سوريا - لبنان - فلسطين

كابوسُ معركة الشجاعية يحبطُ احتمالات الحرب البرية


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

بعد ثماني سنواتٍ على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014 التي استمرت مدة 51 يوماً، التي اندلعت يوم الثامن من يوليو عام 2014، وأطلق عليها جيش العدو اسم "الجرف الصامد"، بينما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "العصف المأكول"، وتفردت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بتسميتها معركة "البنيان المرصوص"، واستشهد خلالها أكثر من 2300 فلسطيني، بينما قتل 75 إسرائيلياً أغلبهم من الجنود والضباط، حيث بلغ عدد القتلى المدنيين ستة فقط، وقد وصفت هذه الحرب التي هي الأطول بين الحروب، بأنها الأعنف والأشد شراسة، والأقسى على العدو والأعنف منه، وفيها جرت العديد من المجازر، وارتكبت أبشع الجرائم في حق عائلاتٍ فلسطينية بأكملها.

فقد كشف إيريز الكابيتس وهو أحد الضباط الإسرائيليين من فرقة جولاني، الذين شاركوا في العدوان على قطاع غزة، وشهدوا معركة الشجاعية الشهيرة، التي قتل فيها ثمانية جنودٍ إسرائيليين، ولم يعرف الجيش مصير ضابطين آخرين شاركا في العملية وهما غولدن هدار وآرون شاؤول، الذين تحتفظ بهما المقاومة وتتحفظ على مصيرهما، عن مجريات الحرب الطاحنة التي جرت فصولها مع عناصر المقاومة الفلسطينية التي كانت مدربة ومهيأة، ولديها الجاهزية التامة والكفاءة العالية، وتمتعت بمستوى عالٍ من التنظيم والتحكم والسيطرة والقدرة على التواصل والحركة والاتصال.

يذكر ضابط الكتيبة 13 في فرقة جولاني، أنه لا ينسى أبداً معركة الشجاعية، ولا يستطيع أن يخرج أحداثها من رأسه، ولا أن يتخلص من كوابيسها التي تلاحقه في الليل والنهار، فهو يسميها "فخ الموت"، التي حرق فيها جنوده أمام عينيه، وتفحمت أجسادهم وهو ينظر إليهم، فقد صدم بكثافة النيران وغزارتها، وبالقذائف المدوية التي انهالت على جنوده وآلياته من كل مكان، وكانت من التنوع والشدة ما جعلت الفوضى تدب في صفوف جنوده وتخلق الرعب بينهم، وتسببت قوة الانفجارات في قطع خطوط التواصل بينه وبين وجنوده، حيث استخدمت المقاومة الفلسطينية بمهنيةٍ حربيةٍ عاليةٍ أنواع مختلفة من النيران تميزت بالكثافة والقوة، والدقة وشدة الأثر، من الصواريخ الموجهة والمضادة، وقذائف الهاون وأسلحة القناصة والأسلحة الرشاشة وغيرها.

يحاول الضابط الإسرائيلي المصدوم أن يذكر حكومة كيانه الجديدة، والمرشح لوزارة الحرب فيها، أن الحرب على قطاع غزة لم تعد نزهة أو لعبة، وهي ليست سهلة كما يظنها ويتخيلها، ولعل كبار القادة والضباط في الجيش باتوا يتهيبون الدخول في حربٍ مفتوحةٍ مع المقاومة الفلسطينية في غزة، فهم يعرفون قدراتها ويخشون من مفاجآتها، وقد ذاقوا مرارتها وحرقت أجسادهم من كثافة نيرانها، ولهذا فهم يفضلون قتالها من الجو أو من بعدٍ، فإما صواريخ تقصفهم من السماء، أو قذائف دباباتٍ ومدفعية تطلق عليهم من خلف الحدود، أما غير ذلك فغير ممكنٍ أبداً، بل إن مجرد التفكير في اجتياحٍ بريٍ أو اقتحامٍ والتحامٍ مباشرٍ مع المقاومة يسبب الصداع الشديد، ويجعل أيدي حملة مؤشرات الخرائط ترتجف وأسنانهم تصطك.

لعلها ليست مصادفة أو من غير قصدٍ، أن تأتي تصريحات ضابط جولاني في هذا الوقت بالذات، عشية تشكيل حكومة جديدة، وفي ظل السعي المحموم لرمزي التطرف الجديد بن غفير وسموتريتش، لاستلام وزارتي الأمن الداخلي والجيش، لتذكيرهما وهما الغرين عديمي التجربة، الضحلين الأجوفين اللذين يصخبان كثورٍ وتعلو أصواتهما كطبلٍ، ولم يسبق لهما الخدمة العسكرية، ولا يعرفان شيئاً عن الجيش والأمن سوى التهديد والجعجعة، أن الحرب مع المقاومة الفلسطينية لا تدار بالكلام ولا تخاض بالتصريحات، ولا ينفع فيها البعبعات والصرخات، وعليهما أن يتراجعا عن الدعوة إلى الحرب، والكف عن التهديد والتلويح بها.

رسالة الضابط المصدوم الذي لم تزل عليه آثار الخيبة والفشل والحزن والألم، التي يذكرها به أحد جنوده الذي انتحر بعد سنواتٍ من المعركة، ليست فقط للذين يدقون طبول الحرب ويستخفون بها، بل هي موجهة أيضاً إلى رئاسة أركان جيش الاحتلال وكبار ضباطه، ليصرفوا أذهانهم عن احتمالات الحرب البرية، وأي أفكارٍ أخرى لخوض اشتباكاتٍ مباشرة مع قوى المقاومة، أو النزول إلى الميدان مشاةً أو آلياتٍ، مدرعاتٍ أو دباباتٍ، وإلا فإنهم يغامرون بحياة جنودهم، ويستخفون بسلامتهم، ولا تعنيهم أسرهم وعائلاتهم، كما أنهم يغامرون بسمعة الجيش وهيبته، ويفرطون بإنجازاته وسجله التاريخي، لأن هذا الجيش ستهزمه المقاومة، وستكسر أنفه بصمودها وثباتها، وستلقنه درساً يشبه درسه الثاني في الشجاعية والأول الموجع أكثر في مارون الرأس اللبنانية.

 

بيروت في 14/11/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك