شارل أبي نادر - عميد متقاعد
ربما تستطيع أن تحدد ماذا يعني الكذب والعهر الذي تمارسه دولة ما، وذلك بعد أن تسمع أن السعودية أدانت بأشد العبارات الجريمة الإرهابية البشعة التي نفذها مستوطنون صهاينة، وأدت إلى حرق رضيع فلسطيني بمنزله في قرية دوما بمدينة نابلس الفلسطينية ، وعندما يعبر وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير عن استنكار المملكة الشديد لهذا العمل الهمجي والوحشي الذي تم دون وازع من أخلاق أو ضمير أو إنسانية محملا سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية.
ويطالب المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته واتخاذ التدابير الضرورية اللازمة لحماية الفلسطينيين من الممارسات العدوانية، لتعود بالذاكرة لأسابيع خلت عندما يتهم عاصم البلوندي عضو مكتب الامين العام للامم المتحدة السعودية بارتكاب انتهاكات جسميه بحق الاطفال اليمنيين، مشيرا الى ان العدوان السعودي ارتكب مجازر بحق الاطفال اليمنيين منذ بدء العدوان وان هذه المجازر لا توصف ولتنقل وسائل الاعلام لاحقا ومنذ ايام معدودة أنه في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، حمّلت الأمم المتحدة المملكة العربية السعودية مسؤولية فشل الهدنة الإنسانية التي دعت إليها سابقاً.
وحدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفين أوبراين، أن هذه الهدنة «خُرقت من الجو» ، في اشارة واضحة الى مسؤولية طيران العدوان في ذلك، وكانت قد اعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الانسانية الدولية ان المجزرة التي ارتكبها الطيران السعودي في مدينة المخاء التابعة لمحافظة تعز اليمنية هي جريمة حرب بامتياز كونها نفذتها باسلحة وصواريخ محرمة دوليا وطالت اهدافا حيوية مدنية عبارة عن معامل لتوليد الطاقة الكهربائية مع اماكن سكن أطفال ونساء عمال هذه المعامل.
المجازر السعودية في اليمن
واستنادا الى الوقائع، فان هذه المنظمة التي لم تجد ايّ دليل تستند اليه كي تعتبر ان الهدف كان نقطة انطلاق لاي نشاط عسكري او ما شابه ، وحيث اختلطت الاهداف المدنية مع الاهداف العسكرية بالنسبة لطيران المملكة ولم يعد يهتم او ينظر او يتأكد اين يقصف وماذا يدمر وبماذا يحرق، تستطيع ان تستنتج ان التدخل السعودي في اليمن اصبح دمويا لدرجة لم تعد تنفع معه الادانات الدولية اوالنداءات الانسانية وأن هذه الحرب التي تشنها على اليمن فاقت بوحشيتها وبفظائعها حروب العدو الاسرائيلي عبر التاريخ.
هذه المجزرة والكثير من المجازر المماثلة لها والتي سبقت أو ترافقت أو لحقت بالتطورات الاخيرة، جاءت مستقلة عن التغييرات الميدانية في عدن حيث تداخلت في هذه المدينة البحرية الجنوبية ومحيطها أماكن سيطرة الوحدات التي تتواجه فيما بينها، فوحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله تنتشر في الضاحية الشمالية الشرقية للمدينة في مواقع دار سعد ومصعبين والممدارة وشمال ملعب 22 أيار/مايو من جهة، وذلك مقابل وحدات المرتزقة السعودية والاماراتية وعناصر القاعدة وحركة النهضة السلفية وحزب الاصلاح وقوات هادي الفار التي تنتشر جنوب العريش وفي خورمكسر ومطار عدن و كريتر من جهة اخرى.
وفي غرب عدن تنتشر وحدات "الرياض" هذه المذكورة اعلاه في أغلب مديرية التواهي بمواجهة الوحدات اليمنية في مواقع المعلا والقلوعة، وهذه المواقع المتداخلة تشهد معارك كرّ وفرّ متواصلة وبدأت تتحدد بينها على الارض معالم خطوط تماس شبه ثابتة، وما ساعد على ذلك هو ان فريق "الرياض" يستفيد من دعم لا محدود بحرا وجوا وذلك بعد سيطرته على المطار وعلى اغلب الواجهات البحرية داخل وخارج خليج عدن وتؤمن له البوارج والطائرات السعودية والاماراتية جميع اشكال الدعم الجوي والبحري القتالي واللوجستي ، اما بالمقابل فان المراكز التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية وانصار الله تعتبرمراكز استراتيجية مهمة تؤمن التواصل الكامل مع الوحدات الصديقة في أبين وفي لحج ولديها امتداد واسع يؤمن لها المناورة المفتوحة والحماية المعقولة ضد الطيران السعودي.
هذا التداخل في اماكن السيطرة والذي اصبح يأخذ طابع الجبهات المتقابلة ويمكن أن يؤسس لمواجهات طويلة الامد وذلك نظرا للظروف المساعدة لكل جهة والتي ذكرناها اعلاه، سوف يشكل عاملا ضاغطا في اتجاه الذهاب الى تسوية سياسية لا مفر منها والتي كان الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله يناشدون دومًا الفرقاء الداخليين والاقليميين والدوليين السير بها كونها الحل الصحيح والوحيد لوقف الحرب والتقاتل وهذا ما ظهر في تجاوبهم الواضح في التحضيرات لمفاوضات جنيف وفي المفاوضات التي أسست لها في مسقط عاصمة سلطنة عمان، على عكس الفريق الآخر، فريق "الرياض" كواجهة والسعودية كمحرض وكصاحب القرار الفعلي، فهؤلاء كانوا يقفلون دائما ابواب الحوار والتسويات ولم يركّزوا الّا على الخيارات العسكرية من خلال عاصفة الحزم اولا" وما تلاها من عواصف تدميرية اخرى أمعنت قتلا" في البشر وخرابا" في الحجر، كل ذلك بهدف تحقيق تقدم ميداني يستندون اليه في اية مفاوضات لاحقة والذي لم يحصل بل بالعكس، فقد زادت اماكن سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله وهذا ما زاد من جنون المملكة وبسببه أقفلت كل ابواب الحوار والتسويات الى ان أوصلت الامور وبفضل تعنّتها الى ما هي عليه من دمار وخراب وقتل ومآسي انسانية ومدنية واجتماعية في اليمن ووضعت نفسها في المأزق التالي:
- ادانة علنية لها من الامم المتحدة وأغلب المؤسسات الانسانية الدولية بسبب جرائمها الفظيعة وما سببته من خراب ودمار.
- عدم قدرتها على الخروج من المستنقع اليمني الذي أدخلت نفسها فيه بسبب اطماعها وتسلطها وعنجهيتها وغطرستها.
- هروبها الدائم الى الامام والابتعاد عن الاعتراف بالهزيمة والفشل خوفا من تداعيات داخلية قد تطيح ببنية نظامها برمته.
- التزاماتها المادية الهائلة بسبب هذه الحرب وبسبب تغطيتها لكامل الاعمال العسكرية وحيث ان العمليات الجوية تكون عادة من الاغلى كلفة من بين هذه الاعمال.
- انخراطها الواضح والمكشوف مع تنظيم "القاعدة" الارهابي والذي تعوّل عليه اكثر من غيره لمساعدتها على تحقيق تقدم ميداني معين على الارض وتفضيلها لهذا التنظيم الارهابي على غيره من المجموعات الاخرى العميلة لها وهذا ما ظهر واضحا بقصفها المباشر والواضح لثكنة تابعة لمجموعات الفار هادي في عبر على طريق العتق حضرموت ولثكنة اخرى للمجموعات نفسها في لحج وذلك على خلفية صراعات وتقاسم نفوذ بين هذه الوحدات وبين عناصر القاعدة الناشطين جدا في مواجهة الجيش اليمني وانصار الله .
في النهاية، يجب ان يقرأ العالم كلّه (ومعه المملكة جيدا في عيون اطفال اليمن المظلومين ليستنتجوا أنه لا عودة بتاتا الى الوراء حتى لو زرعوا أرض اليمن بالمجازر الفظيعة وحتى لو استعاد فريق "الرياض" السيطرة على اكثر من مدينة وعلى اكثر من ناحية وعلى اكثر من محافظة، فهذا كله لن يغير من قناعة وتمسك اغلب المكونات اليمنية بحقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية كاملة وهذا الشعب لن يرضى بعد اليوم اي تسلّط او اي استعلاء خارجي، وهو يحترم شهداءه وتضحيات جيشه ولجانه الشعبية ولن يفرط بها بل على العكس ، فان انتفاضته ضد الهيمنة التاريخية للسعودية سوف تقوى ومقاومته ضد تدخل آل سعود سوف تتمدد وسيقف صلبا في دفاعه عن ثرواته وطاقاته المهدورة وسيكون اليمن حتما بعد هذه الحرب ليس كما قبلها .
https://telegram.me/buratha