نبيه البرجي
هل حقاً ان الاميركيين يستعدون للمغادرة؟
الذي طرح هذا السؤال هو الكاتب اليهودي الفرنسي الكسندر آدلر الذي قال «…. وعلينا ان نتصور اي شرق اوسط من دون اميركا», متسائلاً عن الانظمة التي ستبقى هناك.
كل ما يعني آدلر ومعه صديقه هنري – برنار ليفي هو ما اذا كانت اسرائيل ستتحول وكما دعا احد آبائها ناحوم غولدمان, الى فاتيكان يهودي معتبراً ان دولة مثل اثينا تظل اكثر قابلية للحياة من دول مثل اسبارطة حيث لا مكان الا للأحذية الثقيلة التي وكما قال اليوناني كوستا غا فراس ترقص التانغو مع الهياكل العظمية.
يلاحظ الآن اهتمام الكتاب والمفكرين والفلاسفة اليهود بما يمكن ان يكون تحولاً في الفلسفة الاستراتيجية للولايات المتحدة فها ان باراك اوباما الذي سبق واعلن ان الصراع في المستقبل سيكون على الارض الآسيوية معززاً دور الاسطول السابع في المحيط الهادئ يقوم بجولة في المنطقة شملت اليابان وكوريا الجنوبية والفليبين في اطار جولة اوسع كما لو انه يدق بكلتا يديه على باب التنين.
منذ نحو نصف قرن كتب آلان بيرفيت وكان وزير العدل في عهد الرئيس شارل ديغول انه ما ان تزأر الصين حتى يتغير شكل الكرة الارضية.وحين القى محاضرة في احدى الجامعات الاميركية حول كتابه «عندما يستيقظ التنين». سأله احد الطلبة ما اذا كان تمثال بوذا سيحل محل تمثال السيدة العذراء في كاتدرائية نوتردام في باريس.
هل يتغير ايضاً شكل الشرق الاوسط؟ الغريب ان اياً من القادة الصنيين الكبار لم يزحف الى هذه المنطقة لا بل ان العرب ذهبوا الى هناك وكانوا في احدى الحقب يتدخلون في تتويج الملوك مع ان المنطقة عرفت الكثيرين من القادة الآسيويين الذين كانت تغويهم المنطقة ربما من اجل الاساطير التي كانت تطفو على مياه المتوسط.
لا احد ينسى هولاكو وتيمورلنك والظاهر بيبرس, اضافة الى فوروش وقمبيز وداريوس وكسرى انو شروان وقال بعض المؤرخين ان التنين كان يبدو وعلى مدى قرون كما لو ان عظامه من الخزف.
الصينييون اغتاظوا من زيارات اوباما لدول راحت تشكو اليه من التداعيات « الرهيبة» لنمو العملاق الاصفر اقتصادياً وعسكرياً , فيما حاول الرئيس الاميركي ان يكون دمثاً وواقعياً في التعاطي مع الحساسيات الجيو ستراتيجية في الشرق الاقصى خصوصاً بعدما لاحظ ان ثمة اصواتاً في بيجينغ راحت تدعو الى اعادة سندات الخزينة المشتراة من الولايات المتحدة والتي يناهز ثمنها التريليون دولار.
هنا يقول الاستاذ في جامعة هارفارد جوزف ناي انه لا بد للامبراطورية الاميركية التي طالما اخذت بالبراغماتية في مقاربتها للعلاقات مع الدول الاخرى ان تاخذ بالاعتبار ان الثور الذي تقف الكرة الارضية على احد قرنيه ( كما تقول الخرافة) لم يعد محفوراً على ظهره « صنع في اميركا». الآخرون ينتجون تلك الثيران التي تجر الكرة الارضية ايضاً .
ثمة قلق في معاهد البحث الاسرائيلية بوجه خاص من ان تكون سياسات اوباما ناتجة عن تبدل دراماتيكي في الرؤية ( او الرؤيا) الاميركية فها ان المسؤولين في واشنطن يتحدثون عن انقلاب في خارطة الطاقة بدءاً من عام 2020 حين تباشر الولايات المتحدة بتصدير النفط الصخري وهذا يعني ان الاهتمام بالشرق الاوسط سيتراجع وربما الى حد الانحسار قبل ان يلاحظ المعلق الاميركي المحافظ مارك تيسون ان اميركا لا يمكن ان تغادر المنطقة اما بسبب حاجتها الى التحكم باسواق واسعار الطاقة او للحيلولة دون مصانع الاسلحة واقفال ابوابها اذ ان هناك دولاً عربية تستورد الاسلحة وغالباً لاغراض مجهولة كما لو انها تستورد الملائكة.
تيسون واثق من ان واشنطن لن تتخلى , باي حال , عن اسرائيل التي تخشى ان تجد نفسها في لحظة ما في العراء وهي الدولة التي توصف بانها صناعة اميركية اكثر من ان تكون صناعة انكليزية اذ لا احد ينسى القطب الصهيوني لوي برانديس ( 1856-1941) الذي قيل انه كان يجلس القرفصاء في راس الرئيس الاميركي وودرو ويلسون .
وكان الاميركيون قد اعادوا انتخاب ويلسون لولاية ثانية في عام 1917 تحت شعار انه جنّبهم الحرب العالمية الاولى لكن برانديس هو الذي حثه على المشاركة بتواطؤ مع لويد جورج وآرثر بلفور واللورد ميلنر اذ ان خوض الولايات المتحدة الحرب يشق الطريق امام الجيش البريطاني والوصول الى فلسطين التي كان رئيس وزراء انكلترا الفيكونت بالمرستون قد وعد في منتصف القرن التاسع عشر بتحويلها الى وطن قومي لليهود .
هذا دون اغفال السيناريو الذي اعدته الاستخبارات الانكليزية التي قيل انها التقطت برقية مرسلة من وزير الخارجية الالماني آرثر زيمرمان الى السفارة في مكسيكو مقترحاً التحالف بين بلدان اميركا اللاتينية واليابان للانقضاض على الولايات المتحدة.
ما يظهر من الابحاث التي توضع في معاهد اسرائيلية ان ثمة خشية حقيقية من « الهروب الاميركي». وقد يكون هذا وراء ما بات يعرف في اوروبا بالسياسات المجنونة لبنيامين نتنياهو والتي حملت جون كيري على التحذير من تحول اسرائيل الى دولة للفصل العنصري, قبل ان يعتذر…
الكسندر آدلر هو الذي سال ماذا تفعل اسرائيل حين تستشعر الخطر؟ هل تنتحر بتفجير حرب في المنطقة قد تفضي الى الفوضى التي تأكل الجميع؟
هذا ممكن جداً . الآن العين الحمراء على كيري الذي قد يدفع في لحظة ما الى الاستقالة. لا مكان هنا لاي اميركي يقول ويعمل للدولة الفلسطينية ولوكانت دولة من ورق.
الديار
17/5/140503
https://telegram.me/buratha