فهد الجبوري ||
المقاومة تزداد صلابة ، والنظام الرسمي العربي يبتعد عن القضية المركزية ، ويقترب من العدو المحتل ، والخيانة لم تعد عيبا في قاموس بعض الحكومات العربية .
تمر اليوم الذكرى الخامسة والخمسين لنكبة حزيران ، أو ما يطلق عليها البعض النكسة ، وهي بالتأكيد ذكرى مريرة وقاسية على الشعوب العربية ، وعلى نضال الشعب الفلسطيني ، كونها قد أفصحت بشكل واضح عن خواء وضعف النظام العربي الرسمي ، وعدم أهليته لخوض غمار المواجهة مع العدو الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين ، والمنتهك للمقدسات الإسلامية في القدس .
لقد أفرزت تلك النكبة عدة دروس مهمة منها أن معظم الحكومات العربية قد فرضت نفسها بالقوة وعن طريق الانقلابات العسكرية ، أو بطريقة وراثة الحكم ، وكلها تشترك بخاصية واحدة وهي انها منهزمة داخليا ، وهدفها الأساسي هو البقاء في الحكم ، ومسايرة مخططات القوى الكبرى التي تريد جعل المنطقة العربية خاضعة لها ، خدمة للمشروع الاستكباري -الصهيوني .
ولم تكن تلك الأنظمة تحمل هم الأمة الإسلامية في التحرر والتقدم ومواجهة مخططات الأعداء ، وقد رفعت شعار تحرير فلسطين كمحاولة لخداع الشعوب العربية التواقة الى الكفاح والنضال من اجل قضية فلسطين ، ولم تكن جادة اطلاقا في تعبئة الجماهير العربية لمواجهة الكيان المحتل ، والغدة السرطانية التي زرعها الاستكبار العالمي في جسم الأمة العربية .
لذلك وجدنا أن تلك الأنظمة قد سقطت في الاختبار ، عندما تمكن العدو الصهيوني من شن حرب خاطفة على كل من مصر وسوريا والأردن في الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ ، وفشلت في الدفاع عن أراضيها وشعوبها ، ليلحق بها عار الهزيمة أمام كيان لاتتجاوز مساحته الجغرافية مساحة اي بلد عربي صغير مثل لبنان ، كما لا يتعدى عدد سكانه في وقتها بضعة ملايين .
لكن الشعوب العربية ولاسيما الشعب الفلسطيني قد استفاد من تلك النكبة ، لتنطلق بعدها مقاومة شعبية قوية ، وشهدت الحقبة التي تلت هزيمة حزيران عمليات فدائية بطولية ضد قوات الاحتلال ، بالرغم من قلة الإمكانات ، وتخاذل معظم الأنظمة العربية ، وقد كانت معركة الكرامة التي وقعت بعد نحو عشرة اشهر من هزيمة حزيران أول انتصار عربي يعيد للامة شيئا من كرامتها ، وبسبب بسالة المقاومين ، وبعد تكبيد العدو خسائر كبيرة ، طلب العدو ولأول مرة وقف إطلاق النار .
وفي مراحل لاحقة ، تمكن الفدائيون الفلسطينيون من تنفيذ عمليات جريئة ضد العدو الصهيوني ومنها على سبيل المثال عملية الخالصة البطولية التي جسدت البطولة العربية عندما قام ثلاثة من الثوار الأبطال ، عراقي ، وسوري ، وفلسطيني بالهجوم على مستوطنة كريات شمونة الصهيونية شمالي فلسطين المحتلة والذي اسفر عن مقتل ١٨ صهيونيا وجرح ١٨ اخرين . وهناك الكثير من العمليات الفدائية التي استهدفت قوات وجنود الاحتلال في الارض المحتلة ، وعناصره ورجال الموساد في الخارج .
ولكن الانعطافة الكبرى في تاريخ الجهاد والمقاومة ضد المحتلين قد بدأت مع الانتصار المدوي للثورة الإسلامية الكبرى بقيادة الإمام الثائر آية الله العظمى السيد روح الله الخميني ، الذي مرت ذكرى رحيله قبل يومين ، الثورة التي غيرت موازين القوى لصالح المقاومة ، وشكلت حدثا ضخما أعاد للامة الإسلامية كرامتها وعزتها ، وكانت مثل الصاعقة التي وقعت على رؤوس المحتلين الصهاينة وحماتهم من دول الاستكبار العالمي .
وبسبب هذه الثورة العظيمة ، التي فجرت طاقات الأمة ، وألهمت الملايين من الشباب المسلم ، ذاق العدو الصهيوني طعم الهزيمة لأول مرة وذلك على أيدي ابطال المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله الذين ألحقوا بالعدو هزيمتين الأولى في العام ٢٠٠٠ ، والثانية في العام ٢٠٠٦ .
ومن بركات هذه الثورة العظيمة ، أنها أذكت روح الحماس والمقاومة لدى الشعب الفلسطيني ، ومن وحي رسالتها تشكلت حركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرها .
واليوم ، يقف الشعب الفلسطيني ، وبمساندة الجمهورية الإسلامية ، والشعوب العربية والمسلمة ، صامدا ومتحديا العدو ، ومقدما الضحايا في سبيل كرامته وعزته بالرغم من قساوة الاحتلال ، وإجراءاته القمعية ، وبالرغم من خذلان معظم الحكومات العربية .
كما أن المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله تقف بالمرصاد للعدو ، وقد تضاعفت امكانياتها وقدراتها التسليحية ، وقد نجحت في تغيير قواعد الاشتباك ، فلم يعد العدو الصهيوني يعربد و يهدد كما كان يفعل في السابق .
ولكن ما يثير السخط والغضب ، أن البعض من الحكومات العربية قد تمادت في الخيانة ، والارتماء في حضن العدو ، وهي ترى يوميا مشاهد الاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني ، وقيام المستوطنين الصهاينة بتدنيس حرمة المسجد الأقصى ، كما حصل قبل بضعة ايام . لقدسقطت فعلا في مستنقع الخيانة والذل والخنوع ، ظنا منها انها سوف تحمي نفسها أو تفت من عضد محور المقاومة الذي فضح خيانتهم لفلسطين وللقدس الشريف .