ارتفع مستوى التحدي الدولي في شرق أوكرانيا إلى حدود تستحيل معه العودة إلى الوراء، في وقت لا يزال الغرب يتخبط ضمن دائرة عقوبات على روسيا، لا تعدو أنها في سياق رفع المعنويات الآيلة إلى السقوط لدى حكام كييف الانقلابيين .
ومن ظواهر التحدي المستعادة بعد غياب تسبب بها انهيار الاتحاد السوفياتي، عودة الأعلام الحمراء التي يتوسطها رمز الاتحاد (المطرقة والمنجل)، والأرجح لإثارة الثيران الأميركية، وذلك بمناسبة يوم النصر على النازية التي لم يدعها فلاديمير بوتين تمر كسابقاتها مجرد مناسبة سنوية تنتهي بانتهاء يوم التاسع من أيار.
وقف بوتين على منصة الاحتفال في الساحة الحمراء يستعرض وحدات رمزية من الجيوش الروسية تبلغ عشرة آلاف مع الدبابات والصواريخ وأحدث الطائرات الحربية المعلن عنها، ليجاهر الغرب بأن الجيش السوفياتي هو من دخل معقل زعيم النازية ادولف هتلر وأسقطها و"أنقذ أوروربا من العبودية" قائلاً: "لقد حاربنا الفاشيين وانتصرنا عليهم في العام 1945، وسننتصر على الفاشيين الجدد في العام 2014"، مشيراً إلى أن من يحرك الأحداث في أوكرانيا هم الفاشيون الذين تعمل سلطات كييف تحت ظلالهم، وهم الذين يتلقون الدعم من الولايات المتحدة.
لم يكتفِ بوتين بهذه الرسالة إلى العالم كله، والتي يمكن القول إن جوهرها ليس استدعاء المجد السوفياتي في مواجهة الامبريالية لاحقاً فحسب، بل القول للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، "لقد بلغ السيل الزبى.. وكفى".
لذلك انتقل بوتين إلى القرم ليواصل الاحتفال مع قادة الجمهورية الوليدة بعرض عسكري سارت فيه المدرعات، وحلّقت في الأجواء طائرات كجزء من تأكيد الانضمام النهائي أو العودة إلى روسيا، وهو ما أفقد الغربيين أعصابهم ولم يفعلوا سوى إطلاق تصريحات باتت ممجوجة اعتاد عليها الروس سريعاً.
ومن الرسائل ذات اللهجة العالية، إجراء روسيا تجارب معلنة بإشراف بوتين شخصياً على صواريخ باليستية عابرة للقارات من طراز "توبول"، وكذلك صواريخ أخرى وبأعداد كبيرة، وبحضور رؤوساء أربع جمهوريات سوفياتية سابقة .
ولا تقل رسالة الاستفتاء في دونيتسك ولوغانسك شأناً عما سبق رغم دعوة بوتين للتأجيل، خصوصاً أن النتائج أظهرت توقاً شعبياً للاستقلال عن أوكرانيا، حيث إن 90 في المئة من المشاركين الذين تجاوزوا 79 في المئة من السكان أيدوا، وهو التحدي الأصعب للغرب المتشدق بالديمقراطية والرافض في آن لنتائج الإجماع الشعبي، وكذلك لسلطات كييف المرذولة من الغالبية الشعبية، والتي فشلت في إخماد الاستفتاء رغم استخدامها النار والأسلحة المختلفة.
وفي هذا السياق، كشفت الصحافة الغربية، لا سيما الألمانية، أن السلطات الأوكرانية استعانت بشركة "أكاديمي" الأمنية التي كانت سابقاً "بلاك ووتر" التي اشتهرت بجرائمها في العراق، ومقرها الولايات المتحدة، وقد أرسلت 400 مرتزق إلى شرق أوكرانيا للمساهمة في عمليات قتل الناشطين من أنصار الاستقلال عن أوكرانيا، ويشارك المرتزقة في العمليات ضمن صفوف الشرطة والجيش، ويبدو أن خشية السلطات الأوكرانية من الولاء لها من الأجهزة الرسمية دفعها إلى الاستعانة بالقتلة الأميركيين .
لقد وصل الكباش إلى أوجه، ويبدو أن ترسانة الإجراءات الأميركية لن تؤتي أكلها، والرهان على التطويع الاقتصادي ارتدّ على حلفائها، فيما التأثير على القدرات العسكرية الروسية مستحيلة، وهنا حجر الرحى في القضية كلها، حتى لو اندفعت سلطات كييف إلى إجراء انتخابات رئاسية مبتورة.
يونس عودة
3/5/140515
https://telegram.me/buratha