عمر معربوني*
تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين، المدينة التي شكلّت رمزية هامّة سابقاً، هي أمام تطوّرٍ قد يبتدئ تأريخ المعارك الهجومية للجيش العراقي منها.
لم يكن مفاجئاً انكفاء مقاتلي "الدولة الإسلامية" الى الدفاع، فلا يزال الغموض يحيط بالكثير من عوامل الإنجازات العسكرية التي حققوها ضمن ظروف متشابكة ومعقدة، ولم يتسرّب من المعلومات ما يفسّر الإندفاعة السريعة سوى ما تمّ الحديث عنه من خيانات ومؤمرات حيكت سرّاً وأدّت الى انهيار القوات العراقية بشكلٍ دراماتيكي.
ويبدو واضحاً أنّ قيادة المسلحين تدرك تماماً ماذا تفعل، وتعي حجم قواتها وقدراتها على السيطرة والحركة، لهذا اكتفت بما حققته من سيطرة وبدأت في إقامة خطوط دفاعها والاستعداد لخوض معارك في شوارع المدن والقرى التي سيطرت عليها في مواجهة الجيش العراقي.
إنّ حجم القدرات المالية والعسكرية التي حصلت عليها "الدولة الإسلامية"، أو داعش سابقاً، يمكّنها من خوض حرب طويلة في ظل غياب وحدة القرار والقوى المواجهة لها.
ميدانياً، يمكننا القول إنّ المبادرة هي بيد الجيش العراقي الذي يواجهه تحدٍ قوي في إثبات قدرته على استعادة المناطق التي خسرها، حيث يخوض الجيش العراقي العديد من المعارك في مواجهة داعش ومن معها، وأحد أهم هذه المعارك هي معركة استعادة السيطرة على تكريت.
بنيت مدينة تكريت على تلتين طوليتين قائمتين على جرف أو حافة صخرية، ممتدتين على طول نهر دجلة يفصل بينهما واد، يتمثل الأول بالتل الغربي الذي تحتله تلة تكريت الحصينة التي يُطلق عليها تكريت العتيقة، والتل الثاني المقابل الذي تحتله قطاعاتها السكنية وهو يسمى بتكريت الجبل، ويقطعه وادٍ يسمى (الخر) تنحدر فيه سيول الأمطار في فصل الشتاء والربيع وينتهي عند منطقة تسمى باب القلعة، التي كانت مركز المدينة حيث السوق القديم والجامع. كما يحيط بالتلين سور يطوقه خندق من الخارج، ويعدّ ذلك سبباً في إطلاق اسم التثنية على المدينة حيث تسمى تكريتين.
وبرزت أهمية تكريت من الناحية العسكرية كونها تشكل قاعدة مراقبة وسيطرة على طريق الامتداد النهري الوحيد بين الموصل وبغداد.
ومن هنا كانت السيطرة عليها من قبل "داعش" في سياق السيطرة على بغداد.
الجيش العراقي بدأ منذ ايام، وبعد إعداد الخطط اللازمة، مرحلة الهجوم المضاد انطلاقاً من تكريت، حيث قام بإنزال جوي لقوات النخبة بالطوافات في جامعة تكريت التي تقع شمال المدينة وتشكل مفتاح تكريت الشمالي، والذي يجعل قوات داعش ملزمة على عبور ممرات تحت السيطرة المباشرة من الجيش العراقي.
وانطلاقاً مما يجري، فإنّ "تحقيق التقدم في مدينة تكريت يؤمن الطريق لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل (350 كلم شمال بغداد)، إضافةً الى السيطرة على الأرض في اتجاه محافظة ديالى" في الشرق.
أولى العمليات بدأت في حشد القوات في سامراء، لتنطلق وحدات الجيش العراقي في هجومها الذي وصل بلدة مكيشيفة حنوب تكريت، ولاحقاً العوجة التي تمكن الجيش من إحكام سيطرته عليها، تبع ذلك إنزال لقوات النخبة في جامعة تكريت.
التقدم باتجاه تكريت سيتمّ من الجنوب عبر القادسية، التي أحكم الجيش العراقي سيطرته عليها، ومن الشمال انطلاقاً من جامعة تكريت، التي تعتبر حالياً إحدى أهم العقد القتالية في معركة تكريت.
تترافق العملية مع تمهيد ناري من المدفعية شاركت فيه الطوافات عبر استهداف نقاط تموضع المسلحين وطائرات السوخوي -25، التي وضعت في الخدمة حديثاً، حيث يقتصر عملها في المعارك حالياً على مراقبة الطرقات الرئيسية وقصف كل ما يتحرك عليها.
وحول المعارك التي تدور في العراق، فإنّ حجم الأراضي الواسع والممتد إضافةً الى تنوّع البيئات الجغرافية وتداخلها، سيستلزم من الجيش العراقي البدء في إعداد خطط تدريب وتسليح تتناسب مع طبيعة المعارك القادمة، والسبب في طرحي للمسألة هو أنّ الجيش العراقي الذي قامت أميركا بإعداده وتجهيزه وتدريبه لم يصل الى المستوى الذي يؤهله لتحقيق انتصاراتٍ واسعة.
فهذا الجيش يفتقر الى العدد الكافي من الدبابات، حيث لا يتجاوز عدد دبابات الجيش العاملة الـ300 دبابة، منها حوالي 150 دبابة من طرازي m1 abrams الأميركية وt-72 الروسية و150 دبابة من طراز t-55 الروسية القديمة.
بينما يحتاج الجيش للعمل بشكلٍ مريح وضمن حاجات خوض المعركة من الموصل الى بيجي، ولاحقاً المعركة التي لا مفرّ منها مع الاكراد إن استمرّت قيادة إقليم كردستان في تمسّكها بفكرة الانفصال، الى ما يقارب الـ1000 دبابة بمعزل عن طرازاتها، حيث المطلوب هو تأمين قوة الصدمة الناتجة عن الحركة والنار.
وعلى الجيش العراقي أن يطوّر سلاح الجو بحيث يجب عليه تأمين ما يقارب الـ100 طائرة قاذفة خفيفة ومتوسطة، إضافةً الى حوالي 80 طوافة هجومية.
الجانب الأهم في المعركة هو العمل على تحقيق أعلى مستوى من الوحدة الوطنية، وفتح حوار جاد وجدي مع زعماء العشائر والفعاليات التي إذا أُحسن التصرف معها يمكنها أن تغيّر في ميزان القوى كثيراً، من حيث فقدان داعش للبيئة الحاضنة ما يقلّص مساحة تواجدها الجغرافي.
في ظلّ المتابعة اليومية صار مؤكداً أنّ الجيش العراقي اتخد قراره في تحرير تكريت، ودون ذلك معركة يتم التحضير لخوضها بحسب المعلومات المتوفرة، بشكلٍ سيتيح للجيش العراقي تحقيق أهدافه.
فهل سنكون أمام تطوّر يشبه التطور الذي صنعته معركة القصير في سورية، والتي شكّلت بدء مرحلة الهجوم المضاد للجيش السوري؟؟
على اختلاف الحال بين تركيبة الجيش السوري والجيش العراقي، نأمل أن تعمد القيادة العراقية الى الإستفادة من التجربة السورية وتطوير مفهوم خوض المعركة وتحديد أنماط القتال وأساليب وضع الخطط على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.
*خبير عسكري سوري (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)
13/5/140704
https://telegram.me/buratha