جدد المرجع الديني الاعلى اية الله السيد علي الحسيني السيستاني اليوم الجمعة انتقاده لاستمرار تفشي الفساد المالي والإداري وتراجع الواقع الخدمي والمعيشي في البلاد.،موضحا ان “المواطنين في هذا البلد محرومون من ابسط الحقوق”.داعيا الناس الى مساعدة النازحين الهاربين من مناطق المعارك مع تنظيم داعش الارهابي بعد الاخفاق الحكومي في تقديم يد العون لهم.
وقال ممثل المرجعية عبد المهدي الكربلائي بخطبة صلاة الجمعة التي تلاها في صحن الحسيني في 8/ذي القعدة/1437هـ الموافق 12/8/2016م: ما نصه لقد ورد في كتاب الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر لما ولاّه على مصر واعمالها:
(ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً)
يأمره (عليه السلام) بأن يتق الله في افراد هذه الطبقة برعاية حقوقهم.. وتكرار لفظ الجلالة مشعر بأهمية الموضوع وذلك لما ذكره (عليه السلام) من ان هذه الطبقة من الناس لا حيلة لهم أي لا يملكون وسيلة لتأمين حوائجهم وذكر منهم المساكين والمحتاجين واهل البؤسى والزمنى..
واهل البؤسى هم الذين وقعوا في البؤس وسوء الحال من شدة الفاقة.والزمنى هم الذين اصيبوا بالزمانة أي المقعدون غير القادرين على العمل..
وتعبيره (عليه السلام) بالطبقة السفلى ليس من اجل انهم ادنى درجة من غيرهم في الاسلام فان الضعف والمرض والفقر وامثالها لا يجعل الانسان ادنى درجة من غيره عند الله تعالى وقال قال في كتابه الكريم (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) بل المقصود انهم في الطبقة الدنيا اجتماعياً من حيث الامكانات المادية والشؤون الدنيوية.
ثم يقول الامام (عليه السلام): (فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً)
اشار الامام (عليه السلام) الى قسمين في هذه الطبقة ورد ذكرهما في القرآن الكريم في قوله تعالى (واطعموا القانع والمعتر):
فالقانع فسر بأنه الفقير الذي يقتنع بما يعطى له ولا يسخط. والمعتر فسر بالذي يأتيك ويقصدك من الفقراء.
ثم اشار الى قسم ثالث بقوله (عليه السلام): (وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ...)
وهو من اعتزل في بيته لا يسأل بلسانه ولا يعرض نفسه في مظان الترحم وقضاء الحوائج اما لعفته وعزة نفسه واما لعدم قدرته على ذلك كالزّمنى ونحوهم..
ثم يقول الامام (عليه السلام): (واحفَظ لله مَا استَحْفَظَكَ من حَقِّه فِيهِمْ)
فان الله جعلك حاكما عليهم وواليا وحافظا لحقوقهم المالية والاجتماعية حتى تؤدي الى كل فرد منهم حقه فأحفظ هذه الوديعة المهمة واعتن بحقوق هؤلاء طلباً لمرضاة الله تعالى وحذرا من نقمته لأنهم لا يقدرون على مقابلة من يهضم حقوقهم.
(وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ)
أي اجعل لهؤلاء الفقراء والمحتاجين والمساكين واهل البؤس والزمنى سهما من بيت المال العام وقسما ونصيبا من غلات صوافي الاسلام (جمع صافية وهي الارض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويحتمل ان يكون المعنى اجعل لهم نصيبا من ثمرات ما يحصل في بلدهم بمعنى تخصيص ثمرات كل بلد لفقراءه ومساكينه.
(فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ)
الاقصى والادنى يمكن ان يراد بهما البعيد والقريب من حيث السكن ويمكن ان يراد بهما البعد والقرب من الحاكم سببا او نسبا او علاقة او محبة او منصبا او عشيرة ونحو ذلك من الجهات فعلى المعنى الاول يكون لا فرق في العناية بين من يكون بحضرتك من الفقراء وبين من يكون ساكنا في المناطق البعيدة وعلى المعنى الثاني لا فرق بين القريب اليك لأحد الاسباب المذكورة والبعيد عنك وان كانوا جميعا في بلدك او في غيره، وبالتالي فان المناط في اعانتهم ورعايتهم بالتساوي فقرهم وحاجتهم لا الامور المذكورة.
(وَلَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ)
أي لا يصير الزهو بمقام الحاكمية والولاية التي لك موجبا لصرف النظر عنهم وعدم التوجه اليهم معللا ذلك بالاشتغال بالأمور المهمة العامة فان احكام الامور الهامة الكثيرة لا يكون مبرراً لصرف النظر عن الامور الواجبة القصيرة – فانك قد استرعيت حقوقهم أي جعلك الله تعالى مأموراً بمراعاة حق كل واحد منهم.
(فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ)
أي انك لست بمعذور عند الله تعالى بتضييعك التافه أي القليل لأجل ان تحكم وتتقن المهم الكثير من المسؤوليات فان تضييع الحق ولو كان قليلا ً غير مقبول ولا يعذرك الله فيه واذا كان كذلك فلا تصرف همك وقصدك عن الفقراء المحتاجين بل توجه اليهم توجها بليغا واسعَ في قضاء حوائجهم ولا تصعر خدك لهم أي لا تمل بوجهك عنهم تكبرا واستخفافا بهم.
(وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ)
ثم اوصى بالتفقد للقسم الثالث وهم الذين لا يصلون الى الوالي لعجزهم او لبعدهم وكذلك الضعفاء والفقراء الذين لا يقدرون على عرض حوائجهم عليه ممن تزدريهم العيون وينظر بعض الناس اليهم ينظر الحقارة مع انهم في الواقع ليسوا كذلك فأجعل لهم وسيلة من رجال تثق بهم وفرغ هؤلاء الثقات للبحث عن هؤلاء المحتاجين ومعرفة احوالهم مع اتصاف هؤلاء الثقات بالخوف من الله تعالى والتواضع لعظمته حتى لا يأنفوا ولا يتكبروا عن التعرف على هؤلاء الفقراء وتفقدهم ثم يرفعون حوائجهم اليك ويخبرونك بأحوالهم وظروفهم المعاشية والاجتماعية ثم يعمل فيهم أي يعمل في حقهم من الرعاية وقضاء الحوائج ما امره الله به بحيث يعذر اليه أي يكون ذا عذر عنده اذا سأله عن فعله بهم وماذا قدم لهم.
(فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ)
ونبه (عليه السلام) في وجه الحكمة لمزيد العناية بهؤلاء بقوله (عليه السلام) فان هؤلاء.. أي ان هؤلاء الفقراء الذين يحتقرون بين الناس احوج الى الانصاف والعدل من غيرهم وذلك، ولكنه اكد على ضرورة اداء حق الجميع اليه بلا فرق بين صنف وصنف فقال (وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ) أي ادّ حق جميع الاصناف من المحتاجين ليكون لك عذراً عند الله تعالى حيث فوض امرهم اليك وجعلك واليا عليهم..
