حسام مطر
على مشارف نهاية الشهر الأول للعدوان السعودي على اليمن بدأت تبرد الرؤوس السعودية الحامية، حيث انتقل الحديث من القضاء على الحوثيين الى القول بأن العدوان يهدف الى تعديل موازين القوى الداخلية في اليمن بما يسمح لوكلاء السعودية اليمنيين بالجلوس على طاولة التفاوض بوضعية مريحة. بناءً على هذا المعطى، وفي ظل بقاء الموازين الداخلية بوضوح لصالح أنصار الله وحلفائهم، بالإضافة الى كون المساعي الدبلوماسية في بداية تشكلّها، فإنه يمكن القول أن التوصل الى وقف العدوان لا يبدو متاحاً في اللحظة الحالية.كان صدور القرار الدولي 2216 حول اليمن محاولة من القوى الدولية لمنح السعودية "صورة انتصار" وأيضاً نزول لميدان التنافس لرسم إطار للحل السياسي. كل الطروحات المتداولة للحل تدور حول إطلاق عملية الحوار الداخلي اليمني، إلا أن العائق لا يزال في تقدير السعودية أنها لم تحقق "صورة النصر" ولا التوازن الميداني المطلوب.
في المقابل يبدو موقف أنصار الله وحلفائهم الإقليميين متروياً لأسباب عدة، أولها ترك السعوديين ينزلقون الى عنق الزجاجة بفشل الحملة الجوية، ثانياً لأن ميزان القوى الداخلي لا زال في صالحهم، ثالثاً لحرمان السعودية من حجج الظهور بمشهد "المظلومية"، رابعاً لأن الضربات السعودية جرى احتواؤها، خامساً لأن العدوان السعودي يشكل فرصة لإذلال آل سعود على مستوى الوعي بأقل تقدير، وسادساً لأن تصعيد الحرب في اليمن قد يفجر المشهد الإقليمي، وهو احتمال يجب أن يبقى "آخر الدواء".
بخصوص إذلال آل سعود، فإن أهميته تنبع مما تقوله حنا آرنت في كتابها "حول العنف". تذهب آرنت الى أن الحفاظ على حالة "التسلط" يتطلب بقاء مستوى من الاحترام للجهة المتسلطة، ولذا فإن العدو الأكبر للتسلط هو الاحتقار وأما الخطر الأكبر الذي ينسف التسلط فهو الضحك الساخر.
كرس آل سعود جزءاً أساسياً من مواردهم لفبركة "قداسة" تحصنهم من المس اللفظي والخطابي، وذلك بوسائل عدة منها شراء الذمم لإصباغهم بألقاب مقدسة في الوجدان المسلم (خادم الحرمين الشريفين) وإما بالتهويل المذهبي. في الواقع، أنه منذ عبد الناصر، نادراً ما خاض أحد، حتى من خصوم آل سعود، في مساجلتهم مباشرة بطريقة صريحة واضحة جريئة ومن دون مواربة.
إن هذا الكشف العلني والصريح لأدوار وسياسات أسرة آل سعود يشكل هتكاً لهذه "القدسية المفبركة"، ويضعهم من الآن وصاعداً أمام تحدٍّ للسجال العام والانكفاء للدفاع وإفقادهم أحد أركان تسلطهم على عوام المسلمين. بالطبع ليس المراد هنا شتم آل سعود بل عرض فظائعهم، نواقصهم، شوائبهم، مثالبهم، وأدوارهم الكارثية وحقيقة علاقتهم المباشرة والجوهرية بعوامل التخلف والبؤس في منطقتنا. إلا أن درجة السوء التي بلغها آل سعود - منها قول أحد الباحثين الأميركيين أنهم يستحقون المرتبة الأولى في العالم بخصوص دعم الإرهاب - يجعل من مجرد عرض إفعالهم يبدو كأنه من أفعال الشتم.
أما بخصوص "تفجير المشهد الإقليمي"، يجب الإشارة الى سعي بعض من في السعودية الى إستدراج إيران نحو توتير المشهد في اليمن من باب الضغط على منطق أوباما بخصوص التسوية النووية مع إيران.
يذهب أوباما في أحدى محاججاته للتسوية مع إيران الى أن من شأن تلك التسوية أن تجعل من إيران شريكاً في تثبيت الاستقرار الإقليمي، في حين يذهب معارضوه الى العكس أي أن إيران ستزداد عدوانية حينما تتاح لها موارد هائلة بفعل رفع العقوبات (كيسنجر يميل لهذه الفرضية). ولذا إن توريط إيران في اليمن من شأنه زعزعة "فلسفة" أوباما التفاوضية مع إيران.
في الختام، من المفيد رسم المعادلة التالية، ما سيتغير في اليمن بعد العدوان هو أن السعودية ستتحول من لاعب شبه وحيد في اليمن الى لاعب بين عدة لاعبين، أي ستنتقل من قوة الهيمنة في اليمن الى فقط قوة ذات تأثير في اليمن.
الصمود اليمني هو لاستعادة جزء كبير من الاستقلال والسيادة الوطنية، وهذا هو معيار الربح والخسارة. صمود اليمنيين اليوم يكرس عودة قرار اليمن الى صنعاء، إلا أنه وكما في كل محاولة استقلالية لا يرى فيها آل سعود إلا "هيمنة إيرانية"، وذلك ربما لقناعة آل سعود أن إيران هي الأقدر على التعامل والشراكة مع القوى المستقلة، فيما أتقنوا هم "صناعة الإرتزاق".
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha