محمد محمود مرتضى
دخلت مصر منذ مدة في دوامة العنف التي تجتاح المنطقة، ورغم أنها لم تكن يوما بعيدة عنها، الا أن اتساع أعمال الجماعات الارهابية التكفيرية فيها خارج حدود شبه جزيرة سيناء، يحتم السؤال عن الاسباب التي أوصلت الأمور الى هذا الحد، وعن السبل التي ينبغي سلوكها لتلافي ما هو أسوأ، وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى السياسية الاساسية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة والعودة بمصر الى دورها الريادي.
منذ قيام الشعب المصري بالاطاحة بحكم حسني مبارك، لم يهنأ هذا الشعب بثورته، فالبلاد دخلت في دوامة سياسية وأمنية حرجة.
أدت «الثورة الاولى» بوصول الاخوان المسلمين الى الحكم، لكن الاخير الذي امتهن «المعارضة» لعقود، لم يستفد من تجارب سابقيه، ولا استخلص العبر من أسلافه، حاول بسنة واحدة من الحكم تغيير نظام سياسي دام لعقود واحتاج من صانعيه عشرات السنين.
ورغم المؤشرات التي كان يضج بها الشارع المصري، أغمض الاخوان عيونهم عن نبض الشارع، وفضلوا التمسك بالسلطة بدل محاولة احتوائه.
لكن «الثورة الثانية» التي أطاحت بحكم الاخوان لا يبدو انها احسن حالا من الاخوان انفسهم ، فالسلطات الجديدة جعلت من هذا التنظيم «شماعة» تلصق بها كل صغيرة وكبيرة، واتخذ «الحكم الجديد» خطوات متسارعة ومتسرعة باتجاه الانقضاض على كل ما هو اخواني، من حظر لنشاط «الجماعة» وتوصيفها كتنظيم ارهابي، الى محاكمات سريعة بحق المئات من معتقليهم.
الاخطاء ودخول التكفيريينلقد أدت هذه الخطوات الى «ارهبة الاخوان المسلمين»، لكنها عجزت عن ضبط الوضع الذي ذهب الى الاسوأ بعد اتساع رقعة الاعمال الارهابية ودخول كل من تنظيم القاعدة وداعش على خط الازمة، وتحولت الساحة المصرية الى ما يشبه ساحة حرب استقطاب بين الجماعتين التفكيريتين.
إن القراءة الهادئة والمتأنية والموضوعية تفضي الى القول إن كلاً من طرفي النزاع يتحمل المسؤولية عن وصول الامور الى ما وصلت اليه :
في الجانب الاخواني: تتحمل قيادة التنظيم مسؤولية «التحجر» في التعاطي السياسي مع الازمة، ومع تجاهل مطالب الشارع المصري بتنحي الرئيس السابق محمد مرسي عن كرسي الرئاسة، أو على الاقل في عدم الاحتكام من جديد الى صناديق الاقتراع، كما تتحمل الجماعة مسؤولية ما يبدو انه تبني لبعض العمليات الارهابية الاولى، ولو عبر ربط توقفها بما يسمونه «عودة الشرعية» في اشارة الى ضرورة عودة الرئيس مرسي الى قصر القلعة.
أما في مسؤولية الحكم الحالي، فان تحميل الاخوان مسؤولية جميع العمليات الارهابية وحظر التنظيم ربما دفع بقاعدة الاخوان لخيارات التطرف والوقوع في شرك الجماعات التكفيرية بسبب ما تسميه «اضطهاد» الحكم لها، ومحاولة اقصائهم عن الحياة السياسية.
لا شك أن اضطهاد الاخوان وخاصة قاعدتها العريضة سوف يجعلها تميل أكثر نحو الخيار الاكثر عنفا والالتحاق بشعارات الحركات الارهابية التي تعتبر ان التغيير لا يتم الا «بالجهاد» وبعمليات «النكاية والانهاك» والنظر الى الحكومة والرئاسة المصرية على أنها حكم وحكومات «كافرة» يجب قتالها.
الدور الريادي يحتاج مصر القوية لا الضعيفةلقد خسرت مصر، منذ اتفاقية كامب دايفد المشؤومة الكثير من دورها الريادي، واذا كان ثمة من يعتقد أن بامكانه العودة بمصر الى لعب هذا الدور عن طريق ابعادها عن تأثيرات هذه الاتفاقية، فان المهمة الآن اكثر تعقيدا اذ اصبحت تتعلق باخراج مصر من دوامة العنف واحتمالات انزلاقها نحو الفوضى، ووقوع شريحة كبيرة من الشعب المصري تحت تأثيرات الجماعات التكفيرية الارهابية.
ان من يتطلع الى مصر وعودتها للعب دور ريادي، انما يحتاح الى مصر القوية والمتماسكة، لا الضعيفة والمنهكة.
وبناء عليه فان ما تحتاجه مصر الآن هو قيام جميع الاطراف بتقديم تضحيات وتنازلات عن بعض ما يسمونه مكتسبات سياسية، وبالاخص من الطرفين الاساسيين في البلاد واعني الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي وجماعة الاخوان المسلمين: أما في الجانب المتعلق بدور الرئيس السيسي فعبر قرار جريء بفتح نافذة للحوار مع الاخوان ولو على مستوى قيادات الصف الثاني اذا ما تعذر الحوار مع قيادات الصف الاول.
ومن جانب الاخوان فعبر الادانة الواضحة للعنف والارهاب لتفويت الفرصة على الجماعات التكفيرية من استغلال الوضع «الاخواني»، وعبر تقديم المصالح القومية والوطنية على المصالح والمنافع الشخصية.
لقد أثبتت التجارب ان الجماعات التكفيرية لا تنمو الا في بيئة الفوضى والانقسام والاضطهاد والتهميش، ولا شك أن الاوضاع المصرية بشكلها الحالي تشكل بيئة مؤاتية لهذه الجماعات. وما نشهده من عنف وارهاب في سيناء قد يخرج الى مدن ومناطق اخرى بشكل متسارع وغير مسبوق.
والمحصلة، فانه ما لم تسارع الاطراف الاساسية في مصر الى اتخاذ مواقف جريئة، فان الخوف كل الخوف من ان تتحول مصر الى عراق جديد.
19/5/150219
https://telegram.me/buratha