غالب قنديل
يضاعف وطأة القلق السعودي على مصير المملكة العديد من العوامل الداخلية إضافة إلى فشل السعودية في الحرب على سوريا واتضاح حدود القدرة الأميركية في عالم متغير وصعود إيران الدولي والإقليمي وتفكك مجلس التعاون الخليجي وتحولات العراق واليمن والبحرين .
من العلامات الفارقة التي يتفق عليها المؤرخون هي ان انحسار دور أي قوة إقليمية وتبدل المعادلات المؤسسة لنفوذها لا بد وان ينعكس ارتدادا نحو الداخل بازمات وتناقضات متفاقمة تكون عادة كامنة فتطفو على السطح وتتفجر وتلك هي بالذات حال الحكم السعودي المستمر على صفيح ساخن شديد الحرارة .
أولا شكلت معضلة الإرهاب والتطرف عنصرا حاسما في تكوين المملكة السعودية من خلال انتشار المدارس والكليات الدينية التي تخرج الآلاف من المعبئين بثقافة التكفير والإلغاء وإباحة استعمال العنف ضد أي مختلف أو مخالف ويجمع الباحثون الذين درسوا واقع المملكة في العقود الأربعة الأخيرة على تفاقم هذه المشكلة منذ انتفاضة جهيمان العتيبي في الحرم المكي والتي انتهت بمجزرة كبيرة استاجرت المملكة لتنفيذها قوات فرنسية متخصصة في استخدام الغازات السامة .
تلك الأحداث وتفاعلاتها في الحجاز ونجد جابهتها المملكة بالتورط في حروب سرية دفع إليها شباب شبه الجزيرة عبر العالم بتخطيط أميركي وبريطاني وحكاية أفغانستان لم تكن سوى البداية ويمكن تقصي عشرات البلدان التي تعرضت لعصف الإرهاب التكفيري في توقيت يلائم مشاريع الهيمنة الأميركية والغربية ويتماشى مع مخططاتها ومن غير مصادفة حظي هؤلاء الإرهابيون طيلة حوالي أربعين عاما بتمويل سري سعودي في صيغة صفقات نفط مكتومة أو أموال صرفت للجمعيات الوهابية التي ترفع يافطات دينية وإجتماعية وإنسانية داخل المملكة أو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة نفسها احيانا والآن بعد الفشل في مخطط استعمال القاعدة في سوريا والتعثر في العراق تعيش المملكة مأزق التعامل مع خطر ارتداد المتطرفين المهاجرين إلى داخل الجزيرة العربية على نحو أشد وأدهى مما حصل بعد الحرب الأفغانية فهذه المرة نتحدث عن قنبلة موقوتة مدمرة تصعب السيطرة عليها في حال انفلاتها .
ثانيا تمثل شيخوخة حكم آل سعود معضلة قائمة بذاتها وتولد صراعات مستحكمة على الوراثة داخل العائلة المالكة بينما يدير المايسترو الأميركي هذه اللعبة على إيقاع سياساته في المنطقة كما تبين مؤخرا مع صدور مرسوم تعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد عشية وصول باراك اوباما إلى الرياض وخلافا للآليات المفترضة في نظام البيعة داخل العائلة وبصورة غير قابلة للنقض حسب نص المرسوم كما سبق تعيين بندر بن سلطان رئيسا للمخابرات السعودية عشية قرار واشنطن باستعمال القاعدة في الحرب على سوريا.
شيخوخة الحكم متزاوجة مع تحجر النظام وتخلفه ومن مصادر القلق السعودي ان تنفجر الأزمتان معا بعد الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو احتمال دفع العديد من مراكز الدراسات الأميركية والبريطانية لمناقشة احتمال تقسيم المملكة إلى ثلاث دويلات متناحرة على الأقل .
أما القوى الاجتماعية الجديدة التي تعتمل في صفوفها دعوات التغيير فتضم شرائح من الرأسماليين من غير الأمراء ، تعلموا في دول الغرب وتشبعوا بمنظومة قيم تحديثية بينما تجمع التقارير على ان البلد الذي تقوده أغنى العائلات في العالم بدون منازع وتتوارث التحكم به يضم اكثر من مليوني شخص تحت خط الفقر والبطالة تشمل نسبة عالية من أبنائه الشباب بينما يحظى آلاف الأمراء بحصص مرصودة لهم منذ الولادة من عائدات النفط وينالون كل ما يختارونه من التوكيلات التجارية والصفقات والمشاريع الحكومية من غير أي جهد فعلي بحيث يحيل الأمير المحظي الأوراق إلى شريك معتمد قد يكون رجل أعمال محليا او عربيا او اجنبيا ليحجز لصاحب السمو حصته النقدية المسبقة ويتولى ذاك الشريك بنفسه التنفيذ والإدارة.
من التعبيرات القاسية عن الغليان المثير للقلق ما يعتمل في مواقع التواصل الاجتماعي من ثورة على المفاهيم والمعتقدات المؤسسة لنظام الملك السعودي وهو ما يصل إلى درجة تبني ملايين الشباب من نجد والحجاز الناشطين على تويتر وفايس بوك للدعاية الإلحادية بعدما دفعهم التزمت الوهابي التكفيري إلى الرفض الكلي لأي التزام ديني وهذا ما تؤكده تقارير متعددة المصادر محلية وأجنبية.
ختاما ولكل ما ورد ذكره تبدو المملكة السعودية غارقة في القلق : نفوذها الإقليمي يتقلص ورهاناتها تنكسر بينما تتسابق في المدى المنظور عناصر الهزيمة الإقليمية وشبح اللعنة السورية التي تقرب ساعة ارتداد الإرهاب إلى الحجاز ونجد فيما تلوح بشدة صراعات الأمراء على التحكم في بلد يموج بتطلب الإصلاح والتحديث رغم القمع الدموي والكبت الثقافي والإعلامي والتزمت الديني الحاضن للتكفير والإرهاب في ظل عائلة مالكة تخطت جميع الحدود في البذخ وانتهاك المحرمات التي تحكم باسمها ملايين البشر.
الشرق الجديد
21/5/140405