لم تعد الأحداث التي تشهدها مدينة طرابلس محصورة بها. فالمخاوف من توسعها تشغل بال الأوساط السياسية والأمنية، لا بل أنّ دبلوماسيي بعض الدول يسألون عن الأوضاع في عاصمة الشمال بشكل دائم، ولديهم قلق من انتقال الحرب السورية إلى الساحة اللبنانية بعد نزوح أعدادٍ من المسلحين في المعارك الأخيرة.
من جهة ثانية، لا يبدو أنّ المجموعات المسلحة في عاصمة الشمال مقتنعة بجولات العنف المتكررة، إذ إنّ القسم الأكبر منها يرى أنها بلا أهداف ودون جدوى، خصوصاً أنها قائمة تحت سقوف محددة مسبقاً.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، في حديث لـ”النشرة”، أن سفراء غربيين في لبنان يسألون دائماً زوارهم عن الأوضاع في منطقتي الشمال والبقاع، وعن مدى إحتمال تورط لبنان في عمل أمني بسبب تواجد أعداد كبيرة من النازحين على أراضيه، لا سيما أن هذا النزوح أخذ الطابع المسلح في الفترة الأخيرة.
وتشير هذه المصادر الى أنّ لدى بعض هؤلاء السفراء معلومات عن احتمال تورط بعض المجموعات بأحداث أمنية في المرحلة المقبلة، بهدف فتح ساحات جديدة لهم بعد تضييق الخناق عليها في سوريا، الأمر الذي ينذر بوجود مخاطر كبيرة على صعيد الأوضاع الأمنية في لبنان، لا سيما أنّ البيئة جاهزة لحصول هكذا تطورات نتيجة التوتر السياسي والطائفي القائم منذ أشهر طويلة، بالإضافة إلى الإستحقاقات الكبيرة التي أصبحت على الأبواب.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ أوساطا سياسية تلقت أكثر من تحذير في الفترة الأخيرة، مضمونها ضرورة العمل سريعاً على تطويق أي حدث أمني، والذهاب نحو فتح قنوات تواصل بين الأفرقاء السياسيين المتخاصمين، خصوصاً أن المظلة الدولية التي كانت تؤمن الحماية للبنان قد لا تستطيع الإستمرار على المنوال نفسه طويلاً، لا سيما بعد الخلافات الكبيرة التي نشأت بين أكثر من جهة إقليمية ودولية.
على صعيد متصل، تكشف مصادر طرابلسية، عن إنفلات سلطة القرار السياسي في عاصمة الشمال من أيدي فاعلياتها، الأمر الذي كان واضحاً من خلال عدم قدرتها على إلزام المجموعات المسلحة بوقف إطلاق النار الذي قرّرته في الأيام الأخيرة، وتعتبر أنها تدفع ثمن رهانها على مجموعات لديها مشاريعها الخاصة، وكانت تستفيد منها على صعيد تأمين الدعم المالي والغطاء السياسي فقط، وتشير إلى أنّ هذا الأمر يؤكد أنّ الأوضاع في المستقبل ستكون أصعب في حال لم يتم أخذ قرار واضح بإعطاء المؤسسة العسكرية الغطاء الكافي لإعادة الأمن والإستقرار في المدينة.
وتنقل هذه المصادر عن بعض قادة المحاور وصفهم جولات العنف التي تحصل بـ”المسخرة”، لا سيما أنّ هناك قراراً بعدم دخول أيّ فريق على الآخر لأسباب عديدة، أبرزها أنّ تداعيات ذلك ستكون كبيرة جداً، في حين يقف المقاتلون خلف متاريسهم من أجل اطلاق النار بشكل عشوائي، وتشير إلى أنّ من يدفع الثمن هم أبناء المدينة الأبرياء الذين لا علاقة لهم بكل ما يحصل.
ويتحدث هؤلاء عن أنّ الهدف من الإعتداءات على وحدات الجيش اللبناني توريطهم بمواجهة مسلحة مع المؤسسة العسكرية، يعلم الجميع أنها لن تكون في صالحهم، في حين هم لا يريدون الدخول فيها، ويعتبرون أن مشكلتهم هي مع الحزب “العربي الديمقراطي” في جبل محسن، وتؤكد المصادر أن هناك جهات تريد استمرار المواجهات في طرابلس بأي شكل من الأشكال من أجل الإستفادة منها سياسياً، في حين تسعى فاعليات المدينة إلى التنصل منها في العلن.
في المحصّلة، ترى المصادر أن هناك مسؤولية كبيرة على الحكومة من أجل أخذ القرارات اللازمة لضبط الوضع في عاصمة الشمال، لا سيما بعد دخول عوامل سلبية إضافية إليها، وتشدّد على أنّ النجاح في هذا الإمتحان سوف يكون رسالة إلى أكثر من جهة تسعى إلى نقل التوتر إلى مناطق أخرى.
4/5/140326