كتب نبيل عمرو
مفاجآت كثيرة وغير مسبوقة في تاريخ الانتخابات حدثت خلال اليومين الماضيين.
الأولى والأهم.. حصول المرشح الفائز على ما فوق التسعين في المائة من الأصوات، وقد يقول قائل إن كل الزعماء العرب حصلوا على التسعات الأربع من قبل، إلا أن الجديد والمفاجئ في 95 السيسي، أنها خرجت بالفعل من داخل الصناديق، وأنها لم توضع في الغرف السوداء التي كانت تقرر نتائج الانتخابات قبل إجرائها، إذن هي أصوات «حلال» بكل ما للكلمة من معنى.
المفاجأة الثانية.. أنها انتخابات خلت تماما من الرشاوى وبورصة الأصوات، وحتى الحملات مدفوعة التكاليف لمجرد الاستعراض، فلم تشاهد في طول مصر وعرضها شاحنات تمتلئ بأكياس الأرز والحليب وغيرهما من السلع التصويتية المألوفة، وما حدث في هذه الانتخابات كانت فيه ملامح الانتقال من القديم البائس إلى الجديد الواعد.
والمفاجأة الثالثة، التي أزعجتني شخصيا بوجه خاص.. هي تدني عدد أصوات المرشح المحبوب حمدين صباحي، ولنتوقف قليلا عند ظاهرته الإيجابية، وعند ملايين الأصوات التي حصدها في الانتخابات الرئاسية السابقة، فقد كان يمكن لحمدين أن يكون الآن رئيسا لو اصطف إلى جانبه عدد من المرشحين الذين يشبهونه في الاتجاه.
ويبدو أن الذي حدث مع هذا الرجل المحبوب أن التصويت هذه المرة تم بفعل ما أنجز المرشح المنافس وليس بفعل ما يعد صباحي. ووفق معادلة كهذه فلا أمل للشاب الذي تحدى السادات حين كان في أوج قوته أن يفوز، أو حتى أن يحصد أصواتا عالية.
وإذا كان المشير السيسي يستحق التهنئة على فوزه المميز والحلال، فإن حمدين يستحق التحية لأنه صمد في مواجهة التيار، وسجل أمثولة ديمقراطية أصيلة يُحمد عليها، وأملي أن يبني حمدين على دروس هذه الجولة، وألا ينجر إلى التشكيك في ما حدث، والتنديد به.
لقد جرى لغط كثير حول ضعف الإقبال على الصناديق، وضعف مشاركة الشباب، وانتقد كثيرون الحملة الإعلامية والحزبية الملتهبة التي تركزت حول رفع نسبة الاقتراع، حتى إن خصوم الوضع الجديد في مصر اعتبروا هذه الحملة مؤشرا على ضعف الرهان والعمق الشعبي، ومع أن الجدل بشأن كل شيء مصري يظل مفتوحا وإلى ما لا نهاية، فإن الحقيقة الأهم التي يجب أن يعيها المصريون وغير المصريين هي أن من واجب الدولة حث المواطنين على التوجه إلى الصناديق، بما في ذلك توقيع عقوبات على من يتخلف، وتأمين كل الوسائل لتوصيل أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى مراكز الاقتراع، فلا عيب في الهبة التي حدثت في اليومين الثاني والثالث، ذلك أن دعوة الجمهور بكل الوسائل المشروعة للتوجه إلى الصناديق، حتى لو وضعت نسبة من الجمهور أوراقا بيضاء، لهي أشرف ألف مرة من وضع النتائج المسبقة في الغرف المظلمة.
لقد دفعت مصر ثمنا باهظا جراء التسعينات الملفقة، كما دفعت مصر من صورتها وإيقاعها وتاريخها الكثير الكثير حين كانت أكياس الأرز والحليب هي الناخب الأول والأخير في الانتخابات السابقة، سواء كانت رئاسية أم برلمانية.
لقد راقب العرب والعالم انتخابات مصر بشغف وبأدق التفاصيل، ولقد سهرت البيوت العربية أمام الشاشات كما لو أن المونديال السياسي صار أكثر إثارة وجاذبية من المونديال الرياضي، وهذه ظاهرة صحة نأمل أن نراها في كل مجتمع عربي اختار صندوق الاقتراع أساسا لنظامه السياسي.
عن الشرق الاوسط
4/5/140601
https://telegram.me/buratha