جهاد حيدر
لم يكن مفاجئا إقرار "إسرائيل"، وعلى ألسنة مسؤوليها الرسميين، بالفشل والخيبة في مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، خاصة وأنه يتعارض مع السقف الذي رسمته القيادة السياسية في "تل ابيب"، بحدَّيه الأدنى والأقصى.
في حده الأقصى، لا يقترب مضمون التفاهم مع الشروط التي وضعها "بنيامين نتنياهو" في سلب إيران كافة مقومات تخصيب اليورانيوم على أراضيها، من أجهزة طرد مركزي ومنشآت وإخراج كافة المواد المخصبة الى خارج إيران، انطلاقا من أن القدرات النووية هي خط أحمر من منظور أمن قومي إسرائيلي كونها تتصل بوجود "الدولة العبرية"، بقطع النظر عن أن الجمهورية لا تريد إنتاج أسلحة نووية.
وفي الحد الأدنى، لا يتلاءم الاتفاق مع مطالب "اسرائيل" الملحة التي تتصل بأمنها وبالسياسات الاقليمية لايران، إذا كان لا مفر من التوصل الى اتفاق ما بين الغرب والجمهورية الاسلامية.
ومن أجل الوقوف على خلفيات الموقف الاسرائيلي، يمكن الاستناد الى ما ورد في البيان الرسمي الصادر عن المجلس الوزاري المصغر والذي تلاه نتنياهو بنفسه، موضحاً الرؤية الرسمية الاسرائيلية للاتفاق، وبالتالي منطلقات الاقرار بالفشل في مواجهة الجمهورية الاسلامية في ايران.
فقد أجمل البيان، النظرة الاسرائيلية الى التفاهم بالقول أن "الاتفاق المطروح سيشكل خطرا حقيقيا على المنطقة والعالم اجمع وسيهدد امن اسرائيل بل وجودها". أما ما استند اليه والابعاد التي ينطوي عليها يمكن ايرادها فهي كما يلي:
في مقابل المطالبة الاسرائيلية الدائمة بسلب ايران كافة مقومات القدرة على التخصيب على أراضيها، لن يؤدي الاتفاق، كما ورد في بيان المجلس الوزاري المصغر، "الى اغلاق أي من المنشآت النووية الايرانية ولن يدمر ولو جهاز طرد مركزي واحد كما أنه لن يوقف المساعي الايرانية لتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة". وسيبقي الاتفاق أيضا "بيد إيران البنية التحتية النووية".
كما ترى "إسرائيل"، كما ورد في البيان، أنه في مقابل مطلب تجريد إيران سيؤدي الاتفاق المطروح الى ازالة القيود عن المشروع النووي الايراني في غضون بضع سنوات مما سيتيح لإيران إنتاج عدد كبير من القنابل الذرية خلال فترة لا تتجاوز عدة أشهر".
وعلى الرغم من أن "اسرائيل" تدرك بأن الجمهورية الاسلامية لا تريد صناعة اسلحة نووية، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن امتلاك القدرة على ذلك، حتى لو لم تنتج أسلحة نووية، يمنحها قدرة الردع النووي في مقابل دولة تملك اسلحة نووية. هذا مع الاشارة الى أن اسرائيل تستخدم هذا الاتهام لتحريض الرأي العام الدولي ضد ايران.
أما على المستوى الاقتصادي، طالبت "اسرائيل" وعلى لسان نتنياهو، تحديدا خلال كلمته امام الكونغرس، بربط قرار رفع العقوبات بتغيير سياسة إيران الإقليمية وتحديدا لجهة دعم حركات المقاومة. أما في الاتفاق المعلن، فهو مطروح في مقابل ترتيبات تتصل بالبرنامج النووي الايراني، ولا يتصل إطلاقا بأي قضايا خارجية كما حدد ذلك مسبقا، آية الله العظمى سماحة الامام السيد علي الخامنئي.
ومما تتخوف منه "اسرائيل" أن يؤدي ذلك أيضا، كما ورد في البيان، الى "تعزيز متانة الاقتصاد الايراني" الامر الذي سيعزز محور المقاومة ويمنح الجمهورية الاسلامية هامشا أوسع في سياساتها الاقليمية. وبتعبير بيان المجلس الوزاري المصغر "سيسمح ذلك لها بتصعيد عدوانها وارهابها في مناطق الشرق الاوسط بل في العالم كله".
ولفت البيان الى ان الاتفاق مطروح في الوقت الذي تبسط إيران نفوذها على مناطق شاسعة من الشرق الاوسط واطلاقها التهديدات بتدمير دولة "اسرائيل".
وهكذا يتضح من خلال هذا البيان الاقرب الى كونه تحليلا لمفاعيل الاتفاق المطروح، وشرحا لمنطلقات الموقف الاسرائيلي، أن المشهد الذي أرعب "اسرائيل" هو أن ايران انتقلت من دولة حافة نووية، متهمة بـ"التمرد على الشرعية الدولية" وعلى هذه الخلفية فرضت عليها عقوبات أضرت اقتصادها الى دولة نووية، تحظى بشرعية دولية، وبدون عقوبات.
واذا ما استعرنا جوهر كلام نتنياهو في كلمته أمام الكونغرس، اذا ما كانت ايران وحلفاؤها حققوا كل هذه الانجازات الامنية والاستراتيجية والسياسية في المنطقة، (وبتعبير نتنياهو سيطرة على أربع عواصم عربية) في ظل عقوبات دولية على الجمهورية الاسلامية، فكيف سيكون الامر في اليوم الذي يلي رفع هذه العقوبات؟
لكن كلمة السر في كل البيان الذي تلاه نتنياهو تكمن في جملته الختامية. عندما قال "إن اسرائيل تطالب بأن يشمل أي اتفاق نهائي مع ايران اعترافا ايرانيا واضحا بحق اسرائيل في الوجود". ويمكن القول أن تلبية هذا المطلب يلغي، من منظور اسرائيلي، كافة المفاعيل السلبية للتطور الايراني النووي والعلمي والاقتصادي، ويشكل ضمانة لمستقبلها. ويلغي ايضا معارضتها ومعارضة كافة حلفاؤها الذين يتبنون رؤيتها في الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع ايران. بل يصح القول أنها توافق على صيغ أكثر تشددا من الاتفاق الذي تم التوصل اليه.
وهكذا يكشف مطلب المجلس الوزاري المصغر، مرة أخرى، أن مشكلة "اسرائيل" مع ايران لا تكمن بالدرجة الاولى في قدراتها النووية او العلمية او أي عنوان آخر.. وانما تعود الى موقفها من القضية الفلسطينية ومن دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
12/5/150455
https://telegram.me/buratha