في مطلع عام 2005، أدلت كونداليزا رايس بحديث أعلنت فيه آنذاك عن نية واشنطن نشر الديمقراطية في العالم العربي والشروع بتشكيل “الشرق الأوسط الكبير”، وذلك عبر نشر “الفوضى الخلاقة”.
هروب جماعي لمسلحي “داعش” من سوريا إلى الأردن.. والجيش السوري يحضر لمعركة حمص
عقيد أمريكي: خرافة أمريكا في الشرق الأوسط انكشفت وعليها “أن تخرس”
غير أن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس غيرت هذا المصطلح إلى “الشرق الأوسط الجديد” أثناء مؤتمرها الصحفي في تل أبيب، في يونيو/ حزيران 2006، حين أعلنت عن رفضها التدخل لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان آنذاك، واصفة إياها بأنها “آلام المخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد”، وقالت “يجب أن نكون على يقين من أننا ندفع نحو شرق أوسط جديد ولن نعود إلى القديم.”
ولم يأت هذا المصطلح من فراغ، فقد اعتمد على نظرية أطلقها عام 1989 أستاذ العلوم السياسية الأمريكي ذو الأصول اليابانية فرنسيس فوكوياما في مقالته “نهاية التاريخ” في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، حيث أكد “نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية إلى غير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط سور برلين، وانتصار قيم الديمقراطية الغربية”، وأن الليبرالية هي “نقطة النهاية للتطور الإيديولوجي البشري” وأنها “الشكل النهائي للحكومة البشرية”، التي ستملأ الأرض قسطا وعدلا.
وعلى الرغم من الشهرة، التي أكسبتها المقالة في أجواء أحادية القطب لمنظِّر جماعة “المحافظين الجدد”، الذين أداروا دفة الحكم الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش- الابن من وراء الكواليس ومن دون أن ينتخبهم أحد، فإن غثاثة وتهافت هذه النظرية الراديكالية الكاملين، التي كانت وراء انتشار سيناريوهات “الربيع العربي”، التي تحرص على تنفيذها إدارة الرئيس باراك أوباما، ظهرا واضحين للعِيان بعد مرور عقدين ونيِّف من الزمن على نشرها.
اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين في 13 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق وإعدامه في 30 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2006.
سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني من عام 2011 وهربه من البلاد.
تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير/ شباط من العام نفسه.
قتل الزعيم الليبي معمر القذافي بوحشية في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2011.
تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن الحكم في شهر فبراير/ شباط 2011.
وبدلا من جنة الديمقراطية الموعودة، تعيش البلدان العربية أزمات سياسية خانقة وحروبا مستعرة، جعلت شعوبها تأسف أحيانا على رحيل حكامها السابقين، وتنزح عن بلادها ماخرة عباب البحار ومتسلقة الجبال وقاطعة ألوف الكيلومترات إلى أوروبا، وهي تحمل سقط متاعها وأبناءها وعجائزها فرارا من السحق تحت عجلات “الشرق الأوسط الجديد”.
لكن الرياح في سوريا جرت بما لم يشته صناع القرار في واشنطن، بعد تأجيج الاضطرابات في مدينة درعا في شهر مارس/ آذار من 2011 في مسعى لتطبيق سيناريوهات “الربيع العربي” فيها، وتأكيد أكثر من مسؤول أجنبي بأن أيام الرئيس بشار الأسد أصبحت معدودة. فرغم الويلات، التي تعانيها منذ أربع سنوات، ورغم تكالب قوى الشر عليها من كل حدب وصوب، لا تزال سوريا صامدة حتى الآن في وجه مخطط “الفوضى الخلاقة” الأمريكي، مثبتة أن حجم الخسائر، التي سيتكبدها ملهموه، سيكون مهولا في حال نجاحه، وها هو يحتضر على أبواب دمشق.
https://telegram.me/buratha