واضاف الكربلائي بقوله "ايها الاخوة والاخوات بعد هذا الشرح نود ان نلفت النظر الى ان من ابرز مصاديق المحتاجين واهل البؤسى الذين اوصى بهم الامام (عليه السلام) في عهده واكثرهم استحقاقاً للعناية والرعاية في هذا الوقت هم النازحون عن مدنهم وقراهم.. ولكي نضعكم في ملامح الصورة التفصيلية لما يعانيه هؤلاء المواطنون من الحرمان والبؤس وفي ظل هذه الظروف الجوية القاسية نذكر لكم هذا المشهد المتكرر في اكثر من مكان"
وقص ممثل المرجعية الدينية العليا قصة رجل سبعيني في عمره احدودب ظهره في انهكته سنون العمر الطويلة هَمَّ مغادرا داره مع عائلته على عجل وفي وجل في ليلة لا ينسى تفاصيلها ما بقي حيا.. ستبقى ذكرياته الحزينة تقض مضجعه وهو ينتقل من قرية الى اخرى فما ان تطأ قدمه احداها حتى يجدها خاوية على عروشها لا يشم منها الا رائحة الموت ولا يبصر منها الا الدمار والخراب فيعلم انها هي الاخرى هُجِّر اهلها قسرا بعد ان خيروا بين حز الرقاب او الخضوع للظلم والارهاب وانتهاك الاعراض.. فينتقل الى مكان آخر عله يجد ارضاً في وطنه تؤويه هو وارملة ابنه المقتول واطفاله اليتامى الذين يتضورون جوعا ويرتعدون خوفا حتى لاح له من بعيد مخيم للنازحين فتوجه اليه على امل ان يستفيئوا فيه بظل يحجب عنهم اشعة الشمس الحارقة في الصحراء القاحلة ويجدوا فيه بعض الماء والطعام..
وفي المخيم وجد قليلا ً من الرجال وكثيراً من النساء والاطفال بينهم العديد من الارامل واليتامى، ولاح له يتيم متيم بالشوق لوالده المقتول غدرا تحتضنه امه التي انهكتها ايام الترمل والفراق وقساوة الحياة تحتضنه بكل ما اوتيت من قوة وحنان فلم يعد لها سواه.. انها تخشى ان تخطفه يد المنون كما خطفت والده، وجلست على مقربة منها عجوز تنتحب بكاءً وهي تستذكر اولادها القتلى وقد تناثرت اشلاؤهم وسط انقاض دارهم التي فجرها الارهابيون- وتمنت لو انها لم تخرج من ذلك الحين وكانت معهم الان جثة هامدة تحت الانقاض- وفي جانب آخر من الخيمة جلس بعض الرجال والشباب مهمومين مغمومين يفكرون في مستقبلهم ومتى وكيف يتخلصون من هذا الوضع الصعب.
وفي هذا الاثناء وصلت الى المخيم سيارة الاغاثة فهرع الاطفال نحوها يتشبثون بها ويتهافتون ملهوفين للحصول على ارغفة خبر تسدّ جوعتهم وقناني من الماء يطفئون بها عطشهم وبعض المواد الضرورية الاخرى التي جاد بها اهل الخير ولكنها لا تكفيهم الا بضعة ايام – وتساءل ومعه بقية النازحين في المخيم أمن العدل ان نعيش هذه الظروف المأساوية ونحرم من ابسط حقوقنا كمواطنين في هذا البلد وهناك الكثير من الفاسدين الذين يتنعمون بخيراته ويتهافتون على نهب ثرواته وليس هناك من يمنعهم عن ذلك ويؤاخذهم عليه، بالرغم من الدعاوى الفارغة لبعض المسؤولين من انهم جادون في مكافحة الفساد ؟
ودعا الشيخ عبد المهدي الكربلائي الى ضرورة رعاية النازحين شعبيا بعد فشل الحكومة في توفير مستحقاتهم الخدمية بقوله "ومن المؤكد ان رعاية العوائل المهجرة وتأمين المستلزمات الضرورية لهم الى حين عودتهم الى مدنهم وقراهم هي بالدرجة الاساس واجب الحكومة ومسؤوليتها.. ولكن في ظل تقصيرها وقصورها نهيب بالمواطنين جميعاً كل حسب امكاناته ان يساهم في مساعدة هؤلاء الاعزاء بالطريقة التي تتسنى له مع رعاية كرامتهم وحرمتهم..
وختم الكربلائي بقوله اللهم تفضل على فقراءنا بالعفة والغنى وعلى مرضانا بالشفاء والعافية وعلى احياءنا باللطف والكرامة وعلى امواتنا بالمغفرة والرحمة وعلى النازحين والمهجرين من اوطانهم بالعودة اليها سالمين غانمين..
https://telegram.me/buratha