سوريا - لبنان - فلسطين

عملية القدس المزدوجة في الميزان الأمني الإسرائيلي


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

لم تتوقف المواقف الإسرائيلية تتوالى طُرَّاً تجاه عملية القدس المزدوجة، التي صدمت المنظومة الأمنية وأربكت القوى السياسية الحاكمة، وأخرجت تلك التي تنتظر الحكم عن طورها، فقد انهالت التصريحات السياسية والأمنية والعسكرية، وبرزت مواقف إعلامية وشعبية عبر عنها المستوطنون وقادتهم، بعضها يهدد ويتوعد، ويطالب الحكومة الجديدة باستخدام المزيد من القوة والضرب بيدٍ من حديدٍ، واعتماد وسائل جديدة في التصدي للفلسطينيين ومواجهتهم، وتغيير القواعد المتبعة في الإجراءات الأمنية وضوابط إطلاق النار على المشتبه فيهم.

وبعضها لم يستطيع أن يخفي خوفه وقلقه من احتمالية العودة إلى سنوات التسعينيات من القرن الماضي وبدايات الألفية الثالثة، عندما اجتاحت المقاومة الفلسطينية أرضها المحتلة، وهاجمت المستوطنين الإسرائيليين في كل مكانٍ، وفجرت الحافلات والسيارات، ومحطات الركاب وتجمعات الجنود، ولاحقت جموعهم في الشوارع والطرقات، وفي المقاهي والحانات، وجعلت حياتهم مستحيلة وهروبهم من فلسطين حلماً وأملاً في النجاة،  وعجز الجيش والأجهزة الأمنية عن وضع حدٍ للعمليات الاستشهادية وحماية مستوطنيهم من القتل، الذي بات رعباً يرافقهم وفزعاً على مدى الأيام يسكنهم.

لكن الذين صعقتهم عمليةُ القدس وصدمتهم، هم قادة الأجهزة الأمنية ومعهم الجيش وقادة أركانه، الذين كانوا يترقبون ضربات المقاومة في شمال الضفة الغربية، حيث الأوضاع الساخنة في نابلس وسلفيت وكذلك في جنين، حيث تهيأ الجيش لمواجهتها، واستعدت الأجهزة الأمنية لإحباط عملياتها، وكثفوا جهودهم وركزوا عملياتهم فيها، ورفعوا درجة النفير والاستعداد إلى الدرجات القصوى، بعد عمليات عدي التميمي ومحمد صوف وما سبقها من عملياتٍ في تل أبيب والخضيرة وغيرها، التي كبدتهم خسائر مؤلمة، وقتل فيها منهم خلال أشهر هذه السنة فقط ثلاثون مستوطناً وأصيب عشراتٌ آخرون.

ولكن الأثر المعنوي كان أسوأ وأكثر قسوةً عليهم، إذ تراجعت روحهم المعنوية، وانتشر في قلوبهم الوهن والضعف، وسكنهم الخوف والفزع، وانتابهم قلقٌ من الغد وتوجسٌ من الغيب، وقد فقدوا أكثر من ذي قبل ثقتهم في جيشهم وأجهزتهم الأمنية، وأخذوا يتقاذفون المسؤولية عما حل بهم وأصابهم، ويحاول كل طرفٍ أن يلقي باللائمة في العجز والتقصير على الآخر.

كانت الأجهزة الأمنية تشكو من عمليات الذئب المنفرد، التي يقوم بها شبانٌ بأنفسهم، منفردين لا أحد يساعدهم، ممن لا تربطهم رابطة تنظيمية بالقوى والفصائل الفلسطينية، وإنما يخططون بأنفسهم، ويقررون وحدهم، وينفذون ما عزموا عليه دون مراجعة أحد أو التنسيق مع أي جهةٍ، مما صعب على الأجهزة الأمنية التنبؤ بعملياتهم أو استباق تنفيذها وإحباطها، أو ملاحقة خيوطها وتفكيك شبكاتها.

اليوم باتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مواجهة طفرة التسعينيات، وتفجيرات المقاومة الصاخبة، ومعامل تحضير العبوات وأماكن تصنيعها، وعليها أن تجيب حكومتها ومواطنيها عمن يقف وراء عملية القدس المزدوجة، التي قد تكون فاتحة عملياتٍ جديدة، يعمد إليها الفلسطينيون ويبرعون في تقليدها، تماماً كما باتوا يقلدون كل العمليات الفدائية، ويطورونها ويزيدون فيها، ويترك منفذوها فيها بصماتهم الخاصة وأساليبهم المميزة، مما سيعيدهم إلى سنوات الرعب الأولى وسني المواجهات الدامية.

أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية العديد من التساؤلات والتحديات التي يجب أن تجد لها حلولاً وتفسيراتٍ عملية، أولها من يقف وراء العملية، ومن خطط لها وأمر بتنفيذها، وهل لغزة علاقة بها أم أنها من إنتاج وإخراج رجال الضفة الغربية فقط، وهي الذريعة السهلة التي يلجأون إليها لتبرير عجزهم وتفسير فشلهم، وكيف وصل المنفذون إلى مكان زرع العبوات الناسفة وهي أماكن عامة لا تخلو من المارة، وفيها تجمعاتٌ صهيونية دائمة، وكيف بالصدفة توقفت الكاميرات عن التصوير وتعطلت في المنطقة.

كما عليها أن تجد إجاباتٍ مقنعة عن كيفية تصنيع هذه العبوات وأين، وكيف جرى تصنيعها ومن هو الذي قام بتصنيعها وتجهيزها، وهل هم أمام يحيى عياش جديد وظاهرة التصنيع القديمة، ومن أين وكيف حصل المصنعون على المواد الأولية اللازمة لإعداد مثل هذه العبوات، وأين كانت عيونهم والأجهزة الأمنية المتعاونة معهم، وكيف لم ينتبهوا إلى مخططاتهم ويعرفوا نواياهم.

وليس أخيراً كيف وصلت العبوات إلى مدينة القدس، وتجاوزت الحواجز والإجراءات الأمنية المعقدة، أم أنها صنعت في مدينة القدس نفسها، وفي مكانٍ قريبٍ من أماكن زراعتها، مما سهل على المخططين نقلها بلا خوفٍ أو مغامرة.

لا تخفي المواقف والتصريحات الإسرائيلية حنقها وغضبها، وخوفها وفزعها من هذه العملية، التي تحكم فيها المنفذون عن بعد، واطمأنوا إليها قبل تفجيرها، ولم تكلفهم حياة أحدٍ منهم، إذ لم يقتل المنفذ كالعادة، ولم يعرف أو يلاحق، وما زال الكشف عن اسمه وهويته يكتنفه الغموض، وقد كان يرضي غرور المستوطنين ويخفف من حزنهم ويواسيهم في ألمهم، قتلُ المنفذين وهدم بيوتهم واجتياح بلداتهم وقراهم، ولكنهم بعملية القدس حصدوا الألم وجنوا الوجع، ولم ينالهم منها غير الرجيع والصدى، وبات لزاماً عليهم أن يتوقعوا الجديد المفاجئ والقادم الصادم، أين وكيف ومتى وما هو......

 

بيروت في 24/11/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

 

 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك