحث الحالي الذي تمّ تقديمه لمقام سيادة اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، وسأكتفي بالإشارة لجانبين اثنين في الجزء الحالي منعاً للإطالة وبناء لطلب المتابعين .
ومن جوانب التّطوير : تغيير مصطلح قانون الوَحدة الوطنيّة الذي تستعمله الجبهة الوطنيّة التّقدميّة والأحزاب التّابعة لها في الانتخابات التي تجري في سورية ، تَبعاً لما يتركه من آثار سلبيّة واستبداله بمصطلح أكثر شموليّة بعيداً عن التّقسيم ، وإنَ الوَحدة الوطنيّة هي مطلبٌ شعبيٌّ سوريٌّ لكلِّ فئات الشّعب بمختلف مكوّناته ، ولكن عندما تجري الانتخابات تصدر قوائم تحت مسمَّى : " قوائم الوحدة الوطنيّة "، فهل هذا يعني أنّ كلَّ من رشّح نفسه للانتخابات دون القائمة يعدُّ خارج الوَحدة الوطنيّة أو مناهضاً لها ؟!، ، فيمكن أن يتمّ استبداله بأيّ مصطلح يبتعد فيه عن حالة تقسيميّة ، لأنّه يؤدّي إلى مزيد من التّفاقم في الوضع التّقسيميّ والتّشرذم في سورية ، وسورية الآن بحاجة كي تكون موحِّدةً أبناءَها تحت سقف الوطن تحقيقاً للمواطنة ، ومن حقّ الذي يترشّح للانتخابات بعيداً عن هذه القائمة أن يتساءل : هل أنا ضدّ الوحدة الوطنيّة أو خارجها ؟!... وهذا ما أشرت إليه في مقال منشور سابقاً في التّاسع عشر من تمّوز لعام ألفين وعشرين ، وهو بعنوان : " هل تشكّل قائمة الوَحدة الوطنيّة وَحدة وطنيّة ؟!"، فهل يوحّد ذلك المصطلح أبناء سورية ذلك الاستعمال أثناء الانتخابات أو يخلق بينهم نزاعات وإجراءات تقسيميّة ، ربّما كانت عن غير قصد من الدّولة في استعمالها ، ولذا ينبغي عدم استعمالها واستبدالها بمصطلحات ومسمّيات موحّدة لأبناء سورية ووطنها لا تجزيئية بينهم .
وأيضاً يمكن أن نشير إلى استعمالات مغلوطة في الخطاب الإعلاميّ ، وهذا ما أشرت إليه في بحثي لتطوير الإعلام الرّسميّ في سورية ، وجاء تحت عنوان :
" الإعلام في سورية .. استراتيجيّاته وتطويره في ضوء الإصلاح الإداريّ في سورية " ، وهو الموجّه لمقام رئاسة الوزراء والمحال من رئاسة الوزراء للسّيّد وزير الإعلام برقم 1936/ م. خ/ق تاريخ 6/8/2017 م .. وكان من بين الأهداف الأساسية للبحث : " ضرورة التّمييز في الإعلام بين المصطلحات السّياسيّة التي يعتمدها الخطاب الإعلاميّ " ، وذكرتُ ضمن آليّات تطويره ومجالاته :
" نجد أنّ إعلامنا لا يميّز بين المصطلحات السّياسيّة وغيرها ، والتي يستعملها إعلامنا تحتاج إلى تدقيق ، فعندما يتحدّث الإعلام بصورة عامة أو عندما ينقل أيضاً ما يقوله السّيّد وزير الخارجيّة مثلاً عن المعارضة ، فإنّه لا يميّز بين المعارضة الوطنيّة والمعارضة المسلّحة أي الإرهاب ، فالإرهاب شيء والمعارضة الوطنيّة التي تخدم الوطن وتعمل على بنائه وتتناقض في تطلّعاتها وأهدافها ومراميها وتختلف عن المعارضة المسلّحة المرفوضة بأي شكل من الأشكال ، وهنا تأتي الحكومة لتحاورها أي للمعارضة المسلّحة وتترك المعارضة الوطنيّة ، وكأنّ المعارضة المسلّحة تبني الوطن وتخدمه ، وتذكر مصطلح المعارضة ليشمل كلا المصطلحين : أي الدّاخليّة الوطنيّة والخارجيّة المتآمرة الإرهابيّة "، وغير ذلك كثير في استعمال المصطلحات التي أشرتُ إليها ، وقد نبّهت لذلك في الإعلام الرّسميّ السّوريّ المقروء والمسموع والمرئيّ ، ونشرته في مقالات كثيرة متنوّعة ، وإذا كان حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ يسعى ضمن أهدافه للوحدة ، فلماذا يستعمل مصطلح " العالم العربيّ " بما يمثّله من معنى الانقسام والتّقسيم ، دون استعمال مصطلح " الوطن العربي " ؟!.
والجانب الثّاني الذي تمّت الإشارة إليه : تعديل قانون الانتخابات المعمول به حاليّاً الذي يعطي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة ، وكذا الحال في تغيير حجم الدّوائر الانتخابيّة وطريقة الاقتراع والتّصويت ..
إذ تعمل الانتخابات التي تجري في سورية للاحتفاظ الدّائم لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ بالأغلبيّة المطلقة من المقاعد في مجلس الشّعب كمثال : أي بمئة وستةٍ وعشرين مقعداً يخصّ حزب البعث رغم أنّ الجبهة الوطنيّة التّقدميّة لها أكثر من ثلثي المقاعد وعددها عموماً مئتان وخمسون في قائمتين من العمال والفلّاحين ، وإبقاء الثّلث الباقي من المقاعد للمستقلّين _ وهذا لم يحدّده قانون الانتخابات المعمول به وفق ذلك التّقسيم _ ، وقد ذكرتُ ذلك في مقال منشور سابقاً بتاريخ الرّابع من أيّار لعام ألفين وعشرين ، بعنوان : " حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ يحقّق الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة " ، وتبقى هناك أسئلة مشروعة أبرزها :
ما المادة الدّستوريّة التي استند لها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ في ذلك ؟ وما المواد القانونيّة التي استنجد بها لتعزيز تلك الفكرة وفق التّقسيم المعمول به ؟ ، وهل تتحقّق أهداف المواطنة وأبعادها القانونيّة والثّقافيّة والحضاريّة بموجب ذلك وفق ما يسعى له السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد ؟! ، ولماذا تجري الانتخابات إذا كانت الأغلبيّة محقَّقة دونها أو أنّ الانتخابات للمستقلّين فقط ؟!.
ومن الأهمّيّة بمكان أن نشير إلى أنّ الشّعب العربيّ السّوريّ يتطلّع لقانون انتخابات جديد عبر اللجنة الدّستوريّة ليكون معبّراً عن عملية ديمقراطيّة انتخابية بعيداً عن إقرار تعيينات انتخابيّة تمثّل رؤى واحدة محدّدة ، ليكون للانتخابات إمكانية تنفيذ حقّ الرّقابة على الحكومة من خلال مساءلة الحكومة أو الوزراء وحجب الثّقة عن أحد الوزراء أو الحكومة بكلّ أعضائها ، وأن تكون حالات انتفاضة أعضاء مجلس الشّعب التي تتمّ عادة قُبيل انتهاء الدّور التّشريعيّ خدّمة لمصلحتهم وإبراز انتقاداتهم للحكومة على أنّها لمصلحة الشّعب العربيّ السّوريّ ، وهي أبعد ما تكون عن ذلك ، وكذا الحال في تغيير حجم الدّوائر الانتخابيّة وطريقة الاقتراع والتّصويت ، لتكون ممثّلة الشّعب في مختلف فئاته واتّجاهاته وبيئاته .
وهذه الأسئلة وغيرها أضعها بين يدي سيّد الوطن الدّكتور بشّار الأسد رعاه الله وحفظه ، وهو لكلّ أبناء سوريّة وليس لفئة واحدة ، وفي كلّ خطاباته وكلماته التي يتحدّث فيها يشير إلى المواطنة وضرورة الحفاظ على الوطن والتّشبّث بالثّوابت الوطنيّة التي يتمسّك بها أبناء سورية .
سنكون في الجزء الخامس من البحث لمتابعة الرّؤى التّطويريّة لمنظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة وتفعيلها بما يخدم الإصلاح السّياسيّ الذي دعا إليه السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد ، فيُرجى المتابعة .
بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية