عادل الجبوري
من غير الواضح حتى لكبار ساسة العراق، وأصحاب الشأن والقرار، كم ستكون المدة الزمنية المحصورة بين الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت في الثلاثين من نيسان/ابريل الماضي، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة على ضوء نتائج ومعطيات العملية الانتخابية.
غموض مسارات المشهد السياسي العراقي في الكثير من جوانبه، ليس بالامر الغريب، لانه مرتبط بمجمل الواقع العام المرتبك والحافل بالفوضى والتخبط والتنافس والصراع المحموم وانعدام الثقة، وغياب التوافق على الاولويات والثوابت الوطنية، وكل ذلك يبرز جليا وبصورة اكبر على السطح خلال موسم الانتخابات، اي في فترة الحملات الدعائية التي تسبق الانتخابات، والفترة اللاحقة لها، في خضم حراك تشكيل الحكومة الجديدة وكل ما يرتبط بتوزيع المناصب والمواقع بين الكتل السياسية الفائزة ومن يصطف ويتحالف معها.
لم تظهر –او تعلن- حتى الان اية نتائج رسمية، لا اولية ولا نهائية، وما يعلن عنه عبر وسائل الاعلام لا يتعدى كونه تخمينات، تعكس جزءا من الواقع وهي تحتمل الصواب، وأكثر منه تحتمل الخطأ، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات اعلنت على لسان رئيس الادارة الانتخابية فيها مقدار الشريفي، انها غير مسؤولة عن اي نتائج تعلنها هذه الجهة او تلك، وانها -اي المفوضية- هي الجهة الوحيدة المعنية باعلان النتائج الرسمية.
ولكن ما يتداول حاليا من ارقام ومعلومات، يعكس الى حد كبير صورة الواقع، لانه جاء قريبا او منسجما مع القراءات التي سبقت اجراء الانتخابات، وكذلك هو حصيلة ارقام مستقاة من مراكز العدل والفرز التابعة للمفوضية، حصلت عليها الكيانات السياسية عن طريق وكلائها ومعتمديها في تلك المراكز، فضلا عن ان الكتل السياسية المختلفة، لا سيما الكبيرة منها، تمتلك امتدادات في مفوضية الانتخابات، وهذه الامتدادات، من قبيل اشخاص في مواقع المسؤولية، أو مجلس المفوضين، او الادارات العامة للمفوضية، او كوادر وظيفية تتيح لها طبيعة عملها هناك الاطلاع على جانب من مجريات الامور، لتقوم بأيصالها الى هذه الكتلة او تلك.
انتخابات العراق المرحلة المقبلة
وبما ان كل ما اعلن وما سيعلن الى حد اعلان النتائج النهائية-وقبلها الاولية-يندرج في عداد التخمينات والقراءات الاولية او العمليات النفسية المتبادلة بين الكتل، فانه يمكن تحديد معالم وملامح المرحلة المقبلة من خلال جملة حقائق، من بينها:
-مختلف المؤشرات تذهب الى ان متغيرات كبرى لن تطرأ على واقع وأحجام الكيانات الرئيسية الكبيرة في اطار المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية)، واذا كان هناك تقدم او تراجع لدى اي طرف فإنه نسبي، فكيانات المدون الشيعي التي سيكون لها دور في صياغة المشهد المقبل، هي ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وائتلاف المواطن، بزعامة السيد عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدري، اما كيانات المكون السني، فهي ائتلاف متحدون بزعامة اسامة النجيفي، وائتلاف الوطنية العراقية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف العربية بزعامة صالح المطلك، في حين يمثل كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وحركة التغيير (كوران) بزعامة نوشيروان مصطفى، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، الكيانات الرئيسية للمكون الكردي.
وبلا شك فإن هذه العناوين المشار اليها هي التي ستمسك بخيوط التفاوض حول تشكيل الحكومة المقبلة، مع تفاوت الادوار وعناصر التأثير فيما بينها، اما الكيانات الاخرى التي ستحصل على عدد متواضع من المقاعد فانها ستجد نفسها مرغمة على الاصطفاف مع هذا الطرف الكبير او ذاك، وخصوصا اذا كانت تبحث عن موقع هنا او هناك.
-ان عدم تمكن اي كتلة سياسية من تحقيق نتائج انتخابية كبيرة، يجعل الحديث عن خيار الاغلبية بعيدا عن الواقع، وبعبارة اخرى ان خيار التفاهمات والتوافقات سيفرض نفسه على المشهد العام، في اطار كل مكون من المكونات الرئيسية الثلاثة، وكذلك في الاطار الوطني العام، اي ان لن يكون ممكنا الخروج عن مبدأ الشراكة، لا سيما ان طبيعة الوضع العراقي تتطلب حضور كل المكونات في ادارة شؤون الدولة.
-وارتباطا بالنقطة الانفة الذكر، وبالنتائج المتوقعة التي ستفرزها الانتخابات، فان منصب رئاسة الوزراء سيكون للمكون الشيعي، ورئاستي الجمهورية والبرلمان، للاكراد والسنة، كما هو قائم حاليا، وربما يحصل تبادل ادوار، اي تذهب رئاسة الجمهورية للسنة وتؤول رئاسة البرلمان للمكون، علما ان الاخير استبق الامر واعلن مبكرا وبشكل رسمي ان متمسك برئاسة الجمهورية، ولن يتنازل عنها.
وطبيعي ان اختيار الاشخاص للرئاسات الثلاث يتطلب تفاهمات، لا تفصل كل واحدة من الرئاسات عن الاخرى، اي لا بد من اللجوء الى صيغة الصفقة الواحدة (One package). علما ان التصويت على رئيس الجمهورية يتطلب اغلبية ثلثي اعضاء البرلمان، بينما يتطلب منح الثقة لرئيس الوزراء وحكومته اغلبية النصف زائد واحد، ومن دون انتخاب رئيس الجمهورية لن تحسم رئاسة الوزراء، لان الاول هو الذي يكلف مرشح الكتلة النيابي الاكبر لتشكيل الحكومة خلال ثلاثين يوما.
-استبعاد امكانية تشكيل الحكومة وفق مبدأ الاغلبية السياسية، وضرورة وجود تفاهمات وتوافقات بين المكونات الرئيسية والقوى الكبيرة، يعني امرين، الاول ان اكتمال تشكيل الحكومة يتطلب وقتا غير قصير، ربما يتعدى الوقت الذي استغرقه تشكيل الحكومة في عام 2010، والذي امتد الى تسعة شهور، بتعبير اخر، اغلب الظن لن تبصر الحكومة الجديدة النور قبل عام 2015، والامر الثاني، ان الحكومة الجديدة ستكون ضعيفة، اياً كان رئيس الوزراء والكتلة التي ينتمي اليها، لان الحكومة ورئيسها سيكونان مكبلين بالكثير من الاشتراطات من قبل الاخرين، وهو ما يعكس اهتزاز وضعف الثقة بين الفرقاء، ان لم يكن فقدانها بالكامل بين البعض منهم، وطبيعة التصريحات المبكرة المتشنجة التي انطلقت من شخصيات سياسية في مواقع متقدمة بعيد الانتخابات، تشير الى ذلك.
-اذا كان العامل الداخلي، يلعب دورا كبيرا في توجيه الامور وحسمها، فإن العامل الخارجي-الاقليمي والدولي-لن يغيب في المساهمة بعملية التوجيه والحسم، كما هي الحال في المرات السابقة، وهو ما يضع اعباءً اضافية على استحقاقات تشكيل الحكومة المقبلة وتشكُّل المشهد السياسي العام في المرحلة المقبلة.
هذه الحقائق من غير الممكن القفز عليها لمن اراد ان يقرأ الواقع العراقي بدقة وهدوء وموضوعية.
19/5/140507