دخلت خطة المبعوث الأممي إلى سوريا نفقا مظلما مع إعلان ائتلاف المعارضة وفصائل عسكرية تابعة لها رفضها لمقترح تشكيل اللجان الأربع، وإصرار دمشق على تأطير عمل هذه اللجان زمنيا.
خطة دي ميستورا والعقدة السورية خطة أممية لحل الأزمة السوريةوأصدرت الهيئة السياسية التابعة لـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بالاشتراك مع كبرى الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة بيانا أكدوا من خلاله أن مقترح المبعوث الدولي الخاص بسورية "ستيفان دي ميستورا" بتشكيل مجموعات العمل يمثل تجاوزا لمعظم قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشأن السوري لا سيما القرارات 2118 و 2165 و 2139.
يشكل هذا الموقف تطورا مفاجئا حيث لم يكن متوقعا من الائتلاف أن يرفض المشاركة في مجموعات العمل الأربع التي اقترحها دي ميستورا على الرغم من تحفظاته العديدة عليها والتي بلغت نحو 40 تحفظا.
قد يكون موقف الائتلاف مجرد موقف تكتيكي غايته رفع سقف المستوى السياسي قبيل بدء المفاوضات التي تسعى الأطراف الدولية إلى عقدها بداية العام المقبل، لكن النقاشات التي جرت بين الائتلاف وفريق دي ميستورا من جهة والائتلاف والأطراف الدولية والإقليمية من جهة ثانية تؤكد أن موقفه من خطة العمل الدولية هو موقف نهائي غير قابل للتفاوض.
تكمن مشكلة الائتلاف في أنه غير قادر على تغيير خطة عمل المبعوث الدولي بعدما حظيت بإجماع أممي، في وقت لا يستطيع القبول بها لما تتضمنه من غموض مقصود بسبب غياب صيغة للحل السياسي في سوريا متفق عليها بين الفرقاء الدوليين لا سيما روسيا والولايات المتحدة.
Reutersالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما صحبة وزيري خارجية البلدين - نيويورك
ولذلك أكد على ضرورة أن تكون مجموعة العمل مبنية على مبادئ أساسية واضحة بما يخص معايير المشاركين فيها والتصور النهائي للحل، والاعتماد على مقررات الأمم المتحدة.
إنه يوجه رسالة ليس فقط لـ دي ميستورا فحسب، وإنما أيضا للأطراف الدولية المنضوية تحت ما سمي "أصدقاء سوريا" الذين بدأوا في الفترة الأخيرة تغيير مواقفهم السياسية من مصير الأسد وربما من طبيعة المرحلة الانتقالية.
وقد حرص الائتلاف أن يكون قراره مدعوما بعدد كبير من الفصائل العسكرية الفاعلة، وهو التوافق الأول من نوعه الذي يجري بين المستويين السياسي والعسكري للمعارضة، الأمر الذي قد يدفع قوى إقليمية كتركيا والسعودية إلى تغليف موقف الائتلاف بغلاف إقليمي، وبالتالي ممارسة الضغط على الدول الغربية الحليفة لإجراء تغيير في ملفات المبعوث الدولي.
لكن السؤال المهم، هو هل تستطيع هذه الدول الخروج عن الإجماع الأممي فيما يتعلق بخطة دي ميستورا؟
الحكومة السورية
موقف الائتلاف الرافض لخطة عمل دي ميستورا لا يختلف عن موقف الحكومة السورية وإن أعلنت قبولها المشاركة في الخطة ولجانها الأربع، حيث حدد وزير الخارجة السوري وليد المعلم مسبقا سقف عمل اللجان الأربع والسقف السياسي لعملية التسوية برمتها.
وكما فعلت مع المبادرة العربية عام 2011 وافقت دمشق على خطة المبعوث الدولي، دون أن يعني ذلك قبولها في مضمونها ونتائجها، إذ اعتبر المعلم عمل اللجان الأربع بمثابة محادثات تمهيدية للتحضير لمؤتمر السلام وبالتالي غير ملزمة للحكومة السورية.
لكن أهم ما أعلنه وزير الخارجية السوري من على منبر الجمعية العامة، قوله "لا يظنن أحد أيا كان أنه وبعد كل هذه التضحيات والصمود لأربع سنوات ونيف يستطيع أن يأخذ بالسياسة ما لم يستطع أن يأخذه بالميدان وأنه سيحقق على طاولة المفاوضات ما فشل في تحقيقه على الأرض".
Reuters Bassam Khabiehدمشق - صورة من الأرشيف
ولعل إصرار المعلم على رفض دمشق القيام "بأي إجراء سياسي ديمقراطي يتعلق بانتخابات أو دستور أو ما شابه والإرهاب يضرب في أرجائها ويهدد المدنيين الآمنين فيها"، يؤكد أن صناع القرار في دمشق ما زالوا متمسكين بحل الأزمة السورية وفق المفردات العسكرية وليس السياسية.
وواضح من هذا الموقف كما موقف الائتلاف أن الجانبين غير ناضجين بعد لتقديم تنازلات من شأنها أن تساعد في حل الأزمة السورية، ويبدو من ذلك أن حظوظ "جنيف 3" لن تكون أفضل من حظوظ "جنيف 2"، حيث ظل الائتلاف يتمسك بمواقف سياسية خارج معادلات موازين القوى، وظلت دمشق متمسكة بمواقفها انطلاقا من منطق الغلبة.
وبحسب المعطيات الجديدة في سوريا وتصريحات المسؤولين في دمشق، تسعى الحكومة السورية إلى المشاركة في "جنيف 3" وفق تفسير جديد لبيان مجموعة العمل الدولية (جنيف 1)، والعمل على تشكيل حكومة وحدة وليس هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وترك مسألة مصير الأسد للسوريين أنفسهم، وعدم المساس بالمؤسستين العسكرية والأمنية نهائيا، لكن فرض هذا الحل يبدو صعبا جدا، فشروط حل الأزمة السورية لم تنضج بعد للوصول إلى حل سياسي وسط يرضي الفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين.
https://telegram.me/buratha