اعتراضات دولية كثيرة رافقت إعلان نتائج استفتاءالقرم، تبعها الإعلان عن عقوبات عديدة ضد مسؤولون روس وأوكرانيين؛ أما ردّ الفعل الروسي فلا يزال مجهولاً، بانتظار خطاب الرئيس الروسي اليوم الذي قد يمثّل منعطفاً جديداً من تاريخ العلاقات مع الغرب
نجحت روسيا، بما لا شك فيه، في تكريس نفسها نداً للولايات المتحدة في «أوراسيا»، بعدما أفلحت في تنظيم استفتاء في جمهورية القرم أعلنت على أثره دولة مستقلة بشهادة فلاديمير بوتين الذي سيحسم قراره في شأن ضم الدولة الوليدة إلى الاتحاد الروسي اليوم.
كان يمكن هذا الاستفتاء أن يمثّل نقطة اللاعودة في الصدام الروسي الغربي حول أوكرانيا. لكن الكلمة المفتاح كانت في تصريح باراك أوباما يوم أمس: «ما زال الحل السياسي ممكناً». إقرار أميركي بالوضع الجديد، ورسالة أميركية على مستوى القمة إلى بوتين تفيد باستعداد أميركي لمفاوضة روسيا في وضع أفضل لهذه الأخيرة. في النهاية، ما عادت هناك حاجة، بعد الاستفتاء، سوى لبعض الاجراءات الشكلية لكي تصبح جمهورية القرم جزءاً من روسيا.
وفي ما حصل الكثير من العبر، أولاها سقوط نظرية المقايضة التي راهنت على أن روسيا، بعدما حُشرت في الزاوية الأوكرانية حيث الأمن القومي الروسي على المحك، ستقايض الأميركيين في ساحات أخرى. وكم تبدو لافتة مصادفة اعتراف بوتين باستقلال القرم مع انتصار الجيش السوري في يبرود.
لكن بين الوضع السابق لجمهورية القرم عندما كانت جزءاً عضوياً من أوكرانيا وبين الوضع المأمول، عضواً في الاتحاد الروسي، المسافة كبيرة، وعلى بوتين أن يحدد اليوم النقطة الذي سيقف فيها.
وكما كان متوقعاً منذ الإعلان عن تنظيم استفتاء حول مستقبل جهورية القرم، أعلن برلمان شبه الجزيرة ذات الحكم الذاتي استقلاله عن جمهورية أوكرانيا عقب انتهاء الاستفتاء. وأعطى بيان الاستقلال وضعاً خاصاً لمدينة سيباستوبول جنوب القرم، والتي تضم أكبر قاعدة بحريّة تابعة للجيش الروسي.
وشدد البيان على أن «جمهورية القرم المستقلة» ستبني علاقاتها مع البلدان الأجنبية استناداً إلى أسس المساواة والسلام وحسن الجوار، داعياً الأمم المتحدة وجميع دول العالم إلى الاعتراف بـ«جمهورية القرم المستقلة» التي أسّست من قبل شعوب القرم، على حد قوله.
وسارع برلمان القرم إلى الطلب رسمياً الانضمام إلى روسيا، واتخذ قراراً بـ«تأميم» الأسهم العائدة إلى شركة النفط والغاز الأوكرانية العامة «تشيرنومورنفتغاز»، إضافة إلى حل الوحدات العسكرية الأوكرانية ومنح العاملين فيها الخيار بين مغادرة المنطقة أو البقاء فيها والانتماء إلى القوات المسلحة في القرم.
ونقلت وكالات أنباء روسية عن المركز الصحافي للكرملن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقّع أمس مرسوماً بالاعتراف بمنطقة القرم الأوكرانية دولة ذات سيادة. ومن المتوقع أن يلقي بوتين اليوم خطاباً أمام البرلمان الروسي حول القرم التي طلبت الانضمام إلى روسيا. في هذا الوقت، أكد فريق المراقبين الدوليين الذي تولى الإشراف على استفتاء القرم أن عمليات الاقتراع وفرز الأصوات جرت بمراعاة المعايير الدولية في هذا المجال. وجاء في بيان صدر أمس عن الفريق أن نتائج الاستفتاء تعكس إرادة المشاركين في الاقتراع.
