حسن السوسي
تلقت استراتيجية تركيا ضربة قاصمة، عندما أُسقط حكم محمد مرسي والاخوان المسلمين، وهي التي كانت تعول على دور «الاخوان» في مصر، في زيادة، بل وتعميم نفوذها السياسي والاستراتيجي، في مختلف أنحاء العالم العربي، بعدما واجهت استراتيجيتها مصاعب جمة في سوريا، أساسا، حيث لم يفلح تنظيم «الاخوان» في السيطرة على الحكم، كما كان مقررا عندما انطلقت الأحداث السورية في مارس / آذار عام ٢٠١١، وكما حاولت بكل الوسائل، بما في ذلك تسهيل انتقال المقاتلين إلى سوريا لتنصيب «الاخوان» أو من يتقاسمون معهم التوجهات الايديولوجية، على سدة الحكم في دمشق.
وزاد من وطأة هذه الضربة كونها وجهت، أيضاً، إلى الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، التي رأت أن استمرار حكم «الإخوان» في مصر يمكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية على صعيد توسيع النفوذ الأميركي في المنطقة العربية، إذ لم يعد تحالف واشنطن مع «إخوان مصر» موضع شك، كما دل على ذلك الموقف الرسمي التلقائي للإدارة الأميركية من إطاحة حكم مرسي على إثر الثورة الشعبية العارمة التي عرفتها البلاد والتي لقيت دعماً من الجيش المصري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي.
تركيا بعد نكستها الكبرى في مصر، وتراجع «النهضة» في تونس، عادت إلى التركيز على الموضوع السوري. ولعل هذا ما يفسر الدفع برجلها في الائتلاف خالد خوجة إلى الواجهة ليتصدر عمله كرئيس للائتلاف، يجمع بين ولائين أساسيين: أولهما، الولاء لتنظيم «الاخوان المسلمين» في سوريا، وثانيهما، الولاء لتركيا التي يحمل جنسيتها، ومن خلاله التنظيم الدولي للإخوان باعتبار تركيا ــ أردوغان الملاذ الآمن للقيادات الإخوانية التي تواجه صعوبات سياسية كبيرة في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في مصر وسوريا.
لكن هل يستطيع تركيز أنقرة على دعم إخوان سوريا، وربما إخوان ليبيا، أيضاً، تغيير المعادلات القائمة في المنطقة، بعد إطاحة إخوان مصر، وإضعاف «النهضة» في تونس، وتخبط حركة «حماس» في مواقفها تجاه القاهرة؟ ليس من السهل تقديم جواب ايجابي عن هذا السؤال، وخاصة بعد استفحال أمر تنظيم «داعش» الإرهابي، في كل من العراق وسوريا، وبروز من يوجه أصابع الاتهام الضمنية، أو المباشرة، إلى تركيا لكونها داعمة أساسية لـ «داعش» رغم إنكارها لتلك الاتهامات، في مناسبات عدة.
الكثيرون رأوا أن التلكؤ الذي أبدته تركيا في دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش»، في العراق وسوريا، يندرج ضمن استراتيجية محاولة إبقاء خطوط، ما، مع هذا التنظيم الإرهابي، وعدم إعلان القطيعة النهائية معه، على اعتبار أنه لم يستنفد بعد إمكانات الاستفادة منه في العراق وسوريا، وخاصة في هذه الأخيرة.
وهذا ما دفع القيادة السياسية التركية إلى محاولة الحصول على مقابل استراتيجي هام ثمناً لدعم الخطة الأميركية تجاه «داعش» وذلك بمحاولة اشتراط دعمها باتخاذ قرارات عسكرية حاسمة باتجاه العمل على إسقاط النظام السوري.
غير أن هذه السياسة الابتزازية لم تجد آذاناً صاغية، أول الأمر على الأقل، من أميركا، قائدة التحالف الدولي ضد «داعش»، لاعتبارات سياسية واستراتيجية ذات إبعاد أميركية، يبدو أن انقرة لم تستطع استيعابها. وذلك راجع، ربما، لاعتقادها أن انخراطها في التحالف الدولي، يستحق انضمام واشنطن إلى استراتيجيتها الخاصة بسوريا. وهو ما يخالف منطق كل التحالفات الدولية، حيث يكون القطب القائد هو الذي يحدد مختلف الاستراتيجيات الكبرى، لكل عمل جماعي، حتى في الوقت الذي يراعي فيه بعض المصالح التكتيكية، وربما الاستراتيجية أيضاً، لقواه المكونة شريطة الا تكون على طرفي نقيض مع مصالح الدولة القائدة.
ومن الواضح أن النقطة التي سجلتها تركيا على حساب قطر، وربما غيرها أيضاً من الدول الاقليمية بالدفع برجلها (خالد خوجة) إلى موقع الصدارة في الائتلاف السوري المعارض، لم تكن كافية لتغيير موقع انقرة في التحالفات الاقليمية والدولية، تجاه سوريا، لأن ارضية التحالف الأولى، عند بداية الأزمة، قد تغيرت بصورة جوهرية بفعل عوامل كثيرة: سورية داخلية، ابرزها عدم تحقيق عناصر تلك الأرضية على الأرض، وبروز عنصر جديد هو استفحال خطر التطرف والإرهاب، في شكل «داعش» او جبهة «النصرة» وغيرهما من التنظيمات المسلحة التي ليس بإمكان اي كان التكهن بالتطورات التي ستعرفها أو تحدثها لوجود سوابق سلبية أدى فيها تسليح وتدريب بعضها على قاعدة كونها معتدلة إلى تحولها إلى منظمات ارهابية حتى بالعرف الاميركي الغربي.
صحيح أن انقرة قد استطاعت التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتدريب خمسة آلاف رجل من المعارضة السورية، لمواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا، وربما لأداء ادوار ما في الصراع ضد دمشق ذاتها، بما في ذلك ممارسة الضغط العسكري لفرض الحل الذي ترغب فيه الولايات المتحدة، كما سبق لوزير الخارجية الأميركية جون كيري أن صرح بذلك، غير أن البون شاسع بين الخطة الاستراتيجية التركية تجاه سوريا، وحسابات البيت الأبيض في الوضع الراهن، على أقل تقدير. ولا شيء يوحي، في الواقع، وفي كل الأحوال، بأن واشنطن ستضطر، في الزمن المنظور، إلى قبول الخطة التركية الصرفة، تجاه قضايا المنطقة، وخاصة منها القضية السورية، برغم التململ الذي عرفه الموقف الأميركي، أخيراً، لجهة الحديث عن إمكانية الاضطرار إلى فرض منطقة حظر جوي في بعض المناطق السورية، وهنا تكمن، ربما، معضلة السياسة الخارجية التركية، التي كثيراً ما تتناسى واقع ان هناك لاعبين اقليميين ودوليين لا يشاطرونها سياساتها بحذافيرها، حتى في الوقت الذي يبدون فيه بعض المرونة أو قطع بعض الخطوات الصغيرة تجاهها.
19/5/150325
https://telegram.me/buratha