لم تصدر إشارة واضحة موجهة الى شخص بعينه، مثل تلك التي صدرت عن المرجعية الدينية العليا في خطبة الجمعة المباركة، والتي ألقاها الممثل الرسمي لها، في كربلاء المقدسة الشيخ مهدي الكربلائي.
فمع أن المرجعية ما فتئت تتفاعل مع الحدث الوطني، متحملة همه وشجونه، وموجهة إياه بما يحفظ مصالح الوطن والمواطن، و كانت فتوى وجوب الجهاد ضد قوى الإرهاب، وجوبا كفائيا من بين تفاعلاتها الكبرى التي صنعت التاريخ، وغيرت مسار حركته بإتجاه تغيير المعادلة وثم التحول الى الهجوم ، إلا أن من هم على رأس هرم السلطة لم يعوا حقيقة أن تدخل المرجعية الحاسم في هذه القضية، ما كان ليكون لو أن الذي يقود البلاد قائم بواجباته بشكل طبيعي وحسن، لكن المرجعية المباركة وجدت أن العراق كوجود حضاري وإنساني في خطر ، وأن مستقبله ككيان قائم يقف على كف عفريت بعد أن أستولى تنظيم داعش الإرهابي على نصف مساحة العراق تقريبا..
القائم على رأس السلطة؛ ولأنه لا يجيد قراءة الرسائل المشفرة جيدا، أو لأنه قراها و"غلس" عنها، أشاع أو تصور أن المرجعية تدعمه، وهذا تصور خاطيء وزراعة في حقل الوهم..
ولذلك وطيلة الأسابيع المنصرمة، وفي كل جمعة ؛ كان يصدر عن المرجعية الدينية ما يوجه العملية السياسية الوجهة السليمة، وسارت الأمور بالضبط مثلما وجهت المرجعية الدينية، فقد ألتأم مجلس النواب في التوقيتات الدستورية، وإن كانت هناك محاولة من حزب السلطة بعرقلة التوقيتات، وتاجيل جلسات مجلس النواب الى ما بعد عيد الفطر، في محاولة للعب على عامل الوقت، لكن المرجعية الدينية دعت مجلس النواب للاجتماع وإلغاء عطلة الشهر ، ومن ثم إنتخاب هيئة رئاسة المجلس، وحصل ذلك فعلا ، وإن حاول حزب السلطة عرقلة العملية، لكنه لم يفلح، وجرت بعدها عملية إنتخاب رئيس الجمهورية، تلك العملية التي حاول حزب السلطة تسفيهها عبر دفع قرابة 100 مرشح للترشيح للمنصب، من بينهم ستة من أعضاءه، وعلى رأسهم "النائبة" حنان الفتلاوي!
لكن مع ذلك نجح المجلس في إنتخاب رئيس الجمهورية وفاز السيد معصوم برغم ألاعيب حزب السلطة..
اليوم تستمر المرجعية الدينية في واجبها بتوجيه دفة الأمور نحو الصالح، ويقينا أنها تعرفه، مثلما تعرف الطالح الذي ما أنفكت تطالب بتغييره..
هذه المرة جددت المرجعية الدينية العليا في النجف، دعوتها للكتل السياسية الى الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة في البلاد، فيما ألمحت الى ضرورة أن يتنازل بعض السياسيين عن مناصبهم، وما حققوه من مكاسب في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً.
وبلسان عربي مبين، قال ممثل المرجعية الدينية عبد المهدي الكربلائي في خطبة صلاة الجعة في الصحن الحسيني، إن "نجاح مجلس النواب في تجاوز محطتين وهما اختيار هيئة رئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية وخلال فترة زمنية مقبولة يمثل خطوة مهمة في الحراك السياسي المطلوب".
ليخلص الى القول أنه "لا بد من اكتمال ذلك بتشكيل الحكومة خلال فترة زمنية لا تتجاوز المدة التي حددها الدستور"، على انه يجب أن تحظى تلك الحكومة بقبول وطني واسع حتى تتمتع بالقدرة على تجاوز المرحلة الراهنة ومعالجة الأخطاء السابقة ".
وتابع وان "تكون الحكومة الجديدة ملمة في جمع الصف الوطني ودرء خطر التقسيم والانفصال"، لافتاً الى أن "حساسية حكومة هذه المرحلة تحتم على التحلي بروح المسؤولية وعدم التشبث بالمواقع والمناصب والتعامل بمرونة وواقعية وتقديم مصالح البلد على بعض المكاسب السياسية والشخصية".
رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي والذي لا يتوفر على حد أدنى من موصفات (القبول الوطني الواسع) و(الإلمام بجمع الصف الوطني، ودرء خطر التقسيم والإنفصال) بل بالحقيقة هو سبب رئيسي بشرذمة الصف الوطني، بل زاد محاولا شرذمة التحالف الوطني، وهو عمود العملية السياسية بالعراق، اليوم أمام مأزق كبير، ليس من السهولة أن يتخلص منه، فهو وبرغم الانتقادات الداخلية والخارجية المتصاعدة التي يتعرض لها، كان قد أكد في الرابع من الشهر الجاري انه لن يتنازل "أبدا" عن الترشح لمنصب رئيس الحكومة لولاية ثالثة على التوالي.
لكن الخروج من مأزق الـ (أبداً) الذي وضع نفسه فيه سهل إذا تحلى بما يمليه عليه المنطق، وهو أنه غير قادر على الحرب على عدة جبهات، كما أن عليه أن يحسن التعامل مع توجيهات المرجعية، ويترك الصلف والتعنت جانبا، فهذا مسلك الذين لا يتوفرون إلا على فراغ ..سيما وأنه ليس كفئا لأن يقف في وجه المرجعية، فقبله حاولت أمريكا ولم تستطع، وأذعنت الى مطالب المرجعية في عام 2005 بأن يسن الدستور عراقيين منتخبين..
25/5/140725
https://telegram.me/buratha