تشكل قضية اختطاف الإمام موسي الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين منذ العام 1978من قبل النظام الليبي جرحا لا يندمل، في اتجاهين عائلات المختطفين، وأداء السلطات اللبنانية.
فمن الجهة الأولي تعيش عائلات المخطوفين منذ 36 عامًا، واحدة من أصعب تجارب الفقدن الإنسانية. فالانتظار دون أي أفق أو معلومات تحسم مصير الغائب المفقود تخلف آثارا مؤلمة علي المنتظرين. وفي قضية الإمام موسي الصدر غابت المعطيات الدقيقة أو المعلومات الصادقة منذ اللحظات الأولي للجريمة .
ومن الجهة الثانية هناك حالة شاذة علي مستوي وطن ودولة عجزا عن متابعة قضية بحجم شخصية الإمام الصدر الذي كان له دور مفصلي في رسم صورة لبنان منذ الخمسينيات حتي تاريخ اختطافه. سنوات بذلها الإمام المغيب في تعزيز الوحدة الوطنية وكسر الحواجز بين الطوائف والمذاهب ورفض الحرب الأهلية وبناء المجتمع المقاوم وتأسيس المقاومة المسلحة في مواجهة إسرائيل.
يبدو لأي متابع لهذه القضية أنها مليئة بالمفارقات التي تزيدها غموضًا مع مرور الزمن. الإمام الصدر كان في زيارة رسمية إلي ليبيا بناء علي دعوة رسمية موجهة إليه من قبل الطاغية معمر القذافي نفسه.. وصل والوفد المرافق إلي العاصمة طرابلس بتاريخ 24 اب 1978 الموافق ل23 شهر رمضان المبارك وهناك حصلت عملية الإخفاء القسري في ظروف بوليسية استخباراتية غامضة وملتبسة.
بعد ستة وثلاثين عامًا لا تزال القضية في المربع الأول. الملف الذي ربط طوال السنوات الماضية بشخص معمر القذافي الذي اختصر النظام في ليبيا بشخصه لم تنكشف تفاصيلها بعد سقوط النظام ومقتل القذافي ودخول رموزه السجون.. لحظة سقوط النظام الليبي الذي صادف انه حصل بتاريخ 24 آب والموافق لـ23 رمضان في العام الميلادي 2011 ساد انطباع قوي في لبنان عن أن القضية ستصل إلي خواتيمها وأن إمكانية الوصول إلي نتيجة أصبحت أكبر. إلا أن هذا الانطباع سرعان ما تبدد.
آخر التقارير الرسمية اللبنانية تشير إلي أن انهيار الأوضاع الأمنية في ليبيا حال دون الوصول إلي نتائج في الملف. المؤسسات الرسمية هناك شبه معطلة والمرجعية الرسمية غير واضحة. جمدت التطورات السياسية والأمنية الليبية عمل اللجنة التي شكلها لبنان من اجل متابعة القضية مع المستوي الرسمي الليبي.
قبل انفجار الوضع الأمني في مختلف المناطق الليبية استطاعت الدولة اللبنانية ومن خلال اللجنة توقيع مذكرة تفاهم مع السلطات الليبية لتسهيل متابعة القضية إلا أن هذه الإجراءات بقيت قاصرة. لم تحصل مثلاً أي تحقيقات مع شخصيات أساسية مثل ابن القذافي سيف الإسلام الذي لم توجه إليه أية أسئلة علي هذا الصعيد.
وبحسب المعلومات الرسمية التي يمكن للمعنيين الإفصاح عنها فان ابرز نتائج عمل اللجنة التي كلفتها الحكومة اللبنانية متابعة القضية هي إثبات عدم مشاركة أي جهة لبنانية أو فلسطينية في عملية الخطف. إضافة إلي تأكيد حصول الجريمة علي الأراضي الليبية وبأمر من القذافي وفريقه الأمني.
هذه الايجابيات يلفت إليها النائب السابق حسن يعقوب وهو نجل الشيخ محمد يعقوب الذي خطف مع الإمام الصدر. يتحدث يعقوب عن معرفة منتحلي صفة الإمام ورفيقيه في قصة ايطاليا. القصة المفبركة التي روج لها القذافي لسنين طويلة- حول مغادرة الإمام ورفيقيه ليبيا باتجاه روما حيث اختفي أثرهما - سقطت.
رواية أخري لم تعد واردة وهي الحديث عن استشهاد المخطوفين بعد ساعات قليلة من اختطافهم كمقدمة لإنهاء القضية دون محاسبة. كل المعلومات التي رشحت منذ العام 2011 بحسب يعقوب تعزز فرضية أنهم لا زالوا علي قيد الحياة، أما فرضية الوفاة فلا معطيات قوية لتثبيتها. ما كان يتردد هو معلومات استخباراتية عن حصول خلاف داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالقذافي ما دفع الأخير لإصدار أمر القتل.
عملت الأجهزة القضائية الأمنية الليبية علي هذه الفرضية (الوفاة) إلا أنها لم تتمكن من إثباتها . لا بل تم استبعادها نهائيا . الجثة التي زعمت الأجهزة الليبية أنها للإمام الصدر ليست له. أثبتت فحوص الحمض النووي أن صاحب الجثمان الذي وضع في مكان خاص ومبرد في سجن أبو سليم لا تعود إلي الإمام الصدر.
يعقوب بدوره يشير إلي معطيات تؤكد أن المخطوفين الثلاثة كانوا علي قيد الحياة بعد 20 عاماً من عملية الخطف وكانوا مسجونين في احد السجون الليبية بشهادة من احد السجانين الذي لا يزال علي قيد الحياة وهو مسجون حالياً واعترف بذلك.
باستثناء هذه المعطيات لم يتم التوصل إلي أي نتائج أخري يبني عليها. والأسباب عديدة أبرزها بحسب يعقوب تقصير الدولة اللبنانية.
بحسرة يشير يعقوب إلي عدم ارتقاء الأداء الرسمي اللبناني إلي المستوي المطلوب. الحكومة اللبنانية التي انتظرت العام 2005 لتدرج القضية بندًا في بياناتها الوزارية أعدت وفدًا غير ملائم لمتابعة القضية بعد سقوط القذافي. يؤكد يعقوب أن قاضٍ إداريًا ومدير عام وزارة الخارجية والمغتربين ليسا الشخصيات المناسبة لانتزاع معلومات بهذه الحساسية من مدير مخابرات لمدة أربعين عامًا لدي القذافي. المقصود هو عبد الله السنوسي الذي فر إلي موريتانيا حيث التقته اللجنة الرسمية اللبنانية قبل أن تسترده بلاده.. المطلوب كان إرسال قاضي إجرائي وهذا ما طالب به يعقوب طويلاً..
نقطة أخري يلفت إليها يعقوب باستغراب وهي امتناع الجهات القضائية اللبنانية والمجلس العدلي اللبناني عن رفع دعوي علي الدولة الليبية. يصنف يعقوب هذا الأداء بأنه شكل آخر من أشكال خطف القضية بحد ذاتها.
يذهب النائب السابق حسن يعقوب إلي حد الحديث عن وجود «شبكة مصالح كبري دولية ولبنانية هدفت لتغييب الإمام ورفيقيه وهذه الشبكة مستمرة وعملية المماطلة هي جزء من عملها». لا يستبعد يعقوب دورًا للكيان الصهيوني أو أدواته في المنطقة.. فعملية الاختطاف برأيه «خدمت مصلحة الحركة الصهيونية»، حصول الجريمة قبل 4 أيام من بدء مفاوضات كامب دايفيد مفارقة يتوقف عندها يعقوب.
ماذا عن اليوم؟ هل من حل في الأفق؟ تفيد المصادر الرسمية اللبنانية أن القضية تتابع ولا إهمال لها. لدي المستوي الرسمي اللبناني نية وإرادة لاعتماد خطط جديدة وبديلة. إلا أن الثابت هو استمرار التعامل مع الدولة الليبية أو من يمثلها، إضافة إلي الإصرار علي أن المخطوفين لا يزالون علي قيد الحياة طالما لم يثبت عكس ذلك.
اعتماد طرق ووسائل أخري ستكون له آثار سلبية وتضليلية بحسب الرؤية الرسمية اللبنانية. يري يعقوب أن الحل يبدأ من اختيار الفريق المتخصص والأمثل لاستلام هذه القضية وتحويل القضية عبر الإعلام إلي قضية رأي عام ووضعها في رأس سلم الأولويات الرسمية اللبنانية.
21/5/140831
https://telegram.me/buratha