في الوقت الذي يستمر فيه التصعيد بين واشنطن و موسكو، يظهر التساؤل حول ما ما ستؤول اليه الامور في اوكرانيا, فالشارع الاوكراني الشرقي يطالب بالعودة لموسكو بيما حكومة كييف تحاول السيطرة على الموقف؟
هذا الوضع ادخل العالم اليوم في مرحلة جديدة من صراع الأقطاب لا تشبه في شيىء مرحلة الحرب الباردة التي كانت قائمة على “صراع الإديولوجيات” بين المعسكر الشيوعي الشرقي والمعسكر الرأسمالي الغربي، ما سيميز المرحلة الجديدة بصراعات مفتوحة على الفوضى الخلاقة من أجل المصالح والنفوذ، بما فيها المناطق التي توجد ضمن جغرافية إتفاق “يالطا”، والتي كانت مبعدة من الصراع بين القوتين حتى في عز الحرب الباردة.
هذه الحرب الجديدة التي أطلّت بشبحها على العالم ستكون حربا ساخنة بالوكالة في أكثر من بلد ومنطقة بين مفهومين متصارعين: مفهوم “إحترام مبادىء الأخلاق التقليدية في السياسة الدولية” الذي تتبناه روسيا، ومفهوم تصنيف الدول بين “محور الخير و محور الشر” الذي تتبناه أمريكا لتبرير عدوانها على الشعوب المستضعفة.
وهذا ما يحصل في اوكرانيا, فالمناطق الجنوبية الشرقية ترفض الخضوع لقادة كييف المدعومين من الغرب و على رأسه الولايات المتحدة الاميركية. ولكن من الواضح أن مثل هذا الوضع يروق لكييف التي تنظر إلى تزايد تشاط الزعماء المحليين والاحتجاجات الجماهيرية المتسع نطاقها على أنها تصرفات منافية للقانون. وترفض كييف وحلفاؤها الغربيون قطعيا فكرة جعل أوكرانيا اتحادا فدراليا التي تؤيدها روسيا. وحجتهم الرئيسية أن تحويل الدولة الأوكرانية على هذا النحو سيؤدي إلى تفككها رغم أن أقامة الفدرالية هي السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة أوكرانيا، فحكومة كييف ترى ان مطلب الانضمام إلى روسيا سيكون خطوة تالية لكل هذه الاستفتاءات. ولذلك فهي لا تخفي استعدادها لاستخدام كافة الطرق والأساليب لمواجهة شعبها. فنسمع أكثر فأكثر عند معالجة الأحداث الجارية في أوكرانيا عبر اساليب عديدة ليس اخرها مرتزقة بدأت عملية استقدامهم الى اوكرانيا حتى وصل العدد بحسب المعلومات الى 1500 شخص.
فالمعطيات القادمة من مدن شرق أوكرانيا تفيد بقدوم وحدات من المرتزقة الأمريكيين، التي تحضر الحكومة في كييف لاستخدامهم في قمع الاحتجاجات شرق البلاد، ويجري الحديث هنا في عن وحدات بلاك ووتر وغريستون التابعة لشركة أكاديمي الأمريكية، التي تملك أكبر جيش خاص في العالم، وتموَّل هذه الوحدات بنسبة 90% لتنفيذ مهام صادرة عن وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، وتستطيع هاتان الشركتان بأن تجمع من 5 إلى 10 آلاف جندي تحت قيادتها.
يلزم بلاك ووتر وغريستون للقيام بأية عملية عسكرية كبيرة من 100 إلى 300 شخص هذا يعني بأنّ ماتمّ إرساله لأوكرانيا يصل إلى 6 مجموعات، وتؤكد الصحف البريطانية بأنّ استئجار الوحدات الخاصة يكلف خزينة الولايات المتحدة 8 ملايين دولار يومياً.
في الوقت الحالي تمّ تسليح الوحدات الخاصة بحسب صفتهم القتالية كوحدات خاصة بسلاح فردي يتكون من الكلاشينكوف ومسدسات ماكاروف، ويتميز رجانا عن غيرهم من الأكرانيين بوجود وسائل الإتصال لديهم، والتي يُعرف من خلالها بأنهم ليسوا عسكريين أوكرانيين، ويجري تدريبهم كأي قوات خاصة مع استثناء يتميزون به، بأنهم يفتقدون لأيّ مزايا أخلاقية ولا يردعهم عن القيام بمهامهم أيّ شعور إنساني، ولذلك يجري أرسالهم لقمع الإحتجاجات المحلية بشكل دموي.
هذا الوضع خطير جدّاً. فانهيار المؤسسات في أوكرانيا يشكّل خطراً كبيراً لمشاركة مباشرة من لاعبين خارجيين. حيث ترغب ألمانيا باستعراض ميلها الحديث المكتسب للقيادة الأوروبية، والغريزة الأمريكية التي تتطلب مراقبة دقيقة لتعزيز إمكانيات روسيا، ورغبة موسكو في إثبات حق الاستباق في المرحلة ما بعد السوفييتية…. كل هذه التهديدات إلى جانب المشاكل المتفاقمة بشكل متزايد، التي لا يرغب أحد فيها. ومع الأخذ بالحسبان نوعية الغنائم والتكاليف المحتملة، تجعل الاوضاع في أوكرانيا مفتوح على كل الاحتمالات، بدءاً تسوية وسطيّة، مروراً بإمكان تحوّل “شدّ الحبال” الحالي إلى صراع نفوذ لا ينتهي إلا بتقسيم أوكرانيا إلى دولتين، وصولاً إلى إحتمال إندلاع المواجهة العسكرية. وفي كل الأحوال، الحرب الباردة قد بدأت من جديد، وهذا ما تثبته الايام.
كاتب لبناني مختص بالشؤون الروسية
https://telegram.me/buratha