ونتيجة للاستفتاء، أقرّ برلمان أوكرانيا أمس خطة لتعبئة 40 ألفاً من جنود الاحتياط لمواجهة «العدوان السافر» الذي قامت به روسيا في القرم، ولصدّ ما وصفه مسؤول كبير بمزيد من عمليات التوغل في جنوب البلاد وشرقها.
وكان أوباما قد قرر فرض عقوبات على أحد عشر مسؤولاً روسياً وأوكرانياً، بينهم الرئيس الاوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش، رداً على الاستفتاء حول إلحاق القرم بروسيا. وبين المسؤولين المعرّضين لتجميد أرصدة في الولايات المتحدة، بحسب الحكومة الأميركية، نائب رئيس الوزراء ديمتري روغوزين، ورئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو، إضافة الى مستشارين اثنين مقرّبين من الرئيس فلاديمير بوتين ونائبين في مجلس النواب. ولم ينف البيت الأبيض إمكان فرض عقوبات على بوتين في المستقبل.
هذه العقوبات الأميركية دفعت نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إلى الإعراب عن امتعاضه من قرار الإدارة الأميركية. وفي حديث صحافي، قال ريابكوف إن هذا القرار يعكس «رغبة مرضية في عدم الاعتراف بالواقع» وسعي الولايات المتحدة إلى «أن تفرض على الجميع مواقفها الأحادية الجانب التي تتجاهل الواقع تماماً».
وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تنظر في مطالب أوكرانية بالحصول على مساعدات عسكرية، لكنه شدد على أن واشنطن تحصر مساعداتها في الوقت الراهن بالدعم الاقتصادي، في سعيها لإيجاد حل دبلوماسي مع روسيا.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «ننظر في مطالب للحكومة الأوكرانية والجيش، لكن تركيزنا الآن على ما تستطيع أن تتخذه روسيا من خطوات لوقف التصعيد».
في غضون ذلك، تبنّى الاتحاد الأوروبي أمس عقوبات بحق 21 شخصية أوكرانية وروسية، تعتبر مسؤولة عن إلحاق القرم بروسيا، كما أعلن وزير الخارجية الليتواني.
وقال الوزير ليناس لينكيفيسيوس، على حسابه على تويتر، إن وزراء الخارجية الأوروبيين «قرروا للتو فرض عقوبات وقيود على السفر، وتجميد أرصدة 21 مسؤولاً أوكرانياً وروسياً».
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن العقوبات تستهدف 13 مسؤولاً روسياً وثمانية أوكرانيين موالين للروس.
وأعلن لينكيفيسيوس أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ «عقوبات إضافية خلال الأيام المقبلة».
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون قد أعلنت قبل اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين أمس، أن الاتحاد سيوجه «أقوى رسالة ممكنة» إلى روسيا، عبر اتخاذ قرار بفرض عقوبات عليها، مع التأكيد في الوقت نفسه أن الأوروبيين لا يريدون التصعيد مع موسكو.
من جانب آخر، انتقدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إيفان سيمونوفيتش الذي قال الأسبوع الماضي إن هناك انتهاكات لحقوق الناطقين بالروسية في أوكرانيا لكن لا توجد أدلة على أنها «واسعة النطاق أو ممنهجة». وقال بيان الخارجية «التقييم المنحاز المتحامل غير الموضوعي لإيفان سيمونوفيتش بشأن وضع حقوق الإنسان في البلاد يدعو إلى الدهشة والارتباك».
إلى ذلك، رفضت أوكرانيا أمس اقتراحاً روسياً بإرسال «مجموعة دعم» للتوسط في الأزمة والسعي لتعديل الدستور الأوكراني، قائلة إنه «غير مقبول تماماً».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية يفين بريبينس إن «بيان الخارجية الروسية يبدو كتحذير. الموقف كما هو معروض غير مقبول تماماً للجانب الأوكراني».
4/5/1403018 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha