التقارير

الإخوان وداعش: الجد والحفيد!..

2534 2014-10-07

ثروت الخرباوي

أعلم ان بعض المتحذلقين الموهومين سيقولون ان جماعة الاخوان ليست جماعة عنف حتى ننسب اليها أعمالا ارهابية أصبحت جزءًاً من حياتنا، وسأعذر هؤلاء لجهلهم ولكنني سأقول لهم انه منذ ان نشأت جماعة الاخوان وهي تحترف القتل، بل انها نشأت أصلا من أجل القضاء على الدولة المصرية الحديثة، ثم فلتنقض بعد ذلك على العالم العربي كله، هي باختصار جماعة ارهابية، ولا تظن ان كلماتي هذه صدرت عن رجل غاضب من ممارسات الجماعة، ولكن الحقيقة ان كلامي هو عين الموضوعية، ألم يجعل البنا السيفين شعارا للجماعة منذ بدايتها، ألم يضع كلمة «وأعدوا» المأخوذة من الآية القرآنية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»! أعدوا لمن يا عم الشيخ حسن البنا يا من بنى للارهاب بيتا في مصر؟ لبني الوطن! والحمد لله ان ذهب البنا ولكن ظل رجاله يتعاقبون على مدرسة الارهاب، وظل هذا الشعار الارهابي متخذا عندهم حتى الآن! وظلت ممارسات الجماعة تستهدف القضاء على أي نهضة لمجتمعاتنا.

ولك ان تعود الى بداية القرن العشرين، ولتنظر مليا لمصر وهي تبحث لنفسها عن استقلال، وتستحضر حضاراتها لتستخرج منها مشروعها الحضاري، فهذا هو الامام محمد عبده يقيم مدرسة «العقل والدراية» التي تجتذب الشعب بكبار مثقفيه ومجتهديه، وتضرب بابداعاتها «مدرسة النقل» التي أصابت العقل العربي بالعطب عبر سنوات طويلة، وها هو الشيخ علي عبد الرازق يخرج للدنيا كتاب الاسلام وأصول الحكم، ليكون أول عالم مصري يواجه أساطير نسجها أصحاب الاسلام المزيف عن وجوب وفرضية الخلافة، ومعه يكتب طه حسين كتابه «في الشعر الجاهلي» وكتابه «مستقبل الثقافة في مصر» وتبدأ في مصر حركة ثقافية لا مثيل لها، فهذا توفيق الحكيم يضع مصر على خريطة المسرح العالمي، وتسبق مصر كثيراً من دول العالم في صناعة السينما، ويؤسس جورج أبيض ثم يوسف وهبي النهضة المسرحية المصرية التي لا تقل في روعتها عن المسرح الفرنسي، أو المسرح الانجليزي، وتبدأ فنون الرواية والقصة القصيرة في أخذ مكانتها لتصبح فيما بعد «ديوان العرب»، وينهض الشعر العربي الذي يتقدمه شعراء مصر، فمن بعد شوقي وحافظ تظهر مدارس شعرية تجدد هذا الفن العربي الخالد، كمدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، ويرتفع شأن النحت المصري، ليصبح المثال محمود مختار واحدا من أعلى النحاتين مكانة في العالم كله.

وتظهر من وسط الحركة الثقافية المصرية عبقريات علمية تناطح أكبر عبقريات عالمية، بل وتتفوق عليها، فمصطفى مشرفة الذي قُتل وهو لم يتجاوز الخمسين يشار اليه كأكبر علماء العالم في الفيزياء، ويطلق عليه الغرب لقب «اينشتاين العرب» ويتفوق المصريون في الاقتصاد فيظهر عالم الاقتصاد الوطني طلعت حرب الذي يؤسس لمصر نهضة اقتصادية تجعلها تتفوق على اقتصاديات دول العالم الأول، بل وتتفوق اقتصاديا على الدولة التي تستعمرنا!.

وفي وسط هذا الزخم يظهر رجال الصناعة الذين يجعلون من مصر أكبر دول العالم في صناعة النسيج، وفي صناعة الزجاج، وتتفوق القاهرة في نسقها المعماري على دول أوروبا، وهي الآن آخذة طريقها لكي تصبح رقما مؤثرا في الحضارة الانسانية، يقودها أبناء الطبقة المصرية الوسطى الذين شكلوا المزاج العام لها، في مقدمتهم مصطفى كامل وسعد زغلول ومحمد فريد ومصطفى النحاس ومكرم عبيد ومحمد حسين هيكل، وأحمد لطفي السيد، ومصطفى صادق الرافعي، ويطرب وجدان الشعب العربي كله مجدداً للموسيقى العربية اسمه سيد درويش، ثم يأتي من بعده ثلة من الموهوبين في الغناء يتقدمهم عبد الوهاب وأم كلثوم، وليلى مراد، والسنباطي والقصبجي والشيخ زكريا أحمد، وتستقبل مصر الموهوبين من كل العالم العربي فتصدح فيها اسمهان وفريد الأطرش وغيرهما.

ثم فجأة يظهر في مصر مشروع آخر وفكرة أخرى، لا ينظر للأمام أبدا، بل لا ينظر للخلف كي يأخذ منه ما ينفعه ثم يأخذ طريقه للأمام، ولكنه ينظر ويعيش في كهوف الزمن فقط ولا علاقة له بدنيا الناس، يخرج هذا المشروع من جراب الانجليز، حيث يدعمون الفتى حسن البنا، ويهبونه المال والتأييد، وييسرون له الطريق، فتظل أمتنا من بعدها أسيرة لصراع مع مشروع كانت بدايته عبارة عن اشتباك حقيقي مع الدولة المصرية الحديثة، ثم ظل هذا المشروع ينهك مصر والعالم العربي الى الآن، ومنه خرجت مشاريع التطرف الأخرى كالقاعدة والتكفير والجهاديين وداعش وغيرهم.

صحيفة (الوطن) الكويتية

20/5/141007

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك