حمزة الخنسا
تغيّر الأداء الإيراني تجاه السعوديين منذ ظهور إشارات على حملة "الدواعش" في العراق. طهران التي كانت تستعجل حصول لقاء بين رئيس دبلوماسيتها ونظيره السعودي في الرياض، تغيّرت أولوّيتها. لم تعد صورة تجمع محمد جواد ظريف بسعود الفيصل في الرياض، ذات نتائج مهمة بالنسبة للطرف الإيراني. استجدّت أولويات أهمّ، في العراق وحتى في السعودية نفسها.
كان لافتاً عدم تجاوب القيادة الإيرانية مع الدعوة التي وجّهها وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل، الى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لزيارة الرياض في الزمان الذي يراه مناسباً. وفيما كانت التوقعات تشير الى مسارعة الإيرانيين الى تلبية الدعوة لحاجتهم الى التقارب مع السعودية، الطرف الإقليمي الفعّال في سوريا والعراق ولبنان، تجاهل الإيرانيون الدعوة. ذهب الرئيس الشيخ حسن روحاني الى تركيا، وأعلن ظريف انشغاله بالمفاوضات مع الدول الكبرى في جنيف حول ملف بلاده النووي. بقي السعوديون يننظرون.. وما زالوا.
تقول مصادر سياسية معنية، إن لقاءً إيرانياً سعودياً في هذه المرحلة بالذات، بات مطلباً، بل حاجة سعودية لا إيرانية. تستبعد أن يركب ظريف طائرته ويتوجّه الى الرياض، فيما أهل الحكم فيها يتخبّطون في الوحول العراقية بعد السورية، وفيما هم بدؤوا يتلقون ضربات "قاعدية" عبر الحدود.
القلق الأمني في أوجّه داخل قصور آل سعود. "ما هي الخطوة التالية؟"، سؤال يجتهد مَن بيده الحل والربط في بلاد الصحراء للإجابة عنه. في هذا السياق بالذات، برز تصريح لمساعد وزير الخارجية في الشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان، قال فيه إن زيارة وزير الخارجية محمد جود ظريف الى السعودية غير مدرجة على جدول أعماله حالياً.
تقول المصادر إن حسابات السعوديين لم تطابق بيدر الإيرانيين. فأحداث العراق الأخيرة لم تجرِ كما اشتهت غرفة التحكّم السعودية. لا الإيرانيون عملوا بموجب ردّة فعل غير محسوبة، ولا العراقيون استغرقوا في الصدمة طويلاً، بل استعادوا سريعاً زمام المبادرة على الأرض.
لعبها الإيرانيون "مقلوبة" على ما تقول المصادر. في تصريحه أمس، أكّد عبداللهيان على أن القيادة الإيرانية ترحّب بزيارة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الى طهران. تعتبر المصادر أن الدعوة الإيرانية المعاكسة ستربك الحسابات السعودية، لكنها ستجد طريقاً لها داخل القصور الملكية، بعد هدوء موجة الحنق التي ستعصف داخل بعض الرؤوس الحامية هناك.
مصادر سياسية: القيادة الإيرانية مرتاحة لمسار الأمور في العراقالحاجة السعودية لتفاهم ما مع إيران أكبر من أن تلغيها عصبيات قبلية أو مذهبية. الـ"بعبع" التكفيري مسّ حدود المملكة، واستطاع تنفيذ عمليتين في ساعات قليلة. بصرف النظر عن التقييمات الاستخباراتية لأصل المدّ التكفيري ومنشإه، لا شك أن السعودية انكوت بناره سابقاً، وها هي النار ترسم حدودها حالياً. اللعب مع التكفيريين وبهم أمر خطر.. السعوديون يدركون ذلك جيداً.
تقول المصادر إن القيادة الإيرانية تدرك حقيقة أن السعوديين يضغطون على إيران عبر العراق. الضغط السعودي "يبغي" تحصيل المزيد من المكاسب السياسية قبل أي تغيير في المنطقة يقود الى "ستاتيكو" معيّن. غير أن الإيرانيين يعتقدون أن السعودية تستغل حالة ظرفية اسمها "داعش"، وهذه الحالة مصيرها الحتمي الزوال ولا يمكن الاعتماد على ما يمكن أن تحدثه من تغييرات مؤقتة.
من هنا، لا يستعجل الإيرانيون لقاء السعوديين، خصوصاً أن أبناء سعود كانوا يرفقون دعوتهم لظريف الى الرياض، بكثير من التكبّر واللامبالاة، وفي خلفيتهم تحضر صورة "داعش" يقتحم العراق ويغيّر المعادلات، قبل أن يصدمهم الواقع.
تقول المصادر إن القيادة الإيرانية مرتاحة لمسار الأمور في العراق. وقد أبلغت موقفها بحزم لمن يعنيهم الأمر: لا للتدخّل الخارجي في البلد الجار. الخارج في المفهوم الإيراني هو بلاد العم سام بالدرجة الأولى ومن ثم حلفاؤه. حتى اللحظة، تبدو إيران مستعدة لتقديم ما يلزم من مساعدات للعراقيين، غير أنها لا تشعر بالحاجة الى تدخّلها العسكري على الأرض.
لا يتوقف القلق السعودي عند الحدّ الأمني الناجم عن الأزمة المفتعلة في العراق. يقلق السعوديون أيضاً من الإشارات الأميركية المتكررة الى طهران. الكل يدرك حجم التأثير الإيراني في المنطقة، وخصوصاً في العراق. والكل يدرك أيضاً حجم الحاجة الى إيران للخروج من المأزق. لكن المأزق السعودي عظيم. ثمة في القصور الصحراوية مَن بدأ يشعر بأن حاجة الأميركي إليه آخذة في التآكل. يعظم القلق أكثر عند ساكني تلك القصور عندما يدركون يوماً بعد يوم، أن مَن بات الأميركي بحاجته بديلاً عنهم.. ليس بحاجة لا للأميركي ولا للسعودي.
26/5/140709
https://telegram.me/buratha