وسيم ابراهيم
خاب أمل الأوكرانيين الذين انتظروا مؤشراً إيجابياً من القمة الروسية الاوروبية. كل الكلام الديبلوماسي “المغلّف” لم يستطع إخفاء الاجواء الشديدة التوتر بينهما في بروكسل. بوجه مقطب وعابس، لم يستطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاسترخاء للحظة. أخذ طوال المؤتمر الصحافي الختامي يهزّ برجله. كان الحديث وقوفا فبدا أحيانا كلّه يهتز. لم يفلت قلمه وهو يسجل ملاحظاته على كلام مضيفية. كانت ديبلوماسية تتشقق تحت خلافات تغلي. الخلاصة أن بوتين لن يسهّل وساطة الاوروبيين للتهدئة في كييف، أو الأصح أن موسكو لن تصاب بالأرق إن فشلت الوساطة. في النهاية، أوكرانيا هي بيضة القبان في مشروع الأوروبيين لمد نفوذهم شرقاً، وقادة بروكسل أسمعوا ضيفهم أن قطار “الشراكة الشرقية” ماض إلى جورجيا ومولدافيا.
كانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون في اجتماع القمة مع بوتين، وهي بالتأكيد سمعت ترجمة أوضح لكلامه أنه “ضد التدخل الخارجي” في أوكرانيا، وتأكيده أن “كثرة الوساطات تزيد المشكلة”. لكنها مع ذلك، غادرت إلى كييف لتلتحق بالمفوض الاوروبي للتوسع ستيفان فيولا، الذي سبقها منذ الاثنين الماضي، للخوض في لقاءات مكثفة مع قادة المعارضة والرئيس فيكتور يانوكوفيتش. الوساطة المفتوحة تواجه مهمة شاقة، وعليها إرضاء ثلاثة أطراف: المعارضة المنتشية، المحتجون الصامدون، ولا يقل صعوبة التوفيق بين طموحات يانوكوفيتش وما تريده روسيا ممن يوصف بـ”رجلها”.
الاوروبيون مشغولون بأجندة تثقلها انتخاباتهم القريبة، ولن يمانعوا في كسب جولة مهمة. سيرضيهم الآن الحصول للمعارضة على حكومة، مع صلاحيات أوسع، تستعاد من سلطة الرئيس عبر تعديل الدستور. قوانين تقييد التظاهر ألغيت في البرلمان، وإطلاق سراح المتظاهرين المعتقلين يناقش. لكن لا شيء يضمن للمعارضة السيطرة على الشارع المطالب باستقالة الرئيس وبانتخابات مبكرة.
الروس والاوروبيون يرددون بأنهم “حلفاء استراتيجيون”، ويوردون احصاءات تشهد بالتجارة المزدهرة بينهما. لذلك لا يقال في خطاب “الحلفاء” المتبادل “أنا أكره”، بل “لا أحب”. هكذا يمكن فهم كلام بوتين تجاه وساطة بروكسل. رفضه مبدأ “الوساطة”، يعني أنه لن يمانع في أن تفشل وسيعمل على ذلك.
ضحكات المسؤولين الاوروبيين من كلام الرئيس الروسي، لا تمنع أنهم يقرون بواقعية بعض انتقاداته. يتجول الآن في كييف الوزيرة آشتون والمفوض فيولا، ووفد من 12 برلمانياً أوروبياً، جميعهم يخطب دعماً للاحتجاجات.
بوتين قال لمستضيفيه: تخيلوا لو تقاطر السياسيون الأجانب لدعم المحتجين في اليونان وغيرها. كل ما يحدث لا يسرّ سيد الكرملين في شيء. لديه لمناوأة الاوروبيين حليفه يانوكوفيتش، وصفقة المساعدات الهائلة التي قدمها منتصف الشهر الماضي.
على أية حال، لم تتأخر إشارات استخدام هذه الأدوات. حالما عاد الرئيس الروسي من بروكسل، اجتمع بحكومته لتخرج بالرسائل المطلوبة. من أصل قروض حجمها 15 مليار دولار، تلقت اوكرانيا ثلاثة مليارات على شكل شراء سندات، وكان الاتفاق أن يضخّ الباقي بداية العام. لكن هذا لم يحصل، الاضرابات اشتدّت. الحكومة الروسية أعلنت أمس أنها ستعيد النظر في “جدول ومعايير” الإقراض بناء على وضع الحكومة المقبلة. والأخيرة، في حال سارت التسوية، ستكون حكومة معارضة عليها التفاوض مجدداً مع موسكو. لا مهرب إذاً، إلا إذا قدمه الاوروبيون المرهقون ماليا.
لم يعد سرا أن قضية القروض ستستخدم للضغط. بوتين قال إنه مهما حدث يريد ضمان “استعادة نقودنا”. أوعز لحكومته بتكرار حديثه: سنكمل الوفاء بالتزاماتنا، ولكن يجب أن نرى ما يحصل.
وبدا واضحا أن هناك خلافات روسية أوروبية تستأهل اختصار قمة يومين إلى اجتماع ثلاث ساعات. على مسامع ضيفهم، تقصّد الاوروبيون الاعلان إنهم ماضون في مشروع الشراكة الشرقية، ويتطلعون لتوقيع اتفاقيتها مع مولدافيا وجورجيا اللتين وقعتاها بالاحرف الاولى أخيرا. إنها نفس الاتفاقية التي تراجعت عنها كييف، بضغط شديد من موسكو، ما سبب الأزمة المستمرة. ولم يسمع الاوروبيون لاعتراضات بوتين، ولم يقبلوا بالاعتراف بنفوذ موسكو في جوراها الشرقي. رفضوا مجددا إشراك روسيا طرفاً للتشاور حول توقيع الاتفاقيات. أقصى ما قدموه، أول أمس، كان إنشاء لجنة تقنية لبحث “العواقب” الاقتصادية المحتملة للاتفاقيات على روسيا. بوتين كرر، ومن باب الأضرار الاقتصادية، أنه يعارض تلك الشراكات وخصوصا مع اوكرانيا.
لا يمكن أن يشبه هذا سوى أجواء حرب باردة. هكذا تستمر أوكرانيا في دفع ثمن لم يصل سقفه بعد. ها هو ليونيد كرافتشوك، أول رئيس لها بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، يقول أمام البرلمان إن البلد وصل “شفا الحرب الاهلية”. التقسيم ليس مجرد كابوس: في الغرب صارت مجالس الحكم في 14 محافظة، من أصل 25، محاصرة بالمحتجين، والمحافظات الباقية في الشرق والجنوب، الناطق بالروسية، تنحبس بنصب المتاريس والأسيجة الحديدية. الرئيس الاميركي وزعماء اوروبا أعادوا أمس بعث رسائل الدعم للمعارضين، روسيا عابسة، وكل الاحتمالات لا تزال مفتوحة.
17/5/140130
https://telegram.me/buratha