دعا وزير الخارجية، أبراهيم الجعفري، دول قمة عدم الانحياز التي تختتم أعمالها في فنزويلا، اليوم الأحد، الى ترك الحياد في الحرب على الارهاب ودعم العراق بها.
وقال الجعفري في كلمة العراق التي ألقاها في قِمَّة القادة والرؤساء لحركة عدم الانحياز السابعة عشرة في فنزويلا "ماذا يعني عدم الانحياز؟، هل عدم الانحياز هو عدم التفاعل مع أحداث العالم، والوقوف بعيداً عمَّا يجري من مظالم في هذه القارَّة، وفي تلك القارَّة، وفي هذا البلد، وفي ذلك البلد؟، هل عدم الانحياز يعني أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء المظالم التي انتشرت اليوم في كلِّ قارَّات العالم، وفي كلِّ بلدان العالم؟.. ماذا يعني عدم الانحياز، هل كان الحياد حياداً سلبيّاً لا يتدخل في شُؤُون أحد، أم الحياد يعني أن نتعامل إيجابيّاً مع هذه الدولة، وتلك الدولة، وننصر هذا البلد المُستضعَف، وذلك البلد الآخر؟".
وأضاف "يجب أن نـُحدِّد هذا المفهوم، ويجب أن يأخذ مفهوم عدم الانحياز تفاعله العميق مع مشاكل العالم، ومعاناته. العالم اليوم يغصُّ بالكثير من المُفارَقات، حيث حُرّية الإنسان مُنتهَكة، وكرامة الإنسان مُدنـَّسة" مشيرا الى ان "المجموعة التي أسَّست لعدم الانحياز لم تكن تعيش عالمنا الحاليَّ عالم الإرهاب، ولكن تتصوَّرون لو أنَّ هؤلاء الذين أسَّسوا لعدم الانحياز يرون ما يرون العالم اليوم حيث انتشر الإرهاب في كلِّ قارَّات العالم، ويُفجِّر هذا البلد، وذلك البلد".
وأكد الجعفري "يجب عدم الانحياز لا ينبغي أن يُجمَّد على مرحلة التأسيس، ومفهوم عدم الانحياز مفهوم ديناميّ مُتحرِّك ينفتح على الأشياء الجديدة، وينفتح على الطموحات الجديدة، ويسعى من أجل تحقيقها، وكذلك ينفتح على المشاكل الجديدة، ويسعى للتصدِّي لها، والوقوف بوجهها، والعالم كله اليوم يشهد حرباً عالميَّة ثالثة جديدة تختلف عن الحرب العالميَّة الأولى، وتختلف عن الحرب العالميَّة الثانية، الحرب الأولى كانت حرب جُيُوش عسكريَّة تتقاتل فيما بينها، والحرب العالميّة الثانية انتصفت 50% جُيُوش، و50% مُؤسَّسات مدنيَّة، أمَّا هذه الحرب الثالثة فهي فقط في أوساط المدنيِّين: الطفولة، والنساء، والشيوخ، والشباب في كلِّ مكان ضحاياهم ذات طبقة اجتماعيَّة إنسانيَّة، هذه الحرب الجديدة".
وتابع مخطابا اعضائ القمة "جئتكم من العراق البلد المنكوب إرهابيّاً، البلد الذي قدَّم ضحايا إرهابيّاً، البلد الذي يُواجه بشجاعة الإرهاب، البلد الذي يُسجِّل انتصارات على أرض الواقع، وهو عندما ينتصر ليس فقط ينتصر لشعب العراق إنما ينتصر لكلِّ بلدانكم؛ لأنَّ الإرهاب لا يستثني بلداً، ولا يستثني ديناً، ولا يستثني قوميَّة وإنما يحاول أن ينتشر في مختلف مناطق العالم، وليس لنا إلا أن نواجهه كلنا".
وقال وزير الخارجية "أتطلع أن يشهد رواق عدم الانحياز حِصَّة وافرة من الاهتمام خطاباً، وتنظيراً، وثقافة، ومساعدة على كلِّ الصُعُد. يجب أن يقف إلى جانب الدول المنكوبة بالإرهاب، الإرهاب يتقاطر من أبناء بلدان العالم الذين ينتمون إلى كبرى ديمقراطيّاتكم من كلِّ دول العالم يأتون إلى العراق لينشروا لواء الحرب، والقتال، والعنصريَّة، والإقصاء، ونحن لا نحكم من خلالهم على بلدان العالم".
ولفت الى ان "جنسيَّات الذين جاؤوا إلى العراق يُقاتِلون باسم الإرهاب ينتمون إلى 100 بلد في العالم بعضهم ينتمون إلى كبرى ديمقراطيات العالم جاؤوا إلى العراق ليُمارِسوا هذا العمل، وأبناء الشعب العراقيِّ يُواصِلون، ويُقاتِلون باستبسال".
وأشار وزير الخارجية الى ان "الأعداد الغفيرة الذين قـُتِلوا في زمن الدكتاتوريّة المقبور في كردستان العراق في حلبجة، وفي الأنفال، وفي الثورة الشعبانيّة فقد تجاوزت نصف مليون إنسان بريء دُفِنوا وهم أحياء في مقابر جماعيَّة. هذا هو الإرهاب الحديث الذي يحاول أن يمدَّ نفسه، ويمتدَّ إلى كلِّ هذه المناطق. ما توقف عند العراق، ويتفشـَّى اليوم في سورية على شكل منظمات إرهابية، وكذلك الحال ليبيا، وتونس، ومختلف مناطق العالم، أين نحن من هذه الأحداث؟".
وأضاف "لا يكفي أن نوجه خُطباً من خلال هذه القاعات، والأروقة، بل لابُدَّ أن نـُسجِّل حُضُور ثقافة تعادل ثقافة الإرهاب، وفكر يُعادِل فكر الإرهاب، وأخلاقيَّة تعادل أخلاقيّة الإرهاب، وهناك أموال تموِّل الإرهاب، وهناك إعلام للإرهاب، وهناك دول تتولى عمليّة تدريب هؤلاء الإرهابيِّين، وتبعث بهم إلى مناطق أخرى. هذا هو الواقع الذي نعيشه في مُواجَهة الإرهاب، الإرهاب عالميّ، ويجب أن نضع المُعادِل العالميَّ للإرهاب، ونـُشِيع السلم".
وأوضح ان "حرب داعش حرب أخذت صفة حرب الأسواق، والمستشفيات، والمدارس، والأعياد، وكانت الكارثة التي عمَّت في العراق قـُبَيل العيد بيومين انقضَّت على سوق يوم العيد وقتلت مئات الأبرياء من النساء والأطفال وهم يتسوَّقون للعيد.. مطلوب تسجيل مواقف في ميادين المُواجَهة، يجب أن نقف إلى جانب الدول التي تـُنكـَب، وتـُهدَّد بالإرهاب".
وأكد ان "العراق اليوم اختلف عن العراق السابق، فالعراق السابق شنَّ حُرُوباً على دول الجوار الجغرافيِّ، دولة الكويت تعرَّضت لاحتلال من قبل صدام حسين، والسعودية تعرَّضت لقصف بمدافع صدام حسين، والجمهوريّة الإسلاميَّة في إيران تعرَّضت لأطول حرب في القرن العشرين ثماني سنوات شنها صدام حسين على الجمهوريَّة الإسلاميَّة، وفي الداخل العراقيِّ كانت هناك حُرُوب محليَّة، ومنها: قمع الثورة الشعبانيَّة في الوسط والجنوب، وقمع انتفاضة محمد مظلوم في الأنبار، وقمع وتدمير وكيمياوي في منطقة كردستان، هكذا كان العراق".
ونوه الى ان "العراق اليوم يشهد فصولاً انتخابيّة ديمقراطيّة، ويُساهِم الشعب كلـُّه في الانتخابات كلها، هذا هو العراق الجديد، والعراق الجديد لم يُشعِل فتنة، ولا معركة، ولا حرباً، ولم يمسَّ سيادة دول الجوار الجغرافيِّ، والعراق يُبرم أرقى العلاقات مع هذه الدول سواء كانت تركيا، أم إيران، أم سورية، أم الكويت، أم الأردن جميعاً يحظون بكلِّ الاحترام والتقدير من قِبَل الشعب العراقيِّ، ومن قِبَل الحكومة الجديدة، والعراق اليوم يقطع أشواطاً طويلة على طريق الديمقراطيَّة، وإقامة الديمقراطيَّة".
وبين ان "محاولة الإرهاب تشويه صورة الإسلام هذا الدين العظيم شأنه شأن الديانات الأخرى التي احترمت الإنسان، وحقوقه، كلمة الإسلام اشتـُقـَّت من السلم، والمحبة، والتقدير هؤلاء باسم الإسلام يُحاولون أن يُلوِّثوا صورة الإسلام، ويدَّعون أنهم مُسلِمون، وهذا واجب المُجتمَعات الدوليَّة جميعاً أن تشهد من خلال المُواطِنين أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ينتشرون في مختلف دول العالم، وانتشرت معهم المحبَّة، والأخوَّة، والعلم، والتعايش، وتشهدون جيِّداً على المسلمين في بلدانكم كيف يتعرَّض الإسلام، ومفهوم الدين للتشويه؛ لذا من واجبنا أن نقف بوجه هذا التطرُّف الأعمى، وعلينا أن نقف بوجهه بكلِّ حزم، وشجاعة".
وقال الجعفري "المأمول من دول حركتنا اليوم هو دعم الشعب العراقيِّ، والوقوف إلى جانبه، والعراقـيُّون يُسجِّلون انتصارات باهرة في أكثر من مجال، ويُقدِّمون أبناءهم وهم يحملون أرواحهم على الأكفِّ لكي يُسجِّلوا انتصارات، وقد سجَّلوا الانتصارات فقد طهَّروا الفلوجة من دنس الدواعش، وإن شاء الله المعركة القادمة ستكون في الموصل، وهذا الانتصار وإن حمله أبناؤنا العراقيون في الداخل، لكنه انتصار لكم، ولكلِّ بلدانكم من دون استثناء؛ لأنَّ خطر داعش والإرهاب يقرع طبوله على كلِّ بلدان العالم".
وأكد ان "العراق اليوم يُصِرُّ على إقامة دولة تحترم حقوق الإنسان، وتحترم المواثيق الدوليَّة، وتحترم دول الجوار الجغرافيِّ، وتـُقدِّر أنه لا يُوجَد عالم بلا مشاكل لكنَّ عدم الانحياز يجب أن يضع في حسابه كمؤتمر أنه لابُدَّ أن يتصدَّى لهذه المشاكل، ولابُدَّ أن يتصدَّى، ويضع في حسابه أنَّ العالم لا يحترم إلا القويَّ، القويّ بعدالة، والقويّ بالرحمة، والقويّ بالإنسانيّة.. هؤلاء الإرهابيُّون يتفنـَّنون في قتل الأبرياء من النساء، والأطفال، والشيوخ، والكهول، والكبار، والشباب، يُحرِقونهم وهم أحياء".
وتابع ان "الشعب العراقيّ يُقاتِل بقواته المسلحة الباسلة من مُختلِف المُكوِّنات من الحشد الشعبيِّ الشجاع، والمُقدَّس إلى البيشمركة الإخوة الكرد إلى أبناء العشائر الوطنيَّة العراقيّة كلهم تتضافر جُهُودهم من أجل المُواجَهة، وهذه تجربة جديرة بالدراسة، وجديرة بالتدقيق، وجديرة بالتعميم. عندما يتعرَّض البلد للانتهاك لابُدُّ لكلِّ أبناء الشعب بمختلف مُكوِّناته أن يُشمِّروا عن ساعد الجدِّ، ويُواصلوا جهادهم من أجل قهر قوى الشيطان".
ونوه "نحن إنما نقاتل رُغم الظروف الاستثنائيَّة التي يمرُّ بها العراق من انخفاض حادٍّ بأسعار النفط، وارتفاع حادّ بمُستوى النفقات لتمويل القوات المسلحة العراقيّة مع الانخفاض الحادِّ بالموارد، والارتفاع الحادِّ بالنفقات مع ذلك يُقاتِل العراقيون، ويُصِرُّون على أن يُسجِّلوا هذه الانتصارات، نحن نعمل تحت شعار [الاستثمار لدعم الأمن والإعمار]" مؤكدا ان "أمن العراق مُهدَّد، وأمن المنطقة، وأمن العالم كذلك مُهدَّد، وكذلك الحال أثر في الإعمار؛ لذا تتضاعف جُهُودنا جميعاً من أجل أن نقيم الاستثمار لدعم الأمن والإعمار".
https://telegram.me/buratha