نور الجبوري ||
يبدو أن الولايات المتحدة تريد فرض تصعيد جديد في سوريا، حيث إن الاستقرار الذي تعيشه البلاد ومحاولة دمشق تهدأة المناطق المتوترة بغية التوصل إلى حل سياسي يرضي الجميع، لا يعجب واشنطن التي لا تنفك عن زرع القلاقل والنزاعات، وما إن تنحل أزمة حتى تقوم بإعادة فتحها أو تغذية غيرها حتى يبقى العالم يعيش على الصراع.
أميركا تسعى الآن إلى توحيد الجماعات المسلحة في سوريا التي تتمركز في شمال وشمال غرب البلاد، وذلك بهدف أن تخرجها من العباءة التركية واتفاقيات آستانا التي تلتزم بها انقرة رفقة روسيا وإيران، وخصوصًا أن معظم هذه الجماعات كان لها تواصل مع الولايات المتحدة في السابق وتلقت تمويلًا وتدريبًا أميركيا خلال السنوات الأولى للحرب مثل فيلق الرحمن والجيش السوري الحر وجيش الإسلام، وخصوصًا بعد أن كانت غرفة الموك في الأردن فعالة.
الولايات المتحدة مع ممثلين عن الإئتلاف المعارض حاولوا إعادة تشكيل ما يسمى الجيش الوطني عبر دمج ثمانية وعشرين جماعة إرهابية مسلحة فيه، ما يطرح عدة أسئلة لماذا الآن؟ ولماذا تسعى أميركا لإثبات وجودها في الشمال السوري بعد أن عززته عبر قسد في الشرق؟ هذه الأسئلة يجيب عنها التحول التركي الأخير، حيث بدأت أنقرة ترسل رسائل ودية نحو دمشق وذلك استجابة منها للوساطة الإيرانية - الروسية، وبالتالي بدأت تخاف واشنطن من أن يتم تطبيع العلاقات التركية - السورية وبالتالي تخرج أنقرة تمامًا من خندق الحرب ضد الدولة السورية وتصبح في الخندق الآخر وبالتالي تخسر واشنطن هذه الورقة التي استثمرت فيها طوال السنوات الماضية وجعلتها خنجرًا في خاصرة الدولة السورية، وبالتالي ليست مستعدة لخسارتها بهذه السهولة، والتحول الأميركي نحو لملمة صفوف المعارضة المسلحة ووضعها تحت غطائها يؤكده التسريبات الإعلامية التركية التي أكدت أن الجماعات المسلحة في إدلب وريف حلب هي من اتصل بواشنطن بعد أن لمست ليونة تركية نحو دمشق، وبدأت تخاف على رقبتها وأن يتم تسليمها للدولة السورية على طبق من ذهب، وبالتالي لجأت للولايات المتحدة.
الأمر الآخر الذي دفع واشنطن للتوجه نحو توحيد الجماعات المسلحة في الشمال السوري هو قسد، التي بدأت في الفترة الأخيرة تشعر وكأن واشنطن لا تحميها بما يكفي من أنقرة التي تهددها صباحًا ومساءًا بالعملية العسكرية وبشكل شبه يومي هناك قصف تركي يستهدف مواقع مسلحيها، وبالتالي بدأت هي الأخرى تذهب نحو دمشق لتحميها من الجيش التركي، وشعرت قيادات قسد أن واشنطن قد تقوم ببيعها عند اول مفرق مثلما فعلت في افغانستان وقبلها في فيتنام، وبالتالي ليس هناك مفر من الاتفاق مع دمشق والخروج من هذه التبعية وخصوصًا أن قيادات قسد تعّي تمامًا أن الولايات المتحدة لن تفضلها على حليفتها الاستراتيجية تركيا.
الولايات المتحدة تسعى من خلال إشعال جبهة الشمال من جديد تخفيف الضغط عن قواعدها في الشرق السوري التي تتعرض بشكل شبه دائم لقصف من قبل المقاومة في تلك المنطقة، وهذا القصف يتركّز على النقاط المهمة والحساسة للقواعد الأميركية ولاسيّما الموجودة داخل حقل العمر النفطي، وحسب المصادر المحلية فإن القصف يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف القوات الاميركية سواء بشريًا أو ماديًا، لكن واشنطن تتكتم عن نشر حجم خسائرها في الشرق السوري، وبالتالي تسعى لاشعال جبهات أُخرى وإحياء الحرب من جديد.
المحاولات الأميركية في إشعال الحرب من جديد في سوريا لمحّت إليها الأُمم المتحدة بصورة غير مباشرة حيث حذرت في تقرير جديد من خطر تصاعد الصراع في سوريا، واندلاع القتال على عدة جبهات في جميع أنحاء البلاد. وأضافت إن سوريا لا تستطيع تحمل العودة إلى القتال على نطاق أوسع، لكن هذا ما قد تتجه إليه.
وأوضحت الأُمم المتحدة أنه رغم الهدوء الذي تشهده العديد من جبهات القتال في السنوات الأخيرة، إلا أن اندلاع قتال في شمال شرق سوريا وشمال غربها تسبب في سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، وحدّ إمدادات الغذاء والماء.
التحذير الأُممي هذا يكشف أن النية الأميركية في إشعال الحرب من جديد ستكون بهدف تدمير البلاد بشكل كامل وخصوصًا على الصعيد المدني والخدمي، ونسف الجهود الدولية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة في البلاد عبر حوار سوري - سوري، وعلى الرغم من المزاعم الأميركية أنها تسعى لهذا الحوار والحل، إلا أن الوضع على الأرض يؤكد عكس ذلك والدليل محاولة لملمة المسلحين ودمجهم تحت ظل جيش جديد بوجه الدولة السورية.
مصدر : موقع الوقت
https://telegram.me/buratha