التقارير

القنّاص: أبعد من جدل سينمائي

1532 07:41:56 2015-02-09

عبد الحسين شعبان

انتقل الجدل الذي أثاره فيلم أمريكان سنايبر American Sniper  من الولايات المتحدة، إلى لبنان وإنْ كان على نحو محدود واقتصر على بعض الناشطات والناشطين، وذلك بسبب عرض إحدى الدور السينمائية لهذا الفيلم الذي يتناول دور قنّاص أمريكي في العراق، قام بقتل نحو 160 ضحية، والمقصود بذلك الجندي الأمريكي كريس كايل من قوة العمليات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية في العراق.

في الولايات المتحدة حيث أنتجت هوليود الفيلم تعرّض عدد من الأمريكان من أصول عربية أو مسلمة أو من المهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين إلى تهديدات متنوّعة، وذلك لأن الفيلم يشجع على الكراهية، حسب اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز، في رسالتها الموجهة إلى مخرج الفيلم كلينيت إيستوود والممثل برادلي كوبر، حيث دعتهما لاستنكار لغة الكراهية، وأشارت اللجنة أن أعضاءها أصبحوا هدفاً لتهديدات عنيفة حتى قبل أسبوع من عرض الفيلم، وبالطبع ما بعد عرضه.

يعتبر فيلم القناص الأمريكي حلقة جديدة في سوء الفهم الأمريكي والغربي عموماً إزاء العرب والمسلمين على أكثر التقديرات إيجابية، أما الوجه الآخر السلبي فإنه استهداف مقصود لتبرير احتلال العراق وإذلال شعبه، وإظهار القاتل بصورة البطل ، والضحية بصورة المتوحش، ناهيكم عن أن الفيلم قام بتمجيد الحرب والقتل مشجعاً على العنف، بل وناشراً ثقافة العنف والاستعلاء والعنصرية، وهي ثقافة محرّمة حسب القوانين الدولية ولقيم ومعايير الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ناهيكم عن مخالفتها لدستور الولايات المتحدة ذاته.

إن النجاح الذي حققه الفيلم لا يعود إلى كونه عملاً فنياً متقناً ومحبوكاً درامياً، بل لأن من يقف وراءه إنما يبحث عن بطل خارق يتصدّى لهؤلاء الإرهابيين " الرعاع" والمتوحشين، وتلك هي الرسالة التي يريد الفيلم إيصالها إلى المشاهدين الغربيين بشكل خاص وغيرهم من المشاهدين بشكل عام، وذلك جزء من الإسلامفوبيا " الرهاب من الإسلام" التي تعاظمت بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة والتي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك ومؤسسات رسمية في واشنطن وبنسلفانيا، وقد  كرّست تلك الأحداث الحواجز بين العرب والغرب من جهة وعمّقت الهوّة بين الطرفين، خصوصاً وقد سبقتها تنظيرات من قبيل نهاية التاريخ وظفر الليبرالية وصراع الحضارات وتناحر الثقافات وهي الأفكار التي روّج لها فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتغتون،كما زادت تلك الأحداث من التباعد بين البلدان الغربية والجاليات العربية والمسلمة، بحيث أصبحت صورة العربي والمسلم مصاحبة للعنف، بل إنها تثير الرعب والفزع والتوجّس والريبة في الكثير من الأحيان.

وقد عزّز تلك الصورة ما قامت به تنظيمات القاعدة وربيباتها تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق" داعش" وجبهة النصرة، وغيرها من المنظمات الإرهابية التي فقّس بيضها على نحو كبير بعد احتلال أفغانستان العام 2001 والعراق العام 2003، وانتقلت  مثل العدوى أو الوباء متخطية الحدود والحواجز، وكان آخر أفعالها الإجرامية ما حصل في شارلي إيبدو في باريس حين قامت بقتل 12 صحافياً بدم بارد.

قصة الفيلم تدور حول دور القنّاص الأمريكي كريس كايل (الجندي) الذي قام بقتل أكبر عدد ممكن من البشر، مسجّلاً  أعلى رقماً حسب التاريخ العسكري الأمريكي، دون أي إحساس بالشعور بالذنب، خصوصاً وأن كايل كان قد وصف المسلمين في مذكراته بأنهم " همج"، والمفارقة إن القاتل هو الآخر قد قتل رمياً بالرصاص على يد أحد قدامى المحاربين بالقرب من منزله في تكساس في شباط (فبراير) العام 2013، وكأن الآية الكريمة تنطبق عليه " وبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين".

لقد حقّق الفيلم أرباحاً طائلة بل تكاد تكون خيالية، ففي الأسبوع الأول من عرضه تجاوزت أرباحه على 105 مليون دولار أمريكي، وهو أمر غير معتاد في شبّاك التذاكر، إلاّ إذا أخذنا بنظر الاعتبار، كاستثناء، بعض الأفلام المتميّزة وذات الشهرة العالية مثل فيلم "القيامة الآن" و"زد"(Z) وامرأتان، بالإضافة إلى أفلام جيمس بوند أو هولوي أو غيره. وقد امتدّ نجاح الفيلم إلى النقاد أيضاً الذين رشحوه لستة جوائز أوسكار.

ولكن الفيلم من جهة أخرى، وخارج سياسة الترويج والدعاية الأمريكية يعتبر استفزازاً للمشاعر الإنسانية بشكل عام لجعل القتل وظيفة ومفخرة، والعنف غاية ووسيلة، فما بالك لمشاعر العراقيين والعرب والمسلمين، خصوصاً وأنه يحاول إظهار رجل يعشق القتل والعنف، وحسب علماء النفس، فإن ذلك أمرٌ لا يخرج عن المرض النفسي والسادية المتأصلة في عروق من يقوم بتلك الأعمال القذرة، خصوصاً محاولة إلحاق الأذى بالآخر، لاسيّما بالطريقة الغرائزية الحيوانية، بتلك التي يمثل إلى التعطش للدماء وارتكاب القتل لشهوة القتل .

ولكن المدافعين عن الفيلم  يقولون أنه يحاول إظهار أن الصراع هو بين الخير الذي يمثّله القنّاص كريس كايل وبين الشر الذي يمثله العراقيون الإرهابيون، وبالتالي فإن مهمة الخير تقتضي القضاء على الشر بقتل الإرهابيين الأشرار، وهو ما يلعبه " البطل" حسب تبريرات الفيلم، ومنتجه جاك هورنر المتحدث باسم شركة وارنر براذار وهي شركة أصحابها من اليهود المؤيدين لإسرائيل. وعلى الرغم من اضطرار المنتج إدانة اللغة المعادية للمسلمين والتي تتّسم بالعنف، إلاّ أنه اعتبر الكراهية والتعصب لا مكان لهما في الحوار المهم الذي أثاره الفيلم الذي يجسّد تجربة جندي مخضرم.

وإذا كان الفيلم " قنّاص أمريكي" يستند إلى كتاب كايل، فإن هذا الأخير لم يشعر بالأسف أو الندم أو الاعتذار، بل استمر في عدوانيته ليصل إلى الحد الأقصى من اللاإنسانية والحقد حين يتهم شعباً عريقاً بحضارته وتاريخه ومنجزه، بأنه يستحق ذلك، فيما أثبتت التحقيقات اللاحقة، بأن أياً من التهم التي وجهها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وأركان حكمه إلى العراق لا صحة لها، سواءً ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل أو بعلاقته بالإرهاب الدولي . إن التوحش هو في الابتهاج بكل صلف وغرور بأعمال القتل والتلذّذ بسفك الدماء، وهو الذي مارسه كايل والعديد من الجنود الأمريكان كمهنة غير مشرفة ولا إنسانية .

الفيلم الذي أثار جدلاً سينمائياً اتسعت دائرته لتمتد إلى الثقافة والمجتمع، لاسيّما الرسالة الاجتماعية والنفسية التي استهدفها، وهي تلك التي كشفت منهجية التعذيب سواءً في سجن أبو غريب أو غيره، حيث كانت تلك الأعمال، ناهيكم عن أبعادها القانونية ومغازيها السياسية، مثار جدل بدأ بين الأمريكان أولاً حيث أيّده المحافظون، في حين أن أوساطاً أمريكية استهجنت ذلك بما فيه الشعور الغامر بالسعادة إزاء ممارسات العنف، التي عرضها بكل خيلاء كايل في كتابه والتي استند إليها الفيلم الذي أثار جدلاً بين الجالية العربية والمسلمة بشكل خاص وبين الأمريكان والغربيين بشكل عام، حيث توالت الاحتجاجات من جانب الأولى مندّدة بروح الكراهية والانتقام والعنصرية، والأكثر من ذلك فإن جدلاً آخر أثير حول مقاطعة الفيلم أو مشاهدته بعد النجاح الذي حققه، بل إن الدعوة لمقاطعته قد تدفع أوساطاً واسعة لمشاهدته حسب رئيس اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز، وهو النقاش الذي انتقل إلى لبنان، حيث تقوم ناشطات وناشطين بالاتصال بمؤسسات وشخصيات حقوقية ومدنية وثقافية وسياسية وإعلامية ودينية للمطالبة بمنع عرض الفيلم.

وحسب بعض الناشطات والناشطين فإن الانتقادات التي تعرّض لها الفيلم أو كتاب كايل على مواقع التواصل الاجتماعي، لقيت حملة مسعورة من الاتهام والتهديد وتبريرات لعمليات القتل والعنف ضد العراقيين. ومثل هذا الاستهداف  للتصدي لهذه الظواهر التي تمجّد القتل وتحتفل بالعنف ليس جديداً، فقد ازداد خلال العقدين ونيّف الأخيرين، إزاء مفكرين ومثقفين وأصحاب رأي غربيين وعرب، لمجرد نقدهم للصهيونية أو تنديدهم لممارستها في العدوان على لبنان وغزة وعموم الشعب الفلسطيني  ودفاعهم عن حق تقرير المصير أو وقوفهم إلى جانب القضايا العربية العادلة والمشروعة ومعارضتهم للحلول العسكرية والخارجية للمشكلات التي تعاني منها البلدان العربية التي تطمح للحاق بركب الحضارة والتقدم والتنمية والديمقراطية.

 عبد الحسين شعبان / باحث عراقي

14/5/150209

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك