التقارير

تحليل/ العراق .. بين المطالب المشروعة والاجندات الملغومة /عادل الجبوري

2517 08:20:32 2015-08-28

اصلاحات العراق .. الى اين ؟ تحليلات ومواقف   بغداد ـ عادل الجبوري 

   تذهب مجمل المؤشرات الى ان التظاهرات الجماهيرية التي اجتاحت مدنًا عراقية عدة منذ قرابة اربعة اسابيع، لن تتوقف خلال وقت قريب، وان حركة الاصلاحات التي بدأها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، هي الاخرى لن تتوقف، ولن تنتهي، خلال وقت قريب، وقد لا تتبلور وتنعكس نتائجها ومعطياتها بيسر وسهولة.

أسباب متعددة تُبقي ملفي التظاهرات والإصلاحات مفتوحين لوقت طويل، من هذه الاسباب:

-ان المطالب تعددت وتنوعت عناوينها وموضوعاتها، من سياسية الى امنية الى اقتصادية الى ادارية، فبعد ان مثَّل مطلب تحسين الطاقة الكهربائية واقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، شرارة التظاهرات في مختلف مدن البلاد، اخذنا نشهد مطالب تتعلق بمحاربة الفساد والمفسدين، والغاء الدستور وحل مجلس النواب، وإلغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات الباهظة لكبار المسؤولين في الدولة، ناهيك عن الشعارات ضد الدين والاحزاب الدينية، وعدد غير قليل من الشخصيات الحكومية والسياسية والدينية.

   بعبارة اخرى، يمكن القول ان صورة بانورامية تشكلت من المطالب والشعارات المرفوعة في التظاهرات، يصعب التعامل معها بصيغة واحدة او منهج بعينه.

 -بعض المطالب ممكنة التحقُّق خلال فترة زمنية قصيرة، مثل الترشيق الحكومي، وإلغاء او تخفيض الرواتب والمخصصات والامتيازات، وبعضها الآخر يتطلب مزيدا من الوقت، لا سيما تلك التي تتمحور حول الجوانب الخدماتية مثل الكهرباء والاسكان وتوفير فرص العمل، وما الى ذلك. فضلا عن أن هناك مطالب غير ممكنة التطبيق، اما لكون أدواتها ووسائلها غير متوافرة او لانها تتقاطع مع المصالح العامة والبناءات السليمة، مثل الغاء الدستور وحل البرلمان.

-وفي اطار حركة الاصلاحات، فإن بعض الخطوات تحتم على رئيس الوزراء أن يتعاطى معها بروية وحكمة ولا يتجاهل أو يهمل ردود الافعال اللاحق التي يمكن ان تنتج عنها، من قبيل دمج بعض الوزارات والمؤسسات، والغاء البعض الاخر، او الاعلان عن اسماء متورطة بالفساد قبل اكتمال الادلة والارقام والوثائق، او التوجه لإنهاء المحاصصة التي اضحت الاطار العام للعملية السياسية بطريقة سريعة جدا، يمكن ان تفضي الى خلط الاوراق وارباك الامور اكثر مما هي مرتبكة، ثم فسح المجال لاجندات خطيرة من قبيل الانقلاب العسكري.

-تترافق التظاهرات والخطوات الاصلاحية مع حرب شرسة ما زالت قائمة ضد تنظيم "داعش" في محاور وجبهات متعددة، وبما ان ذلك التنظيم الارهابي يشكل خطرا كبيرا على العراق، لذا فإنه من الطبيعي ان تحظى تلك الحرب بأولوية لدى الحكومة، من حيث تأمين ظروفها وادواتها والامكانيات والموارد العسكرية والبشرية والمادية المطلوبة لديمومتها ومن ثم حسمها لصالح العراق والعراقيين في اقرب وقت.

   هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك سجال وجدل واسعان تحفل بهما الكثير من الاوساط السياسية والفكرية والثقافية العراقية، حول نقاط القوة التي تتوافر عليها الحركة الاصلاحية، وكذلك نقاط الضعف.

   ومن نقاط القوة التي يطرحها البعض، التأييد والدعم الواضح والمستمر من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف لحركة الاصلاحات، بصورة ربما لم تكن مسبوقة بهذا المستوى والوضوح والتأكيد.

   ونقطة القوة الاخرى، الحراك الجماهيري الواسع بتلاوينه المتنوعة ومطاليبه المتعددة وسلميته وتنظيمه، مع عدم اغفال حصول تجاوزات، من قبل متظاهرين عن قصد او عن غير قصد، ومرة من قبل عناصر امنية، بسبب تعليمات خاطئة، او تقديرات غير سليمة للموقف، او ضغوطات نفسية.

   النقطة الاخرى، تتمثل بأن مجمل الظروف متاحة لانطلاق حركة اصلاحات حقيقية وشاملة، بل بتعبير ادق تحتم الظروف انطلاق مثل تلك الحركة، فالترهل الكبير في الجسد الحكومي –المؤسساتي، وما يسببه من استنزاف هائل لموارد البلاد، واستشراء الفساد الاداري والمالي بمستويات خطيرة ومقلقة، وتدني-ان لم نقل انعدام-الخدمات لصالح اغلب الفئات والشرائح الاجتماعية، ونشوء طبقة صغيرة مترفة ومرفهه ومتخمة، وطبقة اخرى كبيرة غارقة في المشاكل والازمات والهموم الحياتية والامنية، دون ان تحظى بالقدر الطبيعي من الاهتمام. كل ذلك يمكن ان يشكل دافعا للتظاهر من قبل الناس، وحافزا لرئيس الوزراء لاتخاذ خطوات شجاعة وجريئة مثلما دعت المرجعية الدينية لذلك، وملزما لمختلف القوى والشخصيات والفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية للتفاعل والتجاوب مع حركة الاصلاحات، حتى وان لم تكن مقتنعة، وحتى وان كانت الاصلاحات متقاطعة مع مصالحها وحساباتها الخاصة، مثلما هو الحال مع اعفاء وزراء بعد إلغاء وزاراتهم او دمجها مع وزارات اخرى، او تخفيض رواتبهم ومخصصاتهم، وتقليص عدد افراد حماياتهم.

   في مقابل ذلك فإن هناك نقاط ضعف، أو مخاوف وهواجس يثيرها البعض بشأن حركة الاصلاحات، تتمثل في جانب منها، بالحجم والكم الهائل من المشاكل والازمات والسلبيات والاخطاء، التي انتجتها منظومات فاسدة تغلغت في مختلف مفاصل الدولة الحساسة والمهمة، كوزارات الدفاع والداخلية والمالية والنفط والكهرباء وغيرها، وربما يصعب على اقوى واوسع حركة اصلاحية اجتثاثها والقضاء عليها بيسر وسهولة.

   في الوقت ذاته، هناك خشية من ان تتحول التظاهرات الى سلوك مزاجي انفعالي، بحيث ان اي جماعة لديها مشكلة مع جهة معينة، او لها مطلب معين، تقرر التظاهر بصرف النظر عن تداعيات واثار ذلك على الجو والمناخ العام.

  وتتمثل تلك المخاوف والهواجس في جانب آخر، بدخول اطراف خارجية-اقليمية ودولية-على الخط ومحاولاتها حرف التظاهرات والمطالب عن وجهتها الصائبة، باتجاه خلق حالة من الفوضى في الشارع العراقي، تمهد لاسقاط الحكومة والنظام السياسي القائم، ولعل بعض ما رافق التظاهرات والاعتصامات في مدن مثل البصرة والنجف وكربلاء من مظاهر سلبية وشعارات مسيئة للدين يؤشر بصورة او باخرى الى ذلك.

   وهذه القوى تسعى جاهدة لفرض اجنداتها ومشاريعها الخاصة، والتي تتمثل اساسا بتقويض وافشال الوجود الاسلامي، لا سيما في ادارة شؤون الدولة، ودفع اصحاب الاتجاه العلماني الى الواجهة، وبحسب تلك القوى او ما يفهم من توجهاتها، اذا اتت التظاهرات والاصلاحات بما تخطط له وتريده فبها، واذا لم يحصل ذلك، فالخيار يكون حينذاك بإثارة الفوضى والاضطراب وخلط الاوراق، وهذا ما تحسبت له وحذرت منه اطراف عديدة مبكرا، وحتى رئيس الوزراء اشار اليه صراحة او ضمنا في اكثر من مناسبة خلال الاسابيع القلائل الماضية، فضلا عن ذلك فإن تسريبات من هنا وهناك راحت تتحدث عن دور للسفارة الاميركية وسفارات اخرى في بغداد في توجيه وتمويل ودعم بعض الجماعات المتظاهرة، واكثر من ذلك فأن دورها يصل الى اختيار وصياغة الشعارات!.   

   قد تبدو نقاط قوة التظاهرات والاصلاحات، موازية لنقاط الضعف او المخاوف والهواجس، وهذا يعني ان المعادلة حرجة وحساسة للغاية، في ظل حقيقة ان التظاهرات عمت مختلف مدن الوسط والجنوب والفرات الاوسط، ومن ضمنها العاصمة بغداد بثقلها السكاني الكبير(اكثر من سبعة ملايين نسمة) ونسيجها الاجتماعي المتنوع.، وفي ظل حقيقة ظهور بوادر وملامح تشكل وتبلور اتجاه علماني يعلن صراحة عداءه واستهدافه للتيار الديني، لا بهويته السياسية فقط وانما بهويته الاجتماعية والثقافية ايضا.                     

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك