تبدأ أنجيلا ميركل زيارة لتركيا الأحد، وسط ضغوط متزايدة داخليا وأوروبيا، بسبب أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية تضع مصير القارة العجوز على المحك سياسيا واقتصاديا
وتسعى ميركل إلى التوصل لحلول مع أنقرة التي رفعت سقف مطالبها، وتراجعت عن "خطة العمل المشتركة" مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين، وخاصة السوريين منهم، إلى اليونان عبر بحر إيجة ، ومن ثم الزحف باتجاه بلدان الشمال والغرب الغنية.
وعشية الزيارة أعلن خفر السواحل التركي السبت غرق قارب كان يقل لاجئين في طريقهم جزيرة ميدلي اليونانية، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإنقاذ 25 آخرين، فيما سجل الباقون في عداد المفقودين. خبر يضع ميركل والقادة الأوربيين في حرج أخلاقي مع تواصل غرق الحالمين ببلوغ "الجنة الأوروبية"، ويكشف أن عملية الهروب من جحيم الموت سوف تتواصل حتى وضع حدّ للحروب الأهلية التي تعصف بأكثر من بلد شرق أوسطي.
وسياسيا خففت أنقرة من حماسة بروكسل التي أعلنت ليلة الجمعة الماضية التوصل إلى "خطة عمل مشتركة" مع تركيا بهدف مواجهة أزمة الهجرة. وقال وزير الخارجية التركي فريدون سنيرلي أوغلو إن "الخطة ليست نهائية، مازالت مشروعا نعمل عليه". واعتبر أن المساعدة المالية "غير مقبولة". وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت أن الخطة تنص على تعاون تركيا في استقبال مزيد من اللاجئين، وتعزيز مراقبة حدودها، في مقابل اعادة اطلاق المحادثات حول طلب انضمام انقرة الى الاتحاد الاوروبي وتسهيل منح تأشيرات دخول للرعايا الاتراك الذين يريدون السفر إلى الاتحاد الأوروبي، ومساعدة مالية. وتصر تركيا على أن المساعدة المالية يجب ألا تقل عن ثلاثة مليارات يورو، بينما عرضت بروكسل مليارا واحدا فقط. وللتذكير فإن تركيا أعلنت أنها أنفقت أكثر من سبعة مليارات دولار لإدارة مخيمات اللاجئين، ومواجهة تدفق نحو مليوني سوري إلى أراضيها، وتتوقع المزيد مع احتدام المعارك في حلب وشمال غرب سوريا.
الجانب المالي واحد من المطالب التي يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تحقيقها أثناء زيارة ميركل، قبل نحو أسبوعين من موعد الانتخابات البرلمانية التركية الجديدة، لكن الأهداف الأخرى تكمن في دعم سياسي لحزبه الذي بدا ان شعبيته تتراجع عقب التفجيرات الإرهابية في اسطنبول وغيرها، إضافة إلى تراجع عجلة النمو الاقتصادي، وهو السبب الأهم في نجاح حزب العدالة والتنمية في السنوات العشر الأخيرة. وعلى صعيد آخر فإن أردوغان يريد طرح موقفه الواضح بالربط بين محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية، داعش" وحزب العمال الكردستاني، وفي هذا الاطار أعلن الجيش اليوم السبت أنه أوقع 11 مقاتلا من حزب العمال الكردي في ضربات جوية ضد مواقع الحزب في جنوب شرق البلاد قرب الحدود مع العراق وإيران. وتأتي العملية رغم إصدار حزب العمال أمرا لجميع قواته بوقف كل أعمال العنف في تركيا ما لم تتعرض لهجوم. كما يسعى أردوغان إلى الضغط على أوروبا من أجل الموافقة، أو ابداء بعض الليونة في الموقف من اقامة مناطق عازلة في شمال سوريا، لوقف تدفق موجات جديدة من اللاجئين.
الجانب التركي أفلح في استغلال وضع أوروبا المحرج ونال اقرارا باعتبار تركيا من "الأوطان الآمنة"، وهذا يعني حسب منظمة العفو الدولية غض الطرف عن الانتهاكات الخطيرة في حقوق الانسان، والقمع بحق الصحفيين والمحامين، والاضطهاد السياسي. وقد ينجح أردوغان في كسب الكثير من زيارة ميركل التي تتحمل الثمن الأكبر جراء أزمة اللاجئين. فقد تراجعت شعبية حزبها على خلفية سياسة الأبواب المفتوحة، وتجد بعض الولايات في جنوب ووسط ألمانيا نفسها عاجزة عن تأمين أماكن الاقامة لسيل اللاجئين الذي تضاعف منذ بداية سبتمبر/ أيلول الماضي ويتوقع أن يصل إلى نحو مليون ونصف المليون لاجئ حتى نهاية العام الحالي، جلهم في ألمانيا.
ويبدو أن اضطرار ميركل لخرق الأعراف الأوروبية وزيارة بلد على أبواب انتخابات برلمانية مفصلية يكشف عن موقفها الصعب، والمخاطر التي تتهدد الاتحاد الأوروبي كوحدة سياسية، وقد تؤدي إلى انتهاء العمل باتفاقية "شنغن" لحرية تحرك الأفراد والبضائع، خاصة مع اضطرار المجر إلى بناء جدران مع جاراتها لوقف تدفق اللاجئين الذين مازالوا يغامرون بحياتهم بعبور البحر بقوارب مطاطية، ليواصل من نجا منهم رحلة الهجرة إلى الشمال البارد. وفي المقابل فإن معاناة اللاجئين لا تمثل في نظر كثيرين إلا ورقة ضغط للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، باستغلال أناس غامروا بكل شيء بعد احتراق أوطانهم بلهيب حروب لا يعرف متى ستضع أوزارها.
سامر الياس
https://telegram.me/buratha