التقارير

تخليق السياسة... السويد نموذجاً

1405 09:25:17 2015-03-18

عريب الرنتاوي

   أول دروس السياسة، علماً وتجريةً، يقول: "لا أخلاق في السياسة"، وربما بات هذا التعبير هو الأكثر شيوعاً في المقالات والتعليقات والتحليلات السياسة، حتى بدا أننا أمام "قاعدة فقهية" لا تقبل النقد أو النقض.

لكن السويد تأبى إلا أن تعلمنا درساً مغايراً، وأن تفعل ذلك مرتين في غضون أشهر قلائل لا أكثر... المرة الأولى حين شقت عصا الطاعة الأوروبية والغربية عموماً، فتقرر الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، مدشّنة بذلك عهد الاعترافات البرلمانية الأوروبية بفلسطين، غير آبهة بالابتزاز والتهويل... والمرة الثانية عندما ضربت عرض الحائط بعقود السلاح المجزية وقررت فتح ملفات حقوق الإنسان في بعض الدول المدرجة على قوائم "الزبائن"، مجازفةً بخسارة عقود فلكية جارية وأخرى محتملة.

في التجربة الفلسطينية للسويد، قرر البلد الغني باحترامه لحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن تنتصر للمظلوم والمستضعف، واستحقت لذلك احترام شعوب المنطقة العربية وجميع الأحرار والشرفاء في العالم... وعبرت عشرات المقالات والأنشطة والبيانات الصادرة عن أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، عن وافر التقدير والاحترام لشعب حر وصديق، وكان من المفترض أن يحل وزير خارجية السويد ضيفاً على آخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب لولا الحملة الظالمة التي أثيرت ضد موقف استوكهولم من قضايا حقوق الإنسان في دولٍ عربية.

لكن في تجربة الدفاع عن حقوق الإنسان، بدا أن الدولة الإسكندنافية قد ضربت على وتر حساس لكثرة كاثرة من الحكومات العربية، التي سارعت للتنديد والإدانة واستدعاء السفراء، وادّعاء التجني والافتئات وإصدار البيانات التضامنية على قاعدة "وهل أنا إلا من غزية..."، وشيئاً فشيئاً تحولت السويد من دولة صديقة وعادلة، تحكمها القيم والأخلاق، إلى "شيطان رجيم"، يُخفي خلف مظهره المخادع، أبشع الأجندات وأكثرها مساساً بالمصالح العربية؟!

مع أن استوكهولم في التجربتين، لم تصدر عن "مصالح خاصة" أو "أجندات مُضمرة"... انتصرت لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من دون أن تضمر عداوة مسبقة أو لاحقة لإسرائيل... إسرائيل هي من استشاط غضباً وغيظاً، وهي التي لم تعتد أن ترى سلوكاً غربياً أخلاقياً، متحرراً من قيود "المعايير المزدوجة" و"النفاق الاستعماري" و"ابتزاز جماعات الضغط".

وحين انتصرت الدولة الرائدة في مجال حقوق الإنسان لحقوق الإنسان العربي، لم تكن زاهدة في مبيعات السلاح ولا الأسواق، بل محكومة بقواعد قيمية وأخلاقية "قارّة" منذ عشرات وبعضها مئات السنين، بخلاف "من ينهى عن خلقٍ ويأتي بمثله"... فلا أحد بمقدوره أن يجرؤ على اتهام استوكهولم بخلاف ما تدّعيه... لكن حكوماتنا هي من استشاط بدوره، غضباً وغيظاً كذلك... وبدل أن تصرف الوقت والجهد في التصدي لمعركة خاسرة مع السويد، كان يتعين عليها أن تمعن التفكير والتدبير لتحسين حال حقوق الإنسان في مجتمعاتها.

لا شك أن "تخليق" السياسة هو عبء ثقيل على من يريد خوض غماره، ولا شك أننا قد نسمع أصواتاً من داخل السويد تعترض على تعريض مصالح البلاد وتجارتها وعلاقاتها مع المنظومة الغربية للخطر... لكننا واثقون من أن هذه الدولة قادرة على المضي في "مجازفتها" للنهاية، مستندة في ذلك إلى عاملين اثنين... الأول؛ أن لديها ديمقراطية صلبة ومجتمع متشرّب لثقافة حقوق الإنسان ومتخفف من عقد وقيود الماضي (والحاضر) الكولونيالي لدول غربية عديدة... والثاني؛ أنها دولة تتكئ على جدار استنادي صلب يوفره اقتصاد قوي ومعدلات دخل قياسية السويد نجحت في تبديد ما ظننا أنها مُسلّمة، وأكدت أن الجمع بين الأخلاق والسياسة ما زال أمراً ممكناً... بل وأكدت بالملموس، أن " تخليق السياسة" ما زال متاحاً، نظرياً والأهم، عملياً.

28/5/150318

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك