التقارير

ما سر احتضان ميركل للاجئين السوريين؟

2562 2015-09-07

شرّعت ألمانيا في الأيام الماضية أبوابها أمام اللاجئين السوريين وسط تحفظ أغلب شركائها الأوروبيين وتحذيرات بعضهم من تداعيات هذه الموجة الكبيرة والقياسية على مستقبل القارة.

هنغاريا: سماحنا للمهاجرين بعبور حدودنا للوصول إلى النمسا لن يستمر إلى الأبد (فيديو) بودابست.. معاناة لاجئين ينتظرون الفرج

جمّدت برلين عمليا تطبيق اتفاقية دبلن بقرار مكتب الهجرة واللاجئين وقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا "بصمتهم" فيها، بالتزامن مع تدفق الآلاف منهم مؤخرا إلى ألمانيا برا عبر اليونان ومقدونيا وصربيا وهنغاريا والنمسا.

وفيما تتخوف دول جوار ألمانيا، وخاصة هنغاريا، من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى أن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه "موجة جديدة من عصر الهجرات"، تستعد ألمانيا لاستقبال حوالي 800 ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري، ما يزيد عن العدد الذي استقبلته في العام الماضي بأربعة أضعاف.

وكانتالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أكدت أن بلادها يمكنها تدبر أمر اللاجئين في العام الحالي من دون زيادة للضرائب. وبالمقابل ذكرت صحيفة " فرانكفورت تسايتونغ " أن تكلفة استقبال ألمانيا لأعداد قياسية من اللاجئين فاقت 10 مليار يورو، أي 4 أضعاف ما تم إنفاقه على اللاجئين في العام الماضي وكان عددهم 203 آلاف.

 

شرطي يتنازل عن قبعته لطفل سوري وصل إلى ميونخReutersشرطي يتنازل عن قبعته لطفل سوري وصل إلى ميونخ

 

 تدور تخمينات مختلفة حول سبب كرم "الضيافة" الألمانية لللاجئين وبخاصة السوريين منهم. وإذا تجاوزنا دافع التعاطف الإنساني مع اللاجئين السوريين عقب وقائع الموت المأساوية التي تعرض لها باحثون عن بر للأمان هربا من الحرب، وخاصة مأساة غرق الطفل السوري إيلان كردي، إلا أن لدى ألمانيا، لا شك، دوافع أخرى لفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين.

يشير خبراء في هذا الصدد إلى سبب يرونه رئيسا في استجابة برلين للتعاطف الكبير لدى الألمان تجاه اللاجئين السوريين، يتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات.

ولألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورغ وهولندا. وقد انخفضت النسبة العام الحالي إلى 2.77 مليون، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية أن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1.5 مليون ونصف المليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة.

 

لاجئ سوري مع طفله الرضيع أثناء وصوله إلى اليونان في طريقه إلى ألمانياReutersلاجئ سوري مع طفله الرضيع أثناء وصوله إلى اليونان في طريقه إلى ألمانيا

 

تتقدم ألمانيا على اليابان في انخفاض معدل الولادات، وتقول التقارير أن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة في عام 2013، مرشح للتراجع إلى 67.6 مليونا في عام 2020. يحدث ذلك على الرغم من المدد المتزايد من اللاجئين.

وتنتشر في المجتمع الألماني ظاهرة إحجام الكثيرين عن الإنجاب، حيث تفيد التقارير بأن عدد الأطفال الجدد الذي يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنويا، وفي الوقت نفسه يحال على التقاعد 850 ألف شخص.

وينكر بعض الخبراء أن يكون دافع ألمانيا إلى فتح أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين هو لمواجهة شيخوختها، مشيرين إلى أنها لو أرادت ذلك لاكتفت بفتح باب الهجرة أمام حملة المؤهلات والكفاءات، لافتين إلى أن استقبال اللاجئين في هذا البلد يجري من دون تمييز.

ومع ذلك، تضمن القوانين الألمانية للاجئ البقاء ما بقي وضعه الإنساني قائما. ولاحقا يتمكن من البقاء في البلاد أولئك الذين يتمكنون من إعالة أنفسهم ويتم ترحيل الآخرين بعد زوال ظروفهم القاهرة وتحسن أوضاعهم الإنسانية.

 

طفلة سورية في هنغاريا ترفع لافتة بوجهتهاReutersطفلة سورية في هنغاريا ترفع لافتة بوجهتها

 

واللافت أن المانيا لا تستعمل صفة "لاجئ" في معاملاتها، بل يعد هذا النعت نوعا من التمييز وجريمة يعاقب عليها القانون، ولا يُنص عليها في الوثائق التي تمنح لهؤلاء، الذين يُشار إلى أنهم يتمتعون بصفة "الحماية الدولية"، ويُذكر في الوثائق أن سبب إقامتهم هو قرار المكتب الفدرالي بمنح الحماية الدولية بموجب المواد 25-26 من قانون إجراءات الإقامة. ويكتب على وثائق سفرهم أنها منحت بناء على أحكام اتفاقية جنيف لعام 1959 .

ويصعب تحديد سبب معين لفتح ألمانيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين، ويمكن القول إن ظروفا متنوعة اجتمعت لتدفع برلين في هذا الاتجاه. وبقدر ما، تعطي هذه الخطوة للاجئين حياة واعدة جديدة، تساعد في الوقت ذاته هذا البلد على مواجهة عدة مشكلات من بينها ظاهرة الفاشية الجديدة من خلال الاستفادة من موجة التعاطف الكبيرة التي عبّر عنها الرأي العام الألماني تجاه اللاجئين السوريين لمحاصرة مثل هذه الاتجاهات المتعصبة والسلبية، ناهيك طبعا عن معالجة الخلل الديموغرافي لتفادي تبعاته المستقبلية الخطيرة.

محمد الطاهر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك