دمرت الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين في سورية كل مقومات النظام الاقتصادي السوري، وحسب مؤسسات مالية عالمية فإن سورية ستحتاج لعقود طويلة من أجل العودة إلى معدلات النمو المسجلة قبل عام 2011. وكانت مقومات الاقتصاد السوري قبل الحرب مرتكزة بشكل أساس على الإنتاج النفطي والزراعي وعائدات المغتربين من النقد الأجنبي، لكن ومع تزايد حدة الحرب استهدفت مناطق إنتاج النفط بشكل تدريجي، وأوقفت المشاريع التي كانت تهدف إلى تنمية هذا القطاع مباشرة بعد اندلاع الحرب، وتراجع الإنتاج النفطي لسورية من 380 ألف برميل يوميا إلى أقل من 15 ألف برميل يوميا، ومباشرة بعد سقوط عدد من مناطق الشمال الغنية بالنفط في أيدي مقاتلي المعارضة، توقف الإنتاج في هذه الوحدات.
وعلى الرغم من أن إنتاج الغاز تراجع بشكل أقل كون أغلب المحطات المنتجة للغاز لا تزال في يد الحكومة السورية، إلا أن تصدير الغاز والبترول الذي كان يمثل 35% من إجمالي صادرات سورية إلى الخارج أصبح مستحيلا مع العقوبات التي فرضت عليها. AFP SANA لم يكن قطاع النفط والغاز المتضرر الوحيد من الأزمة، التي أرخت بظلالها على القطاع الزراعي أيضا والذي يعد رافداً أساسياً لتحقيق الأمن الغذائي ما انعكس سلبا على المواطن السوري، وتراجع إنتاج القمح خلال موسم عام 2013 بنسبة 80% والشعير بنسبة 85%، وعللت وزارة الزراعة السورية هذا التراجع بسبب الظروف الراهنة وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وصعوبة تأمين المحروقات ووسائل النقل وانقطاع الكهرباء والجفاف ونقص المساحات المزروعة وعدم تغطية الإنتاج لحاجة السوق والتي يتم تأمينها حاليا عن طريق الاستيراد. فيما يتعلق بالإنتاج الصناعي فتوقفت أغلب المجمعات الصناعية في كل من حلب ودمشق عن العمل أيضا، وحسب تقرير لبنك "بيبلوس"، فإن 75% من الأنشطة الصناعية توقفت تماما في المدينتين، فيما استقر عدد من رجال الأعمال السوريين في مصر التي تمنح تسهيلات عديدة فيما يخص المصانع بالإضافة إلى اليد العاملة الرخيصة. الفلاحة السورية تضررت بشكل كبير من النزاع الدائر خلّف تضرر القطاعات الاقتصادية وضعا كارثيا على الاقتصاد السوري، حيث تجاوزت نسبة التضخم مستوى 58.2% في عام 2013، كما تعاني المصارف الرئيسية في البلاد من قلة السيولة وعدم تسديد زبائنها للديون، وواصلت الليرة السورية انهيارها أيضا لتصل إلى أدنى مستوياتها ثم عادت للاستقرار عند مستوى 150 ليرة سورية للدولار الواحد، لكن المشكلة الأكبر التي تواجه سورية تتمثل في تراجع الاحتياطات المالية من 18 مليار دولار إلى ملياري دولار، مما اضطرها للاقتراض من إيران وروسيا من أجل استيراد المواد الغذائية ومصادر الطاقة. وأدى الوضع الاقتصادي الكارثي، حسب تقرير منظمة "الأونروا"، إلى اختفاء 2.3 مليون وظيفة، وإلى تدني معدلات الاستهلاك بنسبة 47% خلال عام 2013.
ويقول مايكل باورز مدير الاستراتيجية في مؤسسة "ميرسي كور" لإغاثة اللاجئين أن هناك قاعدة وثيقة تقول إنه عادة ما يحتاج أي بلد إلى حوالي سبع سنوات للتعافي من كل سنة من سنوات الحرب الأهلية، كما يرى خبراء أن سورية ستحتاج لثلاثة عقود للعودة إلى معدل النمو الذي كانت تحققه قبل اندلاع الصراع الدموي في البلاد. وعلى هذا الحال ودع الاقتصاد السوري عام 2013، بعد تراجع الإنتاج ودمار البنى التحتية في معظم المحافظات السورية وهروب رؤوس الأموال وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وإغلاق العديد من المصانع والمؤسسات مما ضاعف أعداد العاطلين عن العمل، ومع استمرار الصراع في البلاد فإن مسألة إعادة إصلاح الاقتصاد ستكون صعبة للغاية ومن الممكن أن تأخذ وقتا طويلا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي إصلاح اقتصادي بحاجة إلى الاستقرار والأمن، وهذا لن يأتي سوى عبر حل سياسي لا يزال بعيدا عن أرض الواقع بانتظار جنيف 2. المصدر: RT + وكالات
https://telegram.me/buratha