سوريا - لبنان - فلسطين

في ظلال طوفان الأقصى "16" إنهاك المقاومة وإضعاف الحاضنة غاية العدو الراهنة


 د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

باتت الخطة الأمريكية الإسرائيلية في حربهما السافرة ضد قطاع غزة جليةً واضحةً، بعد أن تبين لهما أن المقاومة الفلسطينية رغم مضي شهر على عدوانهما الغاشم ما زالت بخير، وأنها لم تتأثر كثيراً بالقصف الجنوني المستمر، وأنها ما زالت في مقارها ومكامنها، تتمتع بالقوة، وتتحكم بالقرار، وترصد تحركات جيش العدو وتهاجمه، وتلتف خلف خطوط النار وتباغته، وتتحكم في مسار العمليات، وتعيد تنظيم صفوفها إثر كل معركة، وتحقق إنجازاتٍ صادمةً له، وتعزز نجاحاتها بالصوت والصورة، التي تسجل كل عملياتها بثقةٍ وثباتٍ، وتوثق اختراقاتها من نقطة الصفر لحشود الجنود وأرتال الدبابات والآليات، وتجبر العدو على الاعتراف بخسائره، والإعلان عن قتلاه وجرحاه، الذين يزدادون كل يومٍ عدداً ويرتفعون رتبةً.

أمام هذا الواقع المستعصي على العدو تغييره، والمتعذر عملياً تجاوزه بالمواجهة المباشرة، فالمقاومة على الأرض بشهادة كبار ضباطه وقادة جيشه، ما زالت قوية وتتحكم في الميدان، وتستطيع أن تدير المعركة باتقان، وهي في مواجهة جنودهم أجرأ وأشرس، وأقدر على الاقتحام والالتحام، والمباغتة والمفاجئة، لهذا عمد المستشارون العسكريون الأمريكيون، الذين باتوا لا يثقون في قدرة الجيش الإسرائيلي على إدارة المعركة، ويخافون من تركه وحيداً في مواجهة المقاومة، التي قد ينحاز إليها آخرون يساندونها ويشاغلون الجيش، ويقاتلون معها ويخففون العبء عنها، إلى اعتماد خطة الإنهاك المستمر والإجهاد الكامل، ومضاعفة الثمن وعموم القصف، ومواصلة القصف العنيف المدمر.

يبدو أنهما قد اتفقا على الخطة ومضيا في تنفيذها حتى النهاية، فهما يريدان من خلال القصف المستمر من الجو والبر والبحر، والتدمير الممنهج للمباني والمساكن، وشطب الأحياء وإزالة المناطق، وارتكاب المجازر تلو المجازر، واستهداف سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وقصف الأسواق والمخابز، والمدارس ومقار الإيواء الدولية، وقتل الناس عامةً في الشوراع والطرقات، وفي باحات المستشفيات وعلى بواباتها، واستهداف التجمعات السكانية واللاجئين إلى الأماكن التي يظنونها آمنةً ومحميةً، وإعادة قصف الأماكن المقصوفة، واستهداف المواطنين الذين يهبون للمساعدة، ويهرعون لإنقاذ الجرحى واستخراج الشهداء من تحت ركام المباني التي يحولها القصف إلى ترابٍ وبقايا ركامٍ.

إلى جانب القصف فقد عمدا إلى تشديد الحصار والتضييق على السكان، وحرمانهم من الماء والكهرباء والغذاء والدواء، ومنع قوافل المساعدات وقصف الشاحنات، والسماح بإدخال أعداد قليلة منها، وحصر كمياتها وتحديد أنواعها، وإدخال ما لا يلزم وحظر ما يلزم، لفرض حالة قاسية من الجوع والعطش على عامة المواطنين، إلى الدرجة التي لا يجد فيها أطفالهم شربة ماء أو كسرة خبز، ولا شيئاً مما يقيم أودهم ويحفظ حياتهم، وقد تأكد لهما أن هذه المعاناة في تزايدٍ مستمر، وأن الإحساس بالجوع والعطش سيزيد الظروف العامة سوءً، وسيسبب في تردي صحتهم، مما قد يضعف قدرتهم على الصمود والثبات، ويوهي عزيمتهم ويفتت إرادتهم على الصبر والمواجهة. 

إنهما معاً، العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، يريدان أمام شلال الدم النازف، ومسلسل المجازر الذي لا يتوقف، ومعاناة الشعب التي تتضاعف، وعجز المجتمع الدولي عن التحرك الفاعل، وجبن الأنظمة العربية وتخاذلها، وربما صمتها وقبولها، أن يزرعا الفتنة بين الشعب والمقاومة، وأن يدفعا الشعب الحاضن للمقاومة للانفضاض عنها والتخلي عنها، ورفع الصوت ضدها وشجب عملها، أو أن يدفعا المقاومة أمام معاناة الشعب وحمايةً له من المزيد من القتل إلى رفع الراية البيضاء والاستسلام، وإلقاء السلاح والخضوع لشروط الاحتلال، وتسليم الأسرى والإفراج عنهم دون قيدٍ أو شرطٍ، وإلا فإن الحرب ستطول، والمعركة ستستمر، وستبقى رحى القتل دائرة وآلة التدمير ماضية.

ذاك ما يريدان وهو ما إليه يهدفان، لكن الشعب العالم بمؤامرتهما، والعارف بمخططاتهما، ثابتٌ على أرضه، وصابرٌ مع مقاومته، مقاتلٌ معها ومضحٍ في سبيلها، وراضٍ عنها ومحبٌ لها، وواثقٌ بها ومطمئنٌ إليها، وعاضٌ على جرحه ومحتسبٌ ألمه، وباقٍ مع شبابه معها، يدفع إليها بزهرة أبنائه وخير رجاله، وسيبطل بإذن الله كيدهما، وسيرده إلى نحرهما، وسيثبت لهما أنه بدمه عليهما سينتصر، وبصبره على عدوانهما سيغلب.

 

بيروت في 4/11/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك