تستضيف وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكيه اليوم اجتماعاً دولياً رفيع المستوى حول «المقاتلين الأجانب» في سورية، يحضره ممثلون عن سبع دول أوروبية، إلى جانب نظرائهم من الولايات المتحدة وتركيا والأردن والمغرب وتونس.
في دعوتها إلى الاجتماع، حرصت وزيرة الداخلية البلجيكية على وضع تهديد «الجهاديين» في سياق لطالما تجنبه نظراؤها: خطر «وجود معقل لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا». بهذا الكلام تضع ميلكيه الأمور في إطار الصورة الكبيرة، لتضم سورية رسميا إلى معاقل التنظيم «الإرهابي» الأشهر عالميا.
مصدر دبلوماسي أوروبي مطلع على التحضيرات للاجتماع قال لصحيفة «السفير» إن ما أعلنته الوزيرة البلجيكية «لا ينافي الحقيقة». ولفت إلى أن القضية لا تتعلق بمواجهة تحد جامد ومكشوف الأبعاد، بل هناك بالضرورة نوع من لعبة «القط والفأر» بين سياسات تطويق الظاهرة وأساليب الإفلات منها. وقال إن «الجهاديين» باتوا يمثلون «مسألة عاجلة لا نعرف كيف تتطور، ولا كيف ينظم المنخرطون فيها أنفسهم كي يطوروا عملهم».
وقال الصحيفة: ستكون الدول ممثلة على مستوى الوزراء أو نوابهم. الدول الأوروبية المشاركة هي بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، اسبانيا، السويد وهولندا. سيحضر أيضا المنسق الأوروبي لشؤون «مكافحة الإرهاب» جيل دو كيرشوف.
الدول المشاركة في الاجتماع شكلت منصة غير رسمية للتعاون في التصدي للظاهرة. أُطلقت بمبادرة من بلجيكا وفرنسا، في حزيران العام الماضي، وعقدت ثلاثة اجتماعات تشاورية في وقت سابق. الدول الأوروبية، خصوصا، وجدت العمل في تنسيق سياساتها أكثر سرعة وفعالية من العمل على مستوى التكتل الأوروبي، نظرا للآليات البيروقراطية التي تحكمه وضرورة إيجاد إجماع على كل قرار أوروبي مشترك.
في الاجتماع ستستعرض كل دولة السياسات الوطنية التي اتخذتها والنتائج التي ترتبت عنها. المواجهة المستمرة مع ظاهرة «الجهاديين» الأوروبيين في سورية قادت الدول المعنية إلى وسائل ردع غير مسبوقة، اعتمدتها دول أوروبية عدة، ومن أبرزها سحب الجنسية. بعض الدول تجاوزت مشكلة تصنيف الجماعات المقاتلة في سورية، بين معتدلة ومتطرفة أو إرهابية، وقامت بإجراء جذري عبر تجريم الانخراط في القتال أو السعي إليه.
وأضافت الصحيفة: على أرض الواقع، ليس هنالك من طارئ دفع بالوزيرة البلجيكية للحديث عن خطر وجود معقل في سورية لتنظيم «القاعدة»، يجعله على أبواب أوروبا كما قالت. هذا الخطر ماثل، نظرياً على الأقل، منذ إعلان الأمم المتحدة عن وجود تنظيمات إرهابية تقاتل في سورية. وتابعت: القضية أنّ المسؤولين الغربيين لطالما استخدموا مواربات سياسية للحديث عن هذا التهديد، من دون ذكره صراحة تحت عنوان واضح. أبرز مؤشرات ذلك أن ما تحذر منه جويل ميلكيه هو أمر واقع بالنسبة لتكتل معني أكثر بالقضية. القصد هو «حلف شمال الأطلسي»، الذي يقدم نفسه كحلف عسكري وأمني. «القاعدة» يخترق حدوده، بالنظر لكون تركيا أحد أعضائه الـ28. لكن الحلف، الذي يرسل عشرات البيانات محذرا من الأخطار القريبة والبعيدة، تجنب إصدار أي بيان عن واقع أن «الإرهاب» الذي يحاربه في أفغانستان، بات له معسكرات على حدوده، وأنّ مقاتليه يعبرونها جيئة وذهابا. طوال ذلك الوقت كانت الحساسية السياسية هي الحاكمة، فخصومة الغرب المعلنة مع النظام في سورية، دفعته إلى تجنب كل ما يمكن أن يعطيه نقطة قوة، أو يسجل نقاط ضعف جديدة في صفوف المعارضة.
لكن الحساسيات السياسية لم تحكم العمل كما فعلت مع القول. منصة مكافحة «الجهاديين» التي تقيم اجتماعها الرابع اليوم ليست الوحيدة من نوعها.
مؤخرا أُطلقت مبادرة أوسع، تضم 25 دولة، تحت عنوان «المقاتلون الإرهابيون الأجانب». حدث ذلك في لاهاي، نهاية شباط الماضي، متمخضاً عن اجتماع «المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب». هذا المنتدى أُطلق بمبادرة من الولايات المتحدة وتركيا، في أيلول العام 2011. أما المبادرة فتقودها كل من المغرب وهولندا، اللتين ترأستا الاجتماع الذي حضره مسؤولون أمنيون وسياسيون وخبراء من الأمم المتحدة ومن الانتربول الدولي.
وبحسب الوثائق التي نُشرت لاحقا حول الاجتماع، والتي نشرها «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب» في لاهاي، من المقرر أن يعقد خبراء الدول الـ25 اجتماعا تحضيريا في الرباط، خلال شهر أيار الحالي، واجتماعا آخر في أواخر شهر حزيران المقبل. الخبراء سيعدون مجموعة توصيات تقدم إلى اجتماع وزاري تعقده المجموعة الدولية. وقد كان واضحاً أنه عندما يتحدث الأمنيون المهنيون توضع السياسة جانبا. المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب في هولندا ديك سخوف قال إنّ ظاهرة المقاتلين الأجانب جعلت بلاده ترفع مستوى التهديد الإرهابي إلى ثاني أعلى مستوى ممكن. لذلك شدد على أن هدف المبادرة الدولية «ليس تعميق فهم التحدي الذي تشكله الظاهرة، بل توسيع وتقوية شبكة عالمية من الخبراء الممارسين للتصدي لها».
كل هذا يشرح سبب قيادة هولندا للمبادرة، لكن هناك ما يشرح أيضا الانخراط الكبير للمغرب. ممثل الرباط قال إن العديد من مواطنيه غادروا للقتال في سورية، وأبرز إطار لوجودهم هو «حركة شام الإسلام»، التي قادها إبراهيم بن شقرون، وهو أحد معتقلي غوانتانامو. عندما عقد المؤتمر لم يكن بن شقرون قد قُتل بعد، بل حصل ذلك بعدما انخرطت حركته بقوة في الهجوم الشهير مؤخرا على مدينة كسب في ريف اللاذقية، ليُقتل في بداية شهر نيسان الماضي. وأوردت تقارير صحفية محلية أن مواطنه وصديقه في المعتقل الأميركي محمد مزوز استلم قيادة الحركة.
مع ذلك، أكد الممثل المغربي في اجتماع لاهاي أن الظاهرة تشكل تهديدا غير واضح الأبعاد لدولته، مؤكدا أنّ تحرياتهم أظهرت أنّ حوالي 80 في المئة ممن سافروا إلى سورية لم يكونوا معروفين سابقا لسلطات الأمن المغربية.
وفي كل حديث عن الظاهرة تتجه الأنظار تلقائيا إلى تركيا، وفي الاجتماع أثيرت قضية مراقبة الحدود بفعالية. ممثل أنقرة أعلن أن بلاده رخصت رسميا لقائمة سوداء بالأجانب الممنوعين من دخول أراضيها. وتضم القائمة 3360 قيدا، وذلك بناء على معلومات مستقاة من «الانتربول» ومن دول شريكة حول عائلات تشتبه في إمكانية انضمام أبنائها للقتال في سورية.
وختمت الصحيفة بالقول: ولأن «الجهاديين» الأجانب لا ينزلون بالمظلات، يبدو أنّ ممثل تركيا وجد نفسه مضطرا للدفاع عن سياسة بلاده. قال إنها قوّت جانبها من الحدود مع سورية، لكن «لم يمكنها المساعدة في تقوية الجانب السوري بسبب عدم اليقين حول من يسيطر على معابر الحدود السورية».
مجموعة لاهاي تضم أيضا روسيا والصين. ممثل بكين لاحظ أن هناك «حركات إرهابية» تلعب دورا في تجنيد «المقاتلين الإرهابيين الأجانب»، خاصا بالذكر «حركة شرق تركستان الإسلامية».
19/5/140508