عدنان علامه ||
/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
لقد نفذت كتائب القسام في حركة حماس يوم السبت الماضي أضخم وأعقد وأنجح عملية هجومية عسكرية ضد الإحتلال ضد حوالي 50 موقع عسكري ومستوطنة في نفس التوقيت وسميت العملية ب "طوفان الأقصى".
وقد شاركت أيضًا بعض فصائل المقاومة في هذه العملية. وكانت النتائج كارثية على قيادات الإحتلال العسكرية والسياسية. وتلقت كافة أجهزة الإستخبارات المعادية الضربة القاضية والتي كانت تعتبر قبل يوم السبت أقوى أجهزة الإستخبارات وجمع المعلومات والتنصت على كافة الإتصالات في العالم.
فالتجهيز البشري واللوجستي الضخم جدًا وغير العادي، تم بسرية تامة ولم يشعر به أحد بما فيه الأقمار الصناعية التي ترصد قطاع غزة على مدار الساعة. وهذا أحد أسباب نجاح عملية التحرير الأراضي الفلسطينية من الإحتلال. وسيتم ضم الأراضي المحررة إلى مشاعات قطاع غزة لأنه صدر قرار بإخلاء أكثر من 25 مستوطنة في غلاف غزة.
إن توزيع أكثر من 5000 صاروخ على الأهداف المحددة في صباح يوم الأحد وبعد الإنتهاء من الإحتفال بعيد العُرش قد أدخل الرعب في قلوب الجنود والمستوطنين ووصول المجاهدين إلى أهدافهم المحددة مع توقف القصف التمهيدي، والذي كان مباغتًا ومفاجئًا للجنود والمستوطنين الذين لاقوا حتفهم عندما رفضوا الإستسلام.
وقد جاءت عملية "طوفان الاقصى" كنتيجة حتمية لتدنيس الصهاينة المسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني تمهيدًا لهدمه. وبالإضافة إلى الإعتداء على الحرائر ونزع حجابهن وإستباحة الدم الفلسطيني.
وبإختصار شديد لقد تجرّع المحتلون من نفس الكأس الذي أجبروا الفلسطينيين على تجرعه منذ العام 1948 مع فارق أن الأرض ستعود إلى أصحابها، وأن الجيل الثالث لم ينسَ أبدًا قضيته العادلة بالرغم من المحاولات الحثيثة للإحتلال بكي الوعي الفلسطيني لدثر القضية.
ففي اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى" تكبد العدو خسائر وإصابات كبيرة وقاسية جدًا في الأرواح. بالإضا إلى أسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين تم نقلهم إلى قطاع غزة. وقد تعذر على العدو إحصاء الخسائر والمفقودين بسبب إستحالة وصول مجموعات الإنقاذ إلى بعض المستعمرات نتيجة إستمرار الإشتباكات فيهاحتى كتابة هذه السطور.
وقبل أن تنجلي غبار المعارك في المواقع العسكرية ومستوطنات غلاف غزة وخلال إنعقاد المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) أصيب نتنياهو بأزمة قلبية وانفضّ و الإجتماع دون إتخاذ أي قرار. وقد نقلت معظم وكالات الأنباء خبر "عدم توصل (الكابينت) إلى أي قرار. ولكن نتنياهو تفرّد بقرار شن الغارات على قطاع غزة. وقد ارتكب عشرات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بإستهداف منازل المدنيين وتحديدًا " برج فلسطين". ولا بد من التذكير بأن قتل المدنيين بهدف تحصيل تنازلات سياسية هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
فقد تصرف نتنياهو بدافع نرجسيته وجنون عظمته فمن غير المنطقي أن يتم القيام بالغارات ولا يزال المجاهدون حتى هذه اللحظة في عدد من المواقع العسكرية والمستوطنات داخل غلاف غزة.
إن تسرع نتنياهو بتنفيذ الغارات الوحشية على قطاع غزة مستعملًا صواريخ زنة 2500 باوند قبل معرفة عدد القتلى والجرحى واعداد المفقودين؛ قد أثار حفيظة أهالي القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين. فنتنياهو تعامل مع الخسائر كأرقام فقط. فدارت الدوائر عليه وشرب نتنياهو من نفس الكأس الذي أجبر أهالي الشهداء الفلسطينيين على تجرعه حيث وضع جثامين ورفاة الشهداء في مقبرة الأرقام ورفض تسليمهم إلى أهاليهم لزفهم بمازيليق بالشهداء.
فالمنطق العقلاني يفرض على القيادات السياسية العسكرية تشكيل خلية ازمة لدراسة الوضع الميداني بدقة متناهية وإحصاء أعداد القتلى والجرحى والأسرى الذي لم يعرفه الكيان مثله منذ انتصار 6 تشرين 1973 . ويبدو أن لعنة تشرين تلاحق الصهاينة؛ فعملية "طوفان القدس" كبدت الكيان المؤقت خسائر بشرية لا يمكن تحملها وأفقدت نتنياهو توازنه؛ لذا أستدرج نتنياهو قرار الرد القاسي من المقاومة الفلسطينية وإذا لم يرتدع نتنياهو فأن نرجسيته وجنون عظمته ستسدرجان حتمًا رد َمحور المقاومة وحزب الله تحديدا والذي تحرص أمريكا على عدم إستفزازه ودخوله في المواجهة.
وقد إستنجد نتنياهو ببايدن لدعمه، والأخير أعطى نتنياهو الحق بالدفاع عن نفسه؛ وأمر اسطوله بالإمداد الفوري بالسلاح والرجال ومَهّدَ للتدخل الأمريكي بالإعلان عن وجود عدد الأمريكيين بين القتلى المفقودين خلال عملية "طوفان القدس". ولا بد من الإشازة بأن العديد من مرتزقة جيش العدو يحملون أكثر من جنسية.
ولا بد من تذكير بايدن ونتنياهو أن يأخذوا العبر مما حصل في معظم المواقع العسكرية التي تم إقتحامها. وسأذكر ما حصل في مركز الشرطة في مستوطنة سديروت على سبيل المثال لا الحصر.
فقد نقلت وسائل الإعلام العبرية عن وجود مسلح فلسطيني داخل مركز شرطة مستوطنة سديروت؛ وقد استقدموا أعدادًا ضخمة من الجيش والشرطة لتحييده أو إلقاء القبض عليه. وبدلًا من إقتحام المبنى لتحييد مجاهد واحد فقط عمدوا إلى قصف مركز الشرطة بشكل عنيف، ومن ثم استحضروا جرافة وبوكلين لهدمه. والمضحك أن المجاهد إستغل خوفهم وإرباكهم وانسحب بسلام.
فعلى بايدن ونتنياهو أن يدرك جيدًا بأن الذي يقاتل هو الروح، والذي يشجع الروح هو الإيمان بعدالة قضيتهم وأنهم على حق. فعليهما ان يأخذا بجدية العبرة مما حصل في كافة المواقع العسكرية المحصنة بالجدران الشاهقة والسياجات الإلكترونية والتي كلفت دافعي الضرائب المليارات من الدولارات. فقد تم تعطيلهم بوسائل بدائية لا يزيد ثمنها عن عدة آلاف من الدولارات.
آمل من بايدن ونتنياهو أن ينزلا من أعلى الشجرة ليعاينوا الأمور بواقعية ؛فمعركة التحرير قد بدأت ولن تتوقف قبل تحرير آخر حبة تراب من هذا الوطن شاء من شاء وأبى من أبى.
وإن غدًا لناظره قريب
09 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
https://telegram.me/buratha