لم تأبه السلطات لكلّ الدعوات التحذيرية من الغضب العارم الذي سيسبّبه قتل الشيخ المعتقل منذ سنتين.
ورغم توقعات إرجاء جلسة النطق بالحكم على غرار الجلسات السابقة، أصرّ قضاة المحكمة الجزائية المتخصّصة في الرياض على قرار قتل الشيخ النمر "تعزيراً" ورفض حدّ الحرابة، لكن ماذا يعني وفق المفهوم السعودي الإعدام "تعزيراً"؟
رفع النظام السعودي من وتيرة استهدافه لمعارضيه داخل المملكة، فأوعز الى إحدى محاكمه بإصدار حكم يقضي بإعدام آية الله الشيخ نمر النمر "تعزيراً".
مصدر متابع لقضية الشيخ النمر يشرح لـ"العهد" أن "هذا المصطلح يُستخدم لدى القضاء في المملكة عندما يخلو أي نص شرعي مُتَّبَع في السعودية من أي تطابق مع الحالة التي تخضع للمحاكمة فعلى سبيل المثال القاتل يقتل، أما عندما لا يكون هناك أحكام
محدّدة وواضحة لبعض القضايا، فيلجأ المسؤولون الى الاجتهاد عبر ربط القرار القضائي بكلمة "تعزير" وتبقى المسألة متروكة لتقدير القاضي، وعليه يمكن فهم ما جاء في قرار المحكمة حول أن الجرم الذي أدين به الشيخ النمر لا ينطبق عليه حد الحرابة الذي يوجب
القتل والصلب".
ويوضح المصدر أن "المحكمة السعودية عندما لم تجد تهمة ثابتة قانوناً بحق الشيخ النمر، اضطّرت الى الحكم بالإعدام تعزيراً، فتهمة دعم الثورة البحرينية لا مكان لها في النصوص الشرعية للملكة"، ويشير الى أن "الهدف هو قتل الشيخ والقضاء هنا يأتي في خدمة
هذه الغاية".
ويتحدّث المصدر عن أن" الحكم ليس نهائياً لأنه قابل للاستئناف وهو يحتاج الى مصادقة الملك عبد الله بن عبد العزيز".
وبحسب أوساط سعودية متابعة، يُعتبر قرار المحكمة الجزائية في الرياض تصعيداً لوتيرة الأزمة بين النظام والمعارضة الشعبية ولاسيّما في المنطقة الشرقية والعوامية، حيث مسقط رأي الشيخ النمر، وهو يقطع أي حلّ من شأنه أن يساهم في المصالحة بين طرفي
الأزمة، خاصة أن القضية لم تعد محلية داخل المملكة بل تجاوزت بتداعياتها الحدود السعودية.
وتذهب الأوساط الى حدّ وصف خطوة القضاء السعودي اليوم بـ"الحماقة".
وتعود قضية الشيخ النمر الى تموز/يوليو 2012، حين أُلقي القبض عليه في بلدته العوامية بعد إطلاق الرصاص الحيّ عليه وإصابته، وهو يُحاكم منذ آذار/مارس 2013.
والشيخ النمر من مواليد عام 1959 في منطقة العوامية إحدى مدن محافظة القطيف في المنطقة الشرقية في السعودية، وله ثلاث بنات وابن واحد. وقد بدأ دراسته في مدينة العوامية إلى أن انتهى إلى المرحلة الثانوية، ثم هاجر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية
طلباً للعلوم الدينية الشرعية في عام 1980، فالتحق بحوزة الإمام القائم (عج) العلمية في مدينة طهران، التي تأسست على يد آية الله العظمى السيد محمد تقي الحسيني المدرسي. وأتمّ سماحته فيها دراسة الأصول والفقه.
كذلك بلغ الشيخ النمر مرتبة الاجتهاد، وإضافة إلى مرتبته العلمية، لم ينقطع عن ممارسة مسؤولياته التربوية والتثقيفية والاجتماعية، مازجاً بذلك بين العلم والعمل.
الشيخ النمر له تاريخ من النشاط السياسي السلمي داخل السعودي، وقد أكدت أحداث أكتوبر/تشرين الاول 2011 التي عُرفت فيما بعد بأحداث العوامية على الموقعية القيادية لسماحته، وبرهنت للسلطة جيداً أن كلمته هي كلمة الفصل وأنه بخطابه السلمي يمثل
صمام الأمان الذي يحفظ المنطقة من الانزلاق في آتون العنف.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، فتحت القوات الأمنية الرصاص الحي على بعض الشبان فسقط أربعة شهداء كان سقوط ثلاثة منهم حال المشاركة في تظاهرات سلمية، وجاء هذا التصعيد الأمني بعد أن عجزت السلطات عن إيقاف حركة الاحتجاجات. وبعد أن كانت
مطالب المحتجين لا تتجاوز إلغاء التمييز والإفراج عن السجناء المنسيين، صعّد آية الله النمر السقف المطلبي مطالباً بحق الشعب في الحرية السياسية الكاملة غير منقوصة.
ومع إصرار السلطة على المعالجات الأمنية باستخدام السلاح التي نتج عنها سقوط العديد من الشهداء، زاد تصعيد النمر من مواقفه وخطاباته والتي عارض فيها بشكل صريح التمييز السلطوي ومصادرة الحريات والاستئثار بالثروات والمناصب، وفي فترة زمنية قياسية
لقيت الخطابات السياسية لسماحته انتشاراً واسعاً داخل الدولة وخارجها لما تتميز به من قوة وجرأة أسقطت العديد من المحرمات السياسية التي خلقتها الدولة السعودية والتي لم يتجرّأ أحد على المساس بها منذ عقود من الزمن.
وفي الثامن من يوليو/تموز 2012، أقدمت القوات السعودية على اعتقال آية الله النمر إذ فتحت عليه الرصاص الحي فأصيب على إثرها بأربع رصاصات في فخذه الأيمن، وقامت باختطافه من موقع الجريمة فاقداً لوعيه لتنقله إلى المستشفى العسكري في الظهران
وبعد ذلك إلى مستشفى قوى الأمن بالرياض ثم إلى سجن الحائر.
وفي مارس/آذار من عام 2013، بدأت الحكومة السعودية بأولى جلسات محاكمته وبدون خبر سابق لذويه، وقد طالب فيها المدعي العام بإقامة حد الحرابة (القتل) على آية الله النمر وقد ساق تهماً ملفقة على سماحته.
وكان الشيخ النمر قد اعتقل سابقاً أي قبل عام 2012، وتعرّض للعديد من المضايقات من قبل رجال الأمن الذين تناوبوا على مراقبة سكن الشيخ على مدار الساعة، واستدعائه المتكرر بدون إذن مكتوب، غير أنه لم يكن يتجاوب معها، ومن تلك المضايقات ما يلي:
1- في عام 2003، اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، وقد طلبوا منه بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة، إزالة البناء الذي تقام فيه الصلاة في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.
2- في عام 2004، استدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع.. حدث مغيب) وقد طوق منزله بسيارات رجال المباحث بمرافقة رجال الأمن، وحينها رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.
3- في عام 2005، استدعي سماحته أيضاً من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع الخطوة الأولى لبنائه) وقد استمر الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وأخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.
4- في عام 2006، اعتقل الشيخ غدراً وهو عائد من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم) واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل، وذلك بسبب التقارير المكذوبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق الطائفة الشيعية
منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.
5- في عام 2008، استدعي سماحته إلى محافظة القطيف ولما لم يتجاوب معهم رُحِّلَ إلى إمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب -وبالذات الجمعة- والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجنه سجناً انفرادياً بقرار من وزير
الداخلية، أو يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن على خلفية رأيه السياسي ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.
...................
1/5/141016
https://telegram.me/buratha