سوريا - لبنان - فلسطين

خطأ الانشغال بالأزمات الإسرائيلية عن الجبهة الداخلية الفلسطينية


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

مما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني يعيش أزماتٍ داخلية مستعصية منذ العام 2019، عندما عجز وما زال عن تشكيل قيادة سياسية قوية مستقرة متوافقة ومتعاونة، تجمعها الهموم الوطنية وتوحدها التحديات الداخلية والخارجية، فهو وإن شكل حكومته الجديدة السابعة والثلاثين، التي وصفت بأنها الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخه، إلا أنه ما زال يتخبط في مشاكله، ويتناقض من داخله، ويبتعد عن محيطه ويتصادم مع حلفائه، ولا يستطيع التصدي لمشاكله، وخلق الحلول المناسبة لها، ولعله اليوم أقرب إلى الانتخابات السادسة منه إلى استقرار الحكومة ومواصلة عملها.

نحن لا نفتأت على الكيان الصهيوني ولا نفتري عليه، ولا نحاول تشويه صورته ولا تلفيق الاتهامات له، وإن كنا نتمنى له الأسوأ ونرجو له الأخطر، بل إن الإسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم وأكثر من سواهم، يدركون أن كيانهم في خطر، وأنه يعيش مآزق كثيرة، ويواجه تحدياتٍ صعبة، وأن ما ينتظره أسوأ بكثير مما تجاوزه على كل المستويات الداخلية والخارجية، وفي جميع الملفات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وأن حكومته الجديدة قد ولدت مشوهة مريضة، وتحمل في تركيبتها جينات التنازع والاختلاف، وعوامل الانقسام والتشرذم، إلا أن أعضاءها لا يعترفون بأنهم مرضى ويلزمهم مصحة نفسية، ولا يقتنعون بأنهم لا يصلحون للمرحلة، ولا يخدمون الشعب، ولا يفيدون في تطوير المشروع الصهيوني.

فالإسرائيليون أنفسهم يقولون عن حكومتهم أنها أول حكومة تتشكل ضد كيانهم، وتعمل ضد مصالح شعبهم، وأنها حكومة الهجين والمتناقضات، والفوضى والاضطرابات، والتداخل وتنازع الصلاحيات، وأنه لا اتفاق بين أطرافها وإن بدوا يميناً دينياً متطرفاً، وأنهم ورئيسهم يتفقون على محاربة الديمقراطية، والقضاء على الصورة النمطية التي ميزت كيانهم عن دول المنطقة، ويؤيدون تدمير النظام القضائي وإعادة تشكيله وفقاً لمصالحهم، ويعملون على هدم المحكمة العليا التي توصف بأنها حامية النظام وراعية "الدستور" وشرعية القوانين، والرقيبة على أداء الحكومة وتشريعات الكنيست.

وهم الذين يرون أن هذه الحكومة ستقوض نظامهم الاقتصادي وستفسد هياكله، وستتسبب في خلق حالة من الركود والانكماش، نتيجة هروب الرساميل ورجال الأعمال، وتعطل المشاريع وجمود الخطط خوفاً من مفاجئات كيانٍ لا يوجد فيه مؤسسات قضائية ضامنة للعدل وراعية للحقوق وحارسة على دستورية وشرعية ومعقولية القوانين، فضلاً عن أن أحزاب هذه الحكومة تتطلع إلى زيادة مداخيل مدارسها الدينية ورواتب طلابها على حساب دافعي الضريبة من مستوطني البلاد، فضلاً عن نيتهم فرض ضرائب وحسم نسب على التبرعات والهبات الأجنبية للهيئات والجمعيات المحلية.

وهي الحكومة التي خرج ضدها أكثر من مائة ألف متظاهر وما زالوا ينظمون للأسبوع الثالث على التوالي مظاهراتٍ أكبر، يشارك فيها طيفٌ كبير من المعارضة السياسية والمدنية الإسرائيلية، ممن يخشون من تغيير هوية الكيان، وفرض الأصولية الدينية على مناحي الحياة وشكل الدولة، وممن يرفضون سياسات الجندر الجديدة، وتوجهات الحكومة المعارضة للمثلية، والتدخل في شؤون الجيش، والإصرار على استمرار سياسة الاستيطان، وتغيير ضوابط وتعليمات إطلاق النار، وغير ذلك مما يعارضه أغلب الإسرائيليين من القوميين والعلمانيين على السواء، ومعهم الأحزاب العربية التي تعارض الحكومة الحالية كلياً.

هذه التناقضات والأزمات الإسرائيلية المختلفة ينبغي ألا تشغل الفلسطينيين عن همومهم الخاصة ومشاكلهم الداخلية، فالتحديات التي تواجههم كثيرة جداً وصعبة للغاية، وهي تضعفهم وتمزقهم، وتشتت جهودهم وتحبطهم، وتبعثر طاقاتهم وتفقدهم قدراتهم، وتيأس شعبهم وتضعف انتماءهم، وتنعكس سلباً على حياتهم اليومية ونضالهم الوطني

فعلى المستوى الوطني يشكل الانقسام الداخلي المشكلة الأكبر والأكثر استعصاءً، الذي مضى عليه أكثر من خمس عشرة سنة وما زال، وما زالت تداعياته السلبية تتفاقم وتزداد سوءً، انقساماً واختلافاً، وسياساتٍ كيديةً متبادلةً، واعتقالاتٍ سياسية وأخرى أمنية حقيقية ومفتعلة.

أما الاحتلال فرغم أزماته الكثيرة فإنه يمعن في سياساته العدوانية ضد الفلسطينيين قتلاً واعتقالاً وتدميراً ومصادرة أراضٍ وتوسيعاً للاستيطان وزيادةً فيه، وتضييقاً وحصاراً وسرقةً للحقوق والأموال والمياه والثروات، وكأن مشاكله اليومية لا تشغله عن همومه السياسية والأمنية والعسكرية، فهو ينفذها بقوةٍ وحزمٍ، ويمضي بها بحسمٍ وبلا تردد، ولا يلتفت كثيراً إلى ردود الفلسطينيين ومواقفهم، اللهم إلا إذا كانت مقاومةً موجعةً وصموداً محبطاً، وثباتاً على الأرض مربكاً.

يلزمنا أن نحيط علماً بمشاكل العدو وأزماته، وأن نعمل على تعميقها وتكريسها، وتعقيدها وتعذر حلها، فهذه حكمة وهي جزء من المعركة والحرب، ولكن هذا لا يشغلنا أبداً عن همومنا الوطنية، ونضالنا المستمر ضد الاحتلال لإنهائه وطرده، وتحرير أرضنا واستعادة مقدساتنا، والعمل على تعويض شعبنا وتوفير سبل العيش الكريم له، وإلا فإن الانشغال بالأولى عن الثانية يفقدنا الهدف، ويضعفنا أمام العدو، ويمكنه من الانتصار علينا أو عدم الخوف منا.

بيروت في 24/1/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك