لم تتوصل دول الاتحاد الأوروبي المجتمعة مساء الاثنين في بروكسل إلى اتفاق بالإجماع على توزيع ملزم لـ120 ألف لاجئ إضافي، كما طلبت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي بهدف مواجهة أسوأ أزمة مهاجرين تشهدها أوروبا منذ 1945.
وقال وزير خارجية لوكسمبورغ يان اسلبورن الذي ترأس مجلسًا طارئًا لوزراء داخلية الاتحاد: إن "غالبية كبيرة من الدول التزمت مبدأ إعادة توزيع (اللاجئين الـ120 ألفًا)، لكن الجميع لم يوافقوا على ذلك حتى الآن".
وصادق المجتمعون- كما كان متوقعًا- على قرار تقاسم استقبال نحو أربعين ألف لاجئ خلال عامين، انسجامًا مع الاتفاق الذي توصلوا إليه نهاية يوليو، رغم أنهم لم يحددوا حتى الآن وجهة نحو 32 ألف شخص داخل الاتحاد الأوروبي.
لكنهم فشلوا في التوافق على اقتراح جديد للمفوضية الأوروبية التي طلبت منهم الأسبوع الفائت "إعادة توزيع" 120 ألف لاجئ إضافيين موجودين حاليًا في إيطاليا واليونان والمجر مع حصص ملزمة.
وأوضح وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أن "عددًا معينًا من الدول لا تريد أن تكون جزءًا من عملية التضامن هذه"، مشيرًا "خصوصًا إلى مجموعة دول فيسغراد". وخاطب كازنوف هذه الدول المترددة أن "أوروبا ليست أوروبا بحسب الطلب".
في المقابل، أكدت الدول الأعضاء انها ستتقاسم استقبال نحو أربعين ألف لاجئ كما تقرر منذ نهاية يوليو.
وفي مستوى ما أحرز من تقدم في الاجتماع، وافقت إيطاليا واليونان على أن تقيما عند حدودهما الخارجية مراكز استقبال مكلفة بتسجيل المهاجرين لدى وصولهم إلى أوروبا، والتمييز بينهم كطالبي لجوء أو كمهاجرين غير شرعيين.
وأعربت منظمة العفو الدولية عن الأسف لـ "فشل ممثلي الاتحاد الأوروبي مجددًا في الاستجابة للأزمة"، معتبرةً أنه يتعين "إعادة النظر بشكل كامل في التعامل مع اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وليس إقامة حواجز جديدة أو الدخول في خصومات حول الحصص".
اجتماع مخيب للآمال
وجاء اجتماع بروكسل المخيب للآمال وسط عودة عمليات المراقبة على الحدود الألمانية والنمساوية؛ ما يشكل عمليًّا تعليقًا لحرية التنقل التي تضمنها اتفاقيات شنجن في أوروبا.
وبعدما أصبحت خلال بضعة أسابيع بمثابة الوجهة المفضلة بالنسبة للمهاجرين، الذين قد يبلغ عددهم مليون شخص هذه السنة بحسب نائب المستشارة سيغمار غابرييل، بررت ألمانيا قرارها بتعليق حرية التنقل في أوروبا عبر "عدم تحرك" الاتحاد الأوروبي، قائلة: إن الإجراءات الجديدة ستستمر لأسابيع.
وهذا التغيير المفاجئ في موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تواجه مشاكل لوجستية لم تتوقعها ونقمة داخل معسكرها السياسي، يأتي بعد أيام فقط على دعوتها شركاءها الأوروبيين لاستقبال اللاجئين بدون قيود على العدد.
ومنذ فجر أمس الاثنين في بلدة فرايلاسينغ في بافاريا على الحدود النمساوية، تشكل ازدحام خانق بسبب إعادة العمل الأحد بإجراءات المراقبة على الحدود. وتحاول برلين بذلك الحد من تدفق المهاجرين الكثيف إلى ألمانيا، الوجهة النهائية لكثير منهم على الأخص لسوريين فارين من الحرب.
بالتالي أوشكت ميونيخ (جنوب) على تجاوز قدراتها للاستيعاب مع وصول حوالي 63 ألف لاجئ في أسبوعين وفدوا من البلقان وأوروبا الوسطى. ودخل نحو ألف لاجئ قادمين من النمسا الاثنين بحسب الشرطة.
وسارعت دول في أوروبا الشرقية- سلوفاكيا والجمهورية التشيكية- والتي ترفض منذ أسابيع فكرة ألمانيا توزيع حصص لتقاسم عبء اللاجئين بين الدول الأعضاء الـ28، إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي فرضتها ألمانيا، وكذلك فعلت النمسا.
وأعلنت بولندا أنها مستعدة لإعادة المراقبة على الحدود في حال وجود تهديد أمني.
وقررت النمسا من جانب آخر نشر الجيش على الحدود مع المجر؛ حيث بلغ تدفق المهاجرين أرقامًا غير مسبوقة.
وعلى الحدود بين اليونان ومقدونيا، أشارت الشرطة إلى تراجع نسبي في عدد المهاجرين الواصلين؛ حيث بلغ عددهم خمسة آلاف الاثنين مقابل عشرة آلاف في الأيام السابقة.
وحذرت المفوضية العليا للاجئين من "فراغ قانوني" سيواجهه اللاجئون في أوروبا وأشارت إلى "الطابع العاجل لحل أوروبي شامل" للمسألة.
وأعلنت بريطانيا التي تملك مثل الدانمارك وأيرلندا خيار الانسحاب من سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي تعيين مساعد وزير لشئون اللاجئين. ووعدت باستقبال 20 ألف سوري على خمس سنوات.
ولا توجد مؤشرات على تراجع أزمة المهاجرين بسبب الحروب والبؤس في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه قرر استخدام القوة العسكرية ضد مهربي المهاجرين، بداية من أكتوبر في اطار عمليته البحرية في البحر المتوسط.
واعتبر رئيس الوزراء اليوناني السابق الكسيس تسيبراس "أن عمليات من طبيعة عسكرية ستضرب لاجئين أبرياء وليس مهربين، فالمراكب تصل (إلى أوروبا) بدون مهربين" على متنها.
وأشار وزير الداخلية الألماني توماس دو ميزيير إلى إمكان خفض المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى الدول التي ترفض فكرة تقاسم عبء اللاجئين بناء على نظام حصص، وذلك غداة فشل اجتماع أوروبي في هذا الشأن.
وصرح دو ميزيير لقناة "زد دي اف" الألمانية: "علينا درس أساليب للضغط". وبرر فكرته قائلًا: إن الدول التي ترفض نظام الحصص "هي دول تحصل على الكثير من المساعدات الهيكلية"، معتبرًا أنه سيكون من "العدل أن تحصل على مساعدات أقل".
وأضاف: إن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر "اقترح أن ندرس إمكان أن تحصل هذه الدول على مساعدات هيكلية أقل، وأنا أؤيد هذه الفكرة".
ومما يزيد من مخاوف أوروبا تسرب دواعش ضمن اللاجئين، فخلال زيارة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الخاطفة للبنان، قال وزير التربية والتعليم العالي اللبناني إلياس بو صعب الذي رافق كاميرون طوال ساعات الزيارة: إن اثنين من بين كل مائة لاجئ سوري ينتمون لتنظيم (داعش).
وحذر "بو صعب" الذي رافق رئيس الحكومة البريطانية خلال زيارته لمدارس في ساحل المتن الشمالي التي تستقبل نازحين من سوريا
والعراق- من أن هؤلاء (الجهاديين) الذين دخلوا تحت غطاء لاجئين "يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في الدول الأوروبية التي سيحلون بها".
وقال تقرير لصحيفة (ديلي ميل) اللندنية إنه إذا صحت مزاعم الوزير اللبناني فإن هذا يعني وجود ما يصل لـ 400 مقاتل من داعش في بريطانيا وفقًا لخطتها بقبول 20 ألف لاجئ بحلول العام 2020.