التقارير

أوباما والعراق ومصر والقرار المعقد

1907 11:06:20 2014-06-20

جميل مطر

يحاول الرئيس أوباما اتخاذ قرار لعله الأشد تعقيدا منذ أن تولى منصبه قبل ستة أعوام. موضوع القرار ليس فقط موضوع جماعة إرهابية تثير الفوضى هاجرت من مسقط رأسها في العراق إلى سوريا لتتسلح وتتزود برجال أشداء من دول أوروبا وبأفكار تصلح الفكرة الواحدة منها لتغيير خريطة الشرق الأوسط. موضوع القرار لا يتعلق فقط بخطر يهدد حكومة صديقة وعدتها واشنطن بتوفير الدعم الدولي في مواجهة خصوم أقوياء. موضوع لا تقتصر تداعياته الراهنة والمحتملة على دولة أو دولتين أو ثلاث دول في الجوار، بل تمتد إلى منطقة بأسرها وربما إلى قارات أخرى.

فاجأتني خلال الأيام الأخيرة مشاعر تعاطف ومحاولة تفهم وأنا أتابع البيان الذي ألقاه الرئيس أوباما حول تطورات الموقف في العراق، وكذلك وأنا أتابع لقاءات مجلس الأمن القومي الأميركي، ومقالات كبريات الصحف وتعليقات كبار القادة وصناع الرأي. رأيت أميركا تقف أمامي لا تعرف تماما ماذا يجب أن تفعل، ورئيسها يضرب أخماسا في أسداس، ورجال الحكم والسياسة يتنابذون ويتبادلون الاتهامات عن مسؤولية الخطيئة الأولى التي ارتكبوها مجتمعين في العام 2003. رأيت أميركا تمد يدا مرتعشة إلى خصم لدود تدعوه للمشاركة في البحث عن حل. رأيت نخبة السياسة الخارجية والأمن القومي منشغلة بحساب التكلفة التي سوف يتحملها المفاوضون في جنيف وخارجها وحساب المتاعب وخيبات الأمل التي سوف تصيب حلفاءً لأميركا في الشرق الأوسط.

أما وقد توالت الأحداث في العراق مندفعة نحو تدهور أعمق، ومتسببة في قلق عظيم في عواصم عديدة ولدى الرأي العام الأميركي، لم يكن هناك بد من أن أجتمع وفريقا من المهتمين عادة بأمور الحروب والأزمات لوضع قائمة بالعناصر التي رشحت أزمة العراق الراهنة لتكون واحدة من أهم وأعقد الأزمات الدولية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة. وبالفعل توصلنا إلى أن عددا لا يقل عن عشرة تعقيدات تمسك بخناق صانعي القرار في دول عديدة، وبشكل خاص الرئيس الأميركي وجهاز مساعديه، تعقيدات بعضها يرسم باجتماعه لوحة مستقبل، لا أستبعد أن مثلها كان مجسدا على مائدة المفاوضات التي جرت بين وزيري خارجية فرنسا وانكلترا في العام 1916، أي قبل مئة عام. احتاج الأمر في تلك الأيام إلى عملية جراحية لإخراجها من قاعات الديبلوماسية إلى ساحات الحرب والسياسة في الشرق الأوسط. وبالفعل، انطلقت هناك وفي خضم حرب عالمية بداية شرق أوسط عاش مئة عام. كثيرون، ونحن منهم، يعتقدون أن تغييره يحتاج إلى عملية جراحية أخرى قد تكون أفدح ثمنا، باعتبار أن هناك من يفكر أن تكون الحروب الأهلية أداة تنفيذ هذا التغيير.

خلصنا في اجتماعنا إلى قائمة تصدرتها التعقيدات التالية التي تواجه الرئيس أوباما، وتنعكس آثارها على صانعي القرار في دول عديدة أخرى:

يتعين على الرئيس أوباما مد يد المساعدة لحكومة في بغداد تربطها بواشنطن اتفاقات. أهم من الاتفاقات هو الالتزامات المتبادلة وغير المعلنة تجاه مصالح وفيرة ودقيقة مثل النفط وإيران والأكراد وشركات المقاولات الأميركية، خصوصاً الشركات العاملة في مجال توريد الجنود المرتزقة والصيانة.

إلا أنه لا يخفى على أحد أن الحكومة القائمة في بغداد خيبت آمال واشنطن بضعفها وفسادها وسوء أدائها، الأمر الذي جعل مهمة الدفاع عنها طبقا للاتفاقات صعبة ومحرجة، بل إن مجرد الإعلان عن النية في تقديم المساعدة الأميركية لحكومة مثل حكومة المالكي قد يهز مصداقية أميركا في العراق كما في العالم العربي بأسره. هذه المساعدة ستفسرها الأقلية السنية في العراق والعالم العربي على أنها انحياز لطائفة على حساب أخرى، وربما انتهز البعض الفرصة واعتبرها تعزيزا لفكرة المؤامرة الغربية لتحقيق الانفراط. من ناحية أخرى، فإن التخلي عن مساعدة المالكي في هذه الظروف الدقيقة قد يثير غضب الأغلبية الشيعية في العراق، وشيعة الشرق الأوسط عموما. هذا الغضب قد يتطور فيصير تمردا على أميركا وحلفائها أو يترجم نفسه في عمليات عداء صريح.

من ناحية ثالثة، لا تستطيع واشنطن أن تعلن جهارا وبشجاعة مناسبة أن المالكي قد فشل وعقابه الأكبر دعم أميركا لممثلي السنة من العشائر والنخبة القديمة وضباط البعث. لن تستطيع لأنها تكون بهذا الإعلان قد اصطفت في جانب الإرهاب.

هنا ظهرت فكرة أن تطلب أميركا من المالكي القيام فورا بإدخال تعديلات على نظام الحكم بما يسمح بتعددية واضحة وحقيقية، وأن تجعل من هذا الطلب شرطا لمساعدته عسكريا على الخروج من ورطته. انبثقت من هذه الفكرة ضرورات لازمة، منها على سبيل المثال، ضرورة الطلب رسميا إلى إيران أن تحث المالكي على إقامة تعددية أوسع. هكذا بدت واضحة حاجة الولايات المتحدة إلى إيران كلاعب أساسي في النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وبدت في الوقت نفسه حاجة إيران إلى تقديم نماذج عن اعتدالها واستعدادها للتعاون في حل أزمات عويصة تبدأ بأزمة العراق وقد تتواصل بأزمات في اليمن وسوريا والبحرين.

أثناء مناقشات حول أفضل السبل لإقناع المالكي بالتزام التعددية السياسية في الحكم والحصول على موافقة إيران، بذل جهد مناسب لتحقيق هذا الاقتناع لدى المالكي، وظهرت مشكلة تتعلق بالتعددية الطائفية في العالم العربي بشكل عام؛ إذ قيل ماذا لو طلبت إيران كشرط لمشاركتها في حل الأزمة التزامات مماثلة من جانب كل دول المنطقة بتطبيق التعددية الطائفية في الحكم. هذا الشرط وحده قد يؤدي إلى وقف جميع المساعي الأميركية والعودة إلى النقطة صفر.

الثابت لدى الرأي العام العالمي أن الجهود الأميركية والغربية عموما، لم تثمر نتائج إيجابية للشعب الأوكراني في أزمته الراهنة مع الاتحاد الروسي. هذا «الفشل» لا بد وقد انعكس سلبا على صورة أوباما شخصيا والولايات المتحدة ليس فقط في الشرق الأوسط، بل وبعيدا جدا في الشرق الأقصى. هناك في أوكرانيا كان الخصم دولة كبيرة في يدها حل المشكلة أو تعقيدها، أما هنا في العراق فالخصم دولة متوسطة، إمكاناتها أقل كثيرا جدا من روسيا، ومع ذلك تحتفظ الآن بالقدرة على تحريك أو إحباط مساعي حل أزمة دولية عظمى. لاحظنا أن الولايات المتحدة لم تكشف حتى الآن عن أفكار أو خطط توحي بأنها ستكون أوفر قدرة وأكفأ أداء في التعامل مع الأزمة العراقية الجديدة.

لا ننسى، وبالتأكيد لا أحد في أميركا ينسى، الحقيقة المرة التي عادت تفرض ظلها على كل من واشنطن ولندن وعواصم أخرى كثيرة. هذه الحقيقة هي مسؤولية الولايات المتحدة وبريطانيا عن الأحداث الراهنة. لقد عادت السياسة الداخلية الأميركية تلعب دورها المعتاد نحو تعقيد لا تسهيل عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية. عاد الخلاف في أميركا الآن مشتعلا بقوة بين هؤلاء الذين نصحوا أوباما بعدم الخروج من العراق، وها هو، بحسب رأيهم، يدفع ثمن رفض نصيحتهم. من ناحية أخرى، هناك أكثرية متزايدة تلقي باللوم على كل من شارك بالتصويت أو التحفيز في دفع الرئيس بوش لشن حرب ضد العراق في العام 2003. كان الهدف كما يثار الآن في أميركا اسقاط الدولة العراقية. ويعترف الجميع أن المسؤولين الأميركيين يعاونهم نفر من العراقيين وبمباركة من أسوأ البشر قاطبة، بعض قادة تيار المحافظين الجدد، قاموا بهذه المهمة بكفاءة منقطعة النظير. سقطت دولة العراق فكانت إيذانا بصعود الطائفية ودعوات الانفراط، ولكنها كانت إيذانا أيضا بظهور دعوات محلية عديدة لإسقاط «الدولة» في دول عربية أخرى.

يواجه أوباما داخليا تعقيدات بسبب النشاط الشديد لدوائر السياسة الداخلية، واهتمامها بالدور الذي يزمع أوباما القيام به، ويواجه خارجيا تعقيدات ليست أقل شأنا. فهناك دول في المنطقة العربية شجعته على احتلال العراق وإسقاط نظام صدام وتطالبه الآن بإعادة بالتدخل عسكريا لاستعادة الدولة التي سقطت مع صدام. المشكلة كما يراها معلقون أميركيون تكمن في أن تحقيق مطالب هذه الدول العربية يتطلب دعم ثوار السنة الذين هم الآن في قبضة «الإرهاب»، الإرهاب الذي التزمت معظم الدول العربية بمكافحته داخليا وإقليميا ودوليا. إن أي دعم تقدمه أميركا لفصائل العشائر وغيرها من فصائل السنة سوف يبدو أمام العالم والرأي العام الأميركي دعما غير مباشر للإرهاب.

نعرف جميعا أن الطلب على مصر يتصاعد للقيام بدور نشيط في حل أزمة العراق وغيرها من أزمات الإقليم وربما قريبا في أفريقيا. ولكننا نعرف في الوقت نفسه، أن دور مصر ليس وظيفة نمارسها عند الطلب. دور مصر ليس وصفة جاهزة تباع لمن يدفع أكثر، أو ليستخدم ويستفاد به في أزمة طارئة. الدور المصري عملية تراكمية يتشكل مع الوقت ومع التجربة ومع شروط داخلية وإقليمية معنية، بمعنى آخر لا يجوز أن نتعامل أو يتعامل آخرون بمنطق الخدمات الجاهزة ونظام تسليم الوجبات السريعة إلى من يطلبها.

المؤكد، أو الظاهر لي على الأقل، في هذه اللحظات الدقيقة في مسيرة الثورة المصرية، أن الدور المصري غير جاهز بعد ليؤدي أداء يعود بالفائدة على مصر والأمة العربية.

19/5/140620

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
الموسوي
2014-06-20
رسالة الى اوباما ايات النافق ثلاث اذا اتمن خان واذا وعد اخلف واذا حدث كذب سوؤال اي من الصفات يتصف بها الرئيس الامريكي باراك اوباما ؟؟ والى ماذا ينتظر حيال الازمة في العراق ويوميا عشرات الابرياء يقتلون على ايدي جماعة تدعي الاسلام . اقول وبكل صراحة باسمي وباسم الشعب العراقي الجريح عليك ان تلتزم بالاتفاقية الاستراتيجية مع العراق وعليك ان تتخذ قرار سريع ازاء ما يحدث بالعراق لانك اول المسؤولين امام الله في يوم الحساب على ارواح الابرياء في كل العالم واقول لك بكل صراحة كن رجلا وصاحب موقف ولو لمرة واحدة في حياتك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك