محمد محمود مرتضى
لا يختلف اثنان على الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في انشاء ودعم تنظيم القاعدة وباقي التنظيمات المتفرعة عنها ممن يحمل فكرها ويقتدي بسلوكها بل فاقها باشواط كبيرة في التكفير والاجرام كما نراه في تنظيم داعش.
ربما بدأت المملكة تتحسس رأسها وتشعر بخطر يقترب منها جراء هذا الفكر والذي لا يخفى انه صنيعة مدارسها الوهابية المتغلغلة في كثير من مناطق العالم الاسلامي.
انقلاب التكفيريين على صانعيهم
والواقع ان انقلاب القاعدة وداعش على داعميها ليس جديدا، فللمملكة تجربة سابقة بين عامي 2000 و2003، عندما شن تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب " سلسلة هجمات داخل اراضي المملكة.
وعلى غرار السعودية التي إمتهنت الانقلاب على الاتفاقيات والعهود المبرمة، إنقلبت داعش على ربيبتها، فكانت تلميذة نجيبة لآل سعود والوهابية.
عام 1914 وقعت اتفاقية "الصبيحية" التي أصبح بموجبها ابن سعود قائمقاما عثمانيا. لكن من كان حليفا للعثمانيين اليوم اصبح بعد سنوات قليلة رأس حربة في محاربتهم لتدمير واسقاط " الخلافة الاسلامية" العثمانية . مد ابن سعود يده للبريطانيين طالبا دعمهم في السيطرة على نجد والاحساء والحجاز وغيرها من مناطق في شبه الجزيرة العربية واضعاف "الخلافة العثمانية".
فبعد استيلاء ابن سعود على الرياض بمساعدة الشيخ مبارك عام 1902 ، فكر بالاستعانة بالبريطانيين، وجرت محاولات مختلفة من جانب ابن سعود لكي يظفر بالتحالف مع بريطانيا وخاصة في فبراير عام 1906 حيث تطلع صراحة الى تأييد الأسطول البريطاني في حملته لإخراج العثمانيين من الإحساء، مقابل امتيازات غير محددة تحصل عليها بريطانيا.
كانت باكورة طلب الدعم من لندن عبر رسالة من ابن سعود الى "برسي كوكس" المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي بعد استيلائه على الإحساء مباشرة في 13 حزيران يونيو 1913 يقول فيها:
"... نخاطب سيادتكم بالنظر إلى الصداقة القديمة بيننا وبينكم، وإلى المعاهدة الأسبق من ذلك التي تعود إلى عهد المغفور له جدي فيصل بن تركي والتي انقضى من مدتها خمسة وخمسون عامًا ويبقى منها خمسة وخمسون عامًا، إنني أرغب في إقامة العلاقة ذاتها ...وبالنظر إلى مشاعري الودية أود أن تكون علاقتي بكم كتلك التي كانت بينكم وبين أجدادي ...فإننا نلتزم تجاهكم فيما يتعلق بأولئك الذين هم بطرفنا وبما يخص رعاياكم وسنحترم شرفهم ونحميهم ونكون مسؤولين ..".
وبعد دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا، أعاد ابن سعود الطلب في حين كانت بريطانيا في أمس الحاجة إليه وإلى العرب الآخرين للتخلص من "إعلان الجهاد" من قبل العثمانيين . وأرسل ابن سعود رسالة إلى "كوكس" في 5 ديسمبر 1914 جاء فيها:
تسلمت رسالة من صديقي الكابتن "شكسبير" يطلب فيها أن يراني ولدى لقائنا سأشرح له أمورًا لا بد وأنه سيبلغكم بها ....وأنكم أفضل الناس من هذه الناحية ونحن نأمل كل خير منكم.....
ثم أعاد ابن سعود تأكيد مطالبه السابقة وطالب بالحماية والاعتراف وعقد معاهدة وقد وافقت بريطانيا على ذلك.
وقال ابن سعود في رسالته المؤرخة في الأول من كانون الثاني يناير 1915 ردًا على رسائل المقيم السياسي البريطاني "بيرسي كوكس": حمدت الله على سلامتكم وسررت بنجاحكم وكذلك سررت بأن أقرأ ما كتبتموه إلي حول نجاحكم في "القرنة" ( في العراق) .. فقد بعثتم في نفسي الأمل نتيجة ما تم من أمر احتلالكم هذه البلاد ... وليس لدينا شك بأنكم أعدل الناس وأكثرهم تقديرًا لحقوقنا وحقوق الناس المحترمين ... والآن قد تسلمنا بكل احترام أمركم، وأننا مقتنعون بأن مصلحتنا وشرفنا يتوقفان على إطاعة أوامركم" .
وكدليل على رغبته في مساعدة الحكومة البريطانية دون أن يعرض نفسه للخطر بصورة لا أمل فيها، فإن ابن سعود أوقف ابن رشيد زعيم قبائل الشمر الموالي للعثمانيين في محله وحث وطلب إلى شيوخ العرب وأمرائهم بالوقوف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية .
كوكس يطلب مساعدات لآل سعودولكن ابن سعود وبسبب سيطرة قبيلة "العجمان" القوية على منطقة الإحساء والتي أصبحت غير آمنة تقدم بطلب مساعدات عسكرية ومادية عاجلة من بريطانيا لقتال قبيلة العجمان القوية.
طلب "برسي كوكس" من حكومته مساعدات مادية وعسكرية لتقديمها إلى ابن سعود واقترح عند ارسالها أن يرسل إلى ابن سعود نسخة معدلة من المعاهدة المقترحة من ابن سعود مع البريطانيين مع إيضاحات تفصيلية وأن يطلب إليه توقيعها، ليتمكن بهذه الطريقة من تفادي المزيد من المناقشات والتأخيرات.
انتهت المفاوضات التي استمرت مدة عام بين ابن سعود وبريطانيا إلى توقيع اتفاقية الحماية البريطانية في جزيرة "دارين" بتاريخ 26 ديسمبر 1915 ووقعها السير برسي كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي وابن سعود، وبموجب هذه الاتفاقية بدا تفكيك " الخلافة الاسلامية" العثمانية فاعترف البريطانيون بنجد والإحساء ملكًا لابن سعود، كما كانت لآبائه من قبله ولأحفاده من بعده والتزمت بريطانيا بحماية ابن سعود وعدم دخول الأخير في علاقة مع أي قوة خارجية وبعدم التنازل أو التخلي عن أي أرض دون الموافقة البريطانية، وباتباع نصح بريطانيا وعدم الإضرار بمصالحها وعدم الاعتداء على إمارات شرق الجزيرة العربية المرتبطة أيضًا باتفاقيات الحماية مع بريطانيا.
وفي الحقيقة فانه عند قراءة مخاطبة ابن سعود للبريطانيين بانهم اعدل الناس وان شرفه يتوقف على اطاعة اوامرهم قد ورد الى مخيلتي صورة ما يسمى بـ" خليفة المسلمين" أبو بكر البغدادي عندما كان مسؤولا عن فصيل ميليشيا " الجيش الحر" واجتماعه مع الصهيوني الاميركي جون ماكين. فان نجابة التلميذ اسلافه ومعلميه ان يكون قد خاطب ماكين الاميركي الوريث للاستعمار البريطاني، بأن شرفه وشرف تنظيمه يتوقف على اطاعة امرهم لانهم بنظره اعدل الناس.
26/5/140822
https://telegram.me/buratha