انهيار الهدنة في شرق اوكرانيا والرئيس بوروشينكو يتجه نحو التصعيد

صوفيا ـ جورج حداد

بعد هدنة قصيرة لمدة عشرة ايام تخللتها خروقات عديدة، انهار وقف اطلاق النار مجددا في شرق اوكرانيا، وعاد الطيران الحربي لحكومة كييف لشن الغارات على مدن شرقي وجنوبي اوكرانيا، وعاد القصف المركز على الحدود الروسية ـ الاوكرانية لمنع سيل اللاجئين المدنيين الاوكرانيين، الذين بلغ عددهم حتى الان 150 الفا غالبيتهم من النساء والاطفال والمسنين، من العبور الى روسيا.

بوروشينكو يتحمل المسؤولية

واعلن الرئيس الاوكراني الجديد بيوتر بوروشينكو انه يأخذ على عاتقه الحملة العسكرية ضد المناطق المنتفضة وانه يوافق على الانتقال الى المرحلة ( ب ) من الخطة العسكرية لاخضاع المناطق الشرقية بالقوة. ويقول بعض المراقبين ان بوروشينكو قد اختار خط التصعيد العسكري بفعل عاملين:

اولا ـ خارجي: الجنوح نحو الخط الاميركي الذي يدعو الى التصعيد ضد روسيا ومضايقتها وابتزازها على النطاق الدولي.

وثانيا ـ داخلي: انتزاع مبادرة التصعيد من ايدي المجموعات اليمينية المتطرفة والمجموعات الفاشستية الجديدة، واحتواء تلك المجموعات، والزامها بالانضواء تحت قيادة الجيش الاوكراني النظامي.

وقد اذاعت وكالة رويترز ان الرئيس بوروشينكو اعلن شخصيا تجديد الحملة العسكرية ضد الروس والناطقين بالروسية في المناطق الشرقية والجنوبية، الذين تسميهم كييف "انفصاليين".

واتخذ قرار الغاء الهدنة بعد اجتماع عقده مجلس الامن القومي والدفاع في اوكرانيا. واعلن بوروشينكو ان القوات المسلحة، والحرس الوطني (الذي يضم المجموعات اليمينية والفاشستية)، وحرس الحدود، وجهاز الامن، قد تلقوا الاوامر "المناسبة". وقال ان الشرط الوحيد للعودة الى وقف اطلاق النار هو ان يلقي "الارهابيون" اسلحتهم.

وقد نشر الاعلان بعد ساعات من نهاية فترة الهدنة التي كان يراد منها تهيئة الظروف للشروع في محادثات اقرار السلام في البلاد. وجاء في تصريح الرئيس الاوكراني "سوف نهاجم وسوف نحرر ارضنا. وقرارنا هو ان لا نواصل وقف اطلاق النار" ضد من سماهم "الارهابيين واللصوص".

واتهمت كييف المنتفضين بخرق الهدنة. وحسب بيان لوزارة الخارجية الاوكرانية انه في فترة الهدنة سقط 27 قتيلا من العسكريين النظاميين.

بوتين يحاول انقاذ اوكرانيا

وعقب انهيار الهدنة اجرى الرئيس بوتين محادثة هاتفية مع كل من الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند، والمستشارة الالمانية انجيلا ميركيل، والرئيس الاوكراني بيوتر بوروشينكو. وجاء في بيان المكتب الصحفي للكرملين ان الرؤساء جميعا عبروا عن الرغبة في تنظيم الحلقة الثالثة من المباحثات بين كييف وممثلي مناطق شرقي وجنوبي اوكرانيا. وقال دميتريي بسكوف، السكرتير الصحفي لبوتين "ان روسيا ليست طرفا في هذا النزاع، وهو مشكلة داخلية. وموسكو لا يمكنها ان تقول للمنتفضين ماذا يعملون. ولكنها يمكنها استخدام نفوذها لديهم". واضاف " ولكن لا ينبغي المبالغة في هذا النفوذ".

الفاشست يقرعون طبول الحرب

ولكن في الوقت نفسه دعا رئيس الحزب القومي الفاشيستي الاوكراني "سفوبودا" اوليغ تياغنيبوك الى اعلان حالة الحرب في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك المنتفضتين وهتف صارخا في برلمان كييف: "كل شيء للجبهة، كل شيء للنصر".

 

وعلقت جريدة "غارديان" البريطانية بالقول ان قرار بوروشينكو بمواصلة الحرب سيؤدي الى تصعيد جديد في النزاع الذي ذهب ضحيته حتى الان اكثر من 400 شخص. واضافت انه يجري التساؤل الان ما هي الاجراءات التي يمكن ان يتخذها الجيش الاوكراني. فهو لا يستطيع ان يزحزح المنتفضين من سلافيانسك، ولا ان يسيطر على المعابر الرئيسية الثلاثة مع روسيا. وذكرت "الواشنطن بوست" ان "الرئيس الاوكراني اوقف الهدنة، في الوقت الذي كانت فيه روسيا تقدم تنازلات".

إبحث عن اميركا

واشارت وكالة رويترز إلى ان قرار كييف بايقاف الهدنة ومواصلة اطلاق النار لا يمكن ان يتما بدون "تأثير من الخارج". وهناك انطباع بأن تغيير موقف كييف لا يمكن ان يتم بدون تأثير خارجي خصوصا و"انه يتعارض مع موقف الاتحاد الاوروبي"، كما جاء في تصريح لوزارة الخارجية الروسية، ملمحا الى الولايات المتحدة الاميركية، كما اشارت رويترز. ان موسكو تريد من شركائها الغربيين "ان يتوقفوا عن استخدام اوكرانيا كعملة تبادلية في الالاعيب الجيوبوليتيكية".

وكان وزراء خارجية روسيا، المانيا، فرنسا واوكرانيا قد اجتمعوا في برلين لبحث الوضع في اوكرانيا، ومن خلال اتصالات هاتفية بينهم تم الاتفاق على اصدار بيان رباعي يحيون فيه مبادرة روسيا حول موضعة ممثلين عن السلطات الحدودية الاوكرانية ومراقبين من قبل "منظمة الامن والتنمية الاوروبية" في مراكز العبور الحدودية الثلاثة على الاراضي الروسية، كما بثت وكالة ايتار ـ تاس. ولكن في اللحظة الاخيرة رفض الجانب الاوكراني ان تتم اذاعة هذا البيان. "وهذه الخطوة من كييف اثارت الاسف العميق، خصوصا وان البيان الرباعي كان يدعو الى التوصل السريع للتوافق بين اطراف مجموعة الاتصال". وكانت موسكو عازمة على المساعدة على تنفيذ الاتفاقات التي توصلت الى صياغتها مجموعة الاتصالات، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب موقف كييف.

وفي هذا الوقت اعلن بوتين ان بوروشينكو يتحمل المسؤولية السياسية والعسكرية عن استئناف العمليات الحربية. وفي اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف ونظيره الالماني فرانك ـ والتر شتاينماير عبر الطرفان عن القلق من استئناف العمليات الحربية في شرق وجنوب اوكرانيا.

استهداف المدنيين باسم محاربة "الارهاب" و"الانفصال"

هذا وقد شن الجيش الاوكراني بالطيران والمدفعية هجمات ضد مواقع قوات الدفاع الذاتي الشعبي، ودارت المعارك ايضا على الحدود مع روسيا، وفي دونيتسك، اكبر مدن شرقي اوكرانيا، وكذلك في مدينة لوغانسك. وفي مدينة كراماتورسك قتل اربعة اشخاص وجرح خمسة آخرون نتيجة سقوط قذيفة على باص مدني لنقل الركاب. كما قتل سائق تكسي جراء سقوط قذيفة على سيارته ايضا في مدينة دونيتسك.

وفي كييف اعلن رئيس مجلس النواب الكسندر تورتشينوف "ان القوات المسلحة الاوكرانية توجه ضرباتها الى قواعد وتحصينات الارهابيين".

بوتين يتهم الغرب

وفي هذا الوقت اتهم الرئيس الروسي بوتين الغرب بأنه يحاول زعزعة الاستقرار في الاقليم عبر الازمة في اوكرانيا، واعلن ان روسيا ستواصل الدفاع عن السكان ذوي الاصول الروسية في الخارج. وقال بوتين "ان ما يحدث في اوكرانيا هو قمة الاتجاهات السلبية في الشؤون الدولية، التي تتراكم منذ سنوات". واضاف انه "خلف الكلمات الجميلة حول حرية الاختيار، والمستقبل الاوروبي تختبئ المحاولات لتحويل اوكرانيا الى ارض تابعة بكل ما يترتب على ذلك من عواقب سياسية، اقتصادية واجتماعية". "وللاسف ان الرئيس بوروشينكو اتخذ القرار باستئناف العملية العسكرية، وانا وزملائي الاوروبيون لم نستطع اقناعه بأن الطريق الى السلم الثابت والدائم لا يمر عبر الحرب. وهو الان يتحمل كل المسؤولية العسكرية والسياسية عن استئناف العمليات الحربية في شرق اوكرانيا".

واصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا جاء فيه "هناك انطباع بأن تغيير موقف كييف لا يمكن ان يتم بدون تأثير خارجي وذلك بالرغم من موقف الدول الرئيسية في الاتحاد الاوروبي"، وكان البيان يلمح بذلك الى دور معين للولايات المتحدة الاميركية. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف "ان روسيا ستقترح على منظمة الامن والتنمية الاوروبية وضع مراقبين من قبلها في نقاط العبور على حدود اوكرانيا الشرقية مع روسيا، اذا تمت اطالة امد الهدنة والسيطرة عليها". واضاف لافروف في التصريح الذي نشرته وكالة "روسيا اليوم" "ان هذا سوف يعطي الامكانية للرقابة والشفافية وسوف يحد من امكانية استخدام نقاط العبور لاهداف غير مشروعة". وقال لافروف "اريد ان اؤكد بشكل قاطع ان اقتراح موضعة حرس الحدود الاوكرانيين ومراقبي منظمة الامن والتنمية الاوروبية (في نقاط العبور الحدودية) هو صالح اذا تمت المحافظة على وقف اطلاق النار".

منظمة الامن والتنمية الاوروبية تتهرب من المسؤولية

وفي محادثة هاتفية مع رؤساء فرنسا، المانيا واوكرانيا، عبر الرئيس الروسي عن موافقة روسيا على ان تضطلع منظمة الامن والتنمية الاوروبية بدور اكبر في ايجاد آلية لوقف اطلاق نار ثابت في شرقي اوكرانيا. ولكن منظمة الامن والتنمية الاوروبية غير ميالة لزيادة عدد مراقبيها في اوكرانيا نظرا للمخاطر الامنية. وربطا بذلك صرح توماس غريمينغير، الممثل الدائم لسويسرا في المنظمة، بأنه "حسب القواعد المعمول بها في المنظمة يمكن ارسال 500 شخص الى الاقليم المعين. وبالرغم من ذلك، فنحن لا نريد زيادة عدد مراقبي المنظمة في اوكرانيا بسبب المخاطر". واعلن نائب رئيس فريق المراقبين الكسندر هوغ ان برنامج زيادة عدد المراقبين في اوكرانيا من 250 الى 500 مراقب هو الان مجمد، وقال "نحن لا نريد ان نرسل مراقبين اضافيين معرضين للخطر".

17/5/140707