إن أي كلام يخالف ذلك حول عملية تفجير مسجد الإمام الحسين (ع) في ٢٩ أيار في الدمام، وقبلها تفجير مسجد الإمام علي (ع) في القطيف في الـ ٢٢ منه، هو كلام بلا جدوى، لا بلحاظ الدين ولا بلحاظ الإنسانية أو النخوة والحمية. ومع احترامي لكل ما قيل وكتب حول الخطاب الديني التكفيري ودوره في الجريمتين، وهو دور أقر به ولا أنكره، وحول تقصير الدولة السعودية في تأمين المساجد الشيعية في المنطقة الشرقية، وهو تقصير موجود قطعا، مع احترامي لكل هذا الكلام الذي لا أعارضه، إلا أن لدي تحفظا واحدا حيال "التوقيت والظرف السياسي" الذي وقعت فيه الجريمتان. نعم لقد وقعت جرائم طائفية كثيرة من قبل ضد الشيعة، لم تكن أولها جريمة الإحساء في العام ٢٠١٤، والتي جرى خلالها إطلاق نار عشوائي على مواكب عاشورائية في ذكرى كربلاء، وهي عملية سارعت آنذاك "داعش" لتبنيها كما جرى في الجريمتين الأخيرتين. وكنت مستعدا لتقبّل تعليلات الفكر التكفيري والتقصير الحكومي، حتى وقعت جريمة القطيف، حينها وجدت أقلاما سعودية قريبة من دوائر السلطة، تكتب لتختلق الأعذار للإرهابيين، ولتلقي باللوم على إيران لما تقوم به في اليمن، وعلى حزب الله لدوره في سوريا، وتزعم بأنهما شحنا المسلمين السنة ضد الشيعة بما يفعلونه. هكذا إذاً صار التكفيري الإرهابي "مسلما" و"سنيا". وبعد جريمة الدمام الأخيرة وجدت أن من اعترض الإرهابي ومنعه من دخول المسجد كانا اثنين من المواطنين لا من رجال الأمن وهكذا لم تفكّر السلطات السعودية في تأمين المساجد الشيعية بعد جريمة القطيف ولو خلال صلاة الجمعة بأقل تقدير، وبعد ذلك كلّه ألا يجوز لنا في ظل هذه الوقائع الدامغة أن نضع احتمال تورّط السلطات السعودية بتدبير العملية الإرهابية، بجوار احتمال تقصيرها في تأمين الحماية أو حتى تهاونها في ذلك.
والقول بتورط السلطات السعودية بتدبير العملية الإرهابية، ليس معناه بالضرورة اتفاقها مع الإرهابيين، فهناك تدبير بالتقصير العمد وهناك تعاون بالتهاون مع سبق الإصرار والتصميم. وفي المجمل فإن توقيت الهجوم والظروف السياسية التي رافقته تؤكد هذه الفرضية لأسباب عديدة:
- حرب اليمن التي دخلتها السعودية بتحالف ولم تعد تدرك آلية الخروج منها بشكل مشرّف.
- قمّة كامب ديفيد التي خرج منها الخليجيون بدون تطمينات حقيقية من الولايات المتحدة لدعمهم ضد إيران بعد توقيع الاتفاق النووي المتوقع أواخر شهر حزيران.
- وول "محمد بن نايف" إلى قمة السلطة الفعلية في المملكة، وهو المعروف بنهجه القاضي بإستخدام "الجماعات الدينية السنية المعتدلة" (وفق زعمه) في مواجهة إيران، وهو نمط استلهمه من الإدارة الأمريكية.
ولأن السلطات السعودية المسكونة بهاجس "الإيرانوفوبيا"، لديها اعتقاد دائم أن مواطنيها من شيعة المنطقة الشرقية ولاؤهم الأول هو لإيران، لم تتعامل معهم أبدا كمواطنين كاملي المواطنة، وكانت دائما ما تزيد من التضييق على مواطنيها من شيعة الخبر والدمام والإحساء كلما توترت علاقتها بإيران، وفي هذا الوضع ألا يحتمل أن يكون التقصير والتهاون الذي أدى للهجمات الدموية الأخيرة رسالة موجهة لإيران، بالضغط على من تظنهم السعودية خاصرتها الرخوة في المنطقة الشرقية لتحسين شروط التفاوض في ملف اليمن وقضايا أخرى؟
قد يقول قائل أنه ما من دولة ترعى الإرهاب على أراضيها، فأجيبه حينها: "متقولش دولة"، ولو قتل كل أبناء المنطقة الشرقية عن بكرة أبيهم لن يغير هذا شيئا في اليمن! ولن يوفر للسعودية مخرجا لائقاً من الورطة التي أوقعت نفسها بها.
إن الرعاية السعودية للإرهاب التكفيري هي حقيقة واقعة لاسيما في العراق وسوريا، وتسميتها هجوم الـ"دواعش" على الموصل بـ"ثورة العشائر السنية"، ومسلّحي "جبهة النصرة" في سوريا بـ"الثوار" و"الأحرار"، جعل منها كمن تألف ذئباً لحراسته حتى أكله الذئب يوماً جزاء وفاقاً.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha