جاء وعيد بوتين بعيد إبلاغ الاستخبارات الروسية للرئيس الروسي أن قنبلة يدوية الصنع كانت وراء تفجير الطائرة المنكوبة. وقال الرئيس الروسي في اجتماع أمني مكرس لنتائج كارثة الطائرة الروسية بالكرملين اليوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2015: إن تفجير الطائرة الروسية هو من ضمن الأعمال الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ روسيا.
وقال بوتين: "إن روسيا ستجد الإرهابيين الذين قاموا بتفجير الطائرة الروسية في أي مكان في العالم وسنعاقبهم". وأوعز الرئيس الروسي للاستخبارات الروسية بالتركيز على البحث عن المتورطين في تفجير الطائرة الروسية.
وحذر بوتين الجميع الذين سيحاولون مساعدة الإرهابيين من أنهم "سيتحملون كامل المسئولية عن انعكاسات ذلك".
وأكد أن الضربات الروسية الموجهة ضد الإرهابيين في سوريا "يجب أن تتواصل وتزداد كثافة" لكي يدرك المجرمون أن "الانتقام لا مفر منه"، قائلا: "أطلب وزارة الدفاع والأركان العامة بتقديم اقتراحات بهذا الشأن. إنني سأقوم بالتأكد من تنفيذ هذا العمل".
وقال الرئيس الروسي: "أطلب من وزارة الخارجية الروسية التوجه إلى جميع شركائنا. نعول أثناء هذا العمل، بما فيه البحث عن المجرمين ومعاقبتهم، على (مساعدة) جميع أصدقائنا"، مضيفا أن موسكو ستتصرف وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدول في الدفاع عن نفسها.
وأشار بوتين إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تواجه فيها روسيا الجرائم الإرهابية الهمجية، وغالبًا دون أية أسباب داخلية أو خارجية واضحة، كما حدث أثناء تفجير محطة القطارات في فولغوغراد في نهاية عام 2013".
وقال مدير هيئة الأمن الفدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف: إن فحص الحقائب الخاصة بركاب طائرة وكذلك أجزاء الطائرة سمح بالعثور على آثار مواد متفجرة أجنبية الصنع، مؤكدًا أن انفجار عبوة ناسفة يدوية الصنع على متن الطائرة أدت إلى تحطمها في سيناء. وأضاف أن الخبراء قدروا قوة العبوة الناسفة بكيلوجرام واحد من مادة "التروتيل".وقال بورتنيكوف: "يمكن أن نؤكد أن ذلك عمل إرهابي"، مشيرًا إلى أن ذلك يفسر تساقط أجزاء الطائرة على مساحة واسعة.
من جانبها أعلنت هيئة الأمن الفدرالية في بيان صادر عنها الثلاثاء أن الهيئة وقوات الأمن الروسية تقوم باتخاذ الإجراءات للبحث عن الأشخاص المسئولين عن تفجير الطائرة الروسية، مضيفة أن السلطات الروسية ستدفع 50 مليون دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات ستساعد على القبض على المجرمين.
الخارجية البريطانية: كاميرون أبلغ بوتين بما توفر لدينا من معلومات حول سبب تحطم الطائرة الروسية.
من جانبها، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية لوكالة "نوفوستي" الروسية الثلاثاء: إن لندن قدمت لشركائها، بما في ذلك روسيا، المعلومات المتوفرة لديها بشأن تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، مشيرة إلى أن جزءًا من هذه المعلومات يحمل "طابعًا حساسًا".
وأضافت أن "رئيس الوزراء (ديفيد كاميرون) تحدث مع الرئيس بوتين في 5 نوفمبر وأطلعه على رؤيتنا بشأن سبب تحطم (الطائرة)".
مصر تنفي توقيف اثنين من موظفي مطار شرم الشيخ للاشتباه بضلوعهما في حادث تحطم الطائرة الروسية، وأفاد مراسل RT في القاهرة بأن وزارة الداخلية المصرية نفت ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول احتجاز موظفين اثنين يشتبه بضلوعهما في زرع قنبلة على متن الطائرة الروسية، وأكدت الوزارة أن هذا الخبر عار تمامًا من الصحة.
وكانت وكالة "رويترز" للأنباء قد ذكرت في وقت سابق نقلًا عن مصادر في أجهزة الأمن المصرية بأن السلطات المصرية احتجزت اثنين من موظفي مطار شرم الشيخ للاشتباه بتورطهما في وضع قنبلة في الطائرة الروسية التي تحطمت في سيناء.
وقال مصدر: "تم احتجاز 17 شخصًا بينهم اثنان يشتبه بأنهما ساعدا هؤلاء الذين وضعوا قنبلة في متن الطائرة في شرم الشيخ".
تجدر الإشارة إلى أن طائرة A321 التابعة لشركة "كوغاليم أفيا" الروسية التي كانت متوجهةً من شرم الشيخ إلى سان بطرسبورغ تحطمت في سيناء في 31 أكتوبرمما أسفر عن مقتل 224 شخصًا، بينهم 7 من أفراد الطاقم. وكتب الخبير في الشأن الروسي الدكتور أشرف الصباغ.
وقبل يوم واحد فقط من كشف روسيا عن أسباب تحطم طائرة الركاب في الأجواء المصرية، لفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة العشرين التي انعقدت في تركيا، إلى أن روسيا كشفت خلال القمة عن أمثلة لتمويل الإرهابيين في سوريا من قبل أشخاص من 40 دولة، بما فيها دول من "مجموعة العشرين"، وقال: إن "هذا الموضوع كان من المواضيع المحورية، خصوصًا بعد الأحداث المأساوية المتمثلة باختطاف ومقتل الناس في باريس".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
من الواضح أن بوتين بعث برسائل مهمة وخطيرة عبر هذا الكشف إلى دول إقليمية تدعم الإرهاب، وتستخدمه. ورسائل أخرى إلى دول كبرى تمارس نفس الشيء، ولا تتورع عن استخدام الإرهاب واستثمار نتائجه. كل ذلك على أرضية دعوة موسكو إلى إيجاد أشكال أكثر فاعلية للتعاون في مكافحة الإرهاب الذي أصبح يهدد مصالح الدول ومواطنيها، ويخلط الأوراق ويثير الشكوك بين الدول الكبرى التي يجب أن تقف بالفعل وقفة حقيقية ومنهجية ضد هذا الخطر.
بوتين قال في أعقاب مشاركته في قمة العشرين، إنه قدم لنظرائه معلومات عن قنوات تمويل الإرهاب، وعرض عليهم صورًا فضائية تُظهر أبعاد اتجار داعش بالنفط. وهو الأمر الذي بح صوت روسيا فيه خلال العامين الأخيرين لتنبيه كل دول العالم، سواء الدول التي تشتري النفط من داعش أو التي توفر له الأمن في نقل النفط وتنقل آلياته ومستودعاته وناقلاته، وتضمن له وصول مستحقاته المالية والعسكرية.
لقد أعلن بوتين أن تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء هو من ضمن الأعمال الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ روسيا. وقال: "إننا لن نستطيع أن نمسح الدموع عن أرواحنا وقلوبنا وسيظل ذلك معنا، ولكنه لن يَحُول دون العثور على المجرمين ومعاقبتهم".
هذا التصريح يذكرنا جيدًا بتصريحات السلطات الروسية أثناء حربها ضد الإرهاب في شمال القوقاز، والتي استمرت طوال حوالي عشر سنوات عبر حربين متتاليتين. يذكرنا جيدًا بمآسي مدرسة بيسلان، ومسرح دوبروفكا، ومستشفى بوديونفسك، وعشرات الأحداث المأساوية التي طالت روسيا، بينما كان الدعم المالي والسياسي، والسلاح والكوادر، تأتي من الغرب والشرق لإقامة "الدولة الإسلامية" في شمال القوقاز، في الوقت الذي كان فيه الغرب يتحدث عن "ضرورة إقامة دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة"!
بوتين- في اجتماعه الأمني بالكرملين- بعث برسائل متزنة، ولكنها صارمة إلى الجميع، مشددًا على أن روسيا ستجد الإرهابيين الذين قاموا بتفجير الطائرة الروسية في أي مكان في العالم وستعاقبهم. ومن الواضح أن القيادة الروسية لا تزال عند التزامها بعدم الانزلاق إلى الأمور الفرعية والهامشية وخلط الأوراق وإلقاء التهم والاتهامات. إذ أوعز بوتين إلى جهاز الاستخبارات بالتركيز على البحث عن المتورطين في تفجير الطائرة، محذرًا في الوقت نفسه جميع الذين سيحاولون مساعدة الإرهابيين من أنهم سيتحملون كامل المسئولية عن نتائج ذلك. وتوعَّد المسئولين عن التفجير وملاحقتهم في أي مكان على سطح الأرض.
لا أحد يعرف ماذا دار بالضبط في اللقاء القصير الذي جمع بين الرئيسين الروسي بوتين ونظيره الأمريكي أوباما في أنطاليا التركية. وإذا كان الموضوع السوري هو الذي سيطر على لقاءات قمة العشرين الأخيرة، فمن الصعب فصل هذا الموضوع عن ملف الإرهاب الدولي، خاصة وأنه خلال أسبوعين فقط وقعت ثلاثة أحداث مأساوية في مصر ولبنان وفرنسا، على الترتيب. وقد يكون لنوعية الكارثة التي وقعت في مصر أهمية خاصة؛ لأنها ترتبط بشكل مباشر بطائرة روسية، وضحايا كلهم من الروس البالغ عددهم 224 شخصًا، بمن فيهم 7 من طاقم الطائرة، إضافة إلى التهديدات المتوالية من تنظيم داعش الإرهابي وغيره من تلك التنظيمات للجانب الروسي، ومحاولات دول التحالف الأمريكي التملص من مواجهة ما يجري على أرض الواقع بخلط الأوراق وإثارة الخلافات للهروب من القضايا الجوهرية التي تؤرق الجميع وتهدد مصالحهم.
ستنتقل التكهنات والتحليلات إلى مستوى آخر إعلاميًّا وسياسيًّا. وستتواصل عمليات التبرير وإلقاء الاتهامات، وفقًا للمصالح والتوجهات. ومع ذلك، وكما رأينا في التصريحات المقتضبة والصارمة لبوتين: ستلتزم موسكو بهدوئها واتزانها، ولن تنجر إلى أمور فرعية. وهو الأمر الذي يعكس مصداقية روسيا في مكافحة الإرهاب وبُعْد نظرها في التعامل مع القضايا التي تتعلق بمستقبل الإنسانية.
بعد أحداث باريس، أطاحت السلطات الفرنسية بكل مبادئها المعلنة بشأن حرية الكلمة والحريات الشخصية، ورفعت حالة الطوارئ، وأغلقت حدود البلاد، وأوقفت عمل المدارس وأماكن التجمعات العامة. هذا ليس تبريرا للقمع أو تقييد الحريات، بقدر ما يمثل أحد الإجراءات المؤقتة لمواجهة نوعية معينة من الأخطار. وربما تكون باريس قد وصلت أخيرًا إلى جوهر "الدرس" القاسي.
فهناك أنباء تتحدث عن لقاءين سيقوم بهما الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي باراك أوباما. وهناك أمل كبير لدى جميع الأطراف بأن يتم الاتفاق على آليات معينة لمكافحة الإرهاب بما يتناسب وحجم الأخطار التي تواجه جميع دول العالم، بما فيها تلك الدول التي أشار إليها بوتين في حديثه عن دعم الإرهاب أو تمويله أو توجيهه واستخدامه.
الأمر الآخر الأكثر أهمية أن الكرملين أعلن أن روسيا لن تقوم بأي عمليات برية في سوريا. هذا الإعلان الواضح يأتي ردًّا على المزايدات الإعلامية الرخيصة، التي ترى في نشاطات التحالف الأمريكي في سوريا والعراق إجراء شرعيًّا، بينما نشاطات روسيا في سوريا "احتلال" روسي للأراضي السورية. وفي الحقيقة، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تقوم بأي عمليات برية في سوريا، تفاديا لوصف ذلك بالاحتلال. أي أن جميع الأطراف متفقة ضمنًا وعلنًا بعدم التدخل البري، في الوقت الذي تسعى فيه أطراف أخرى لصب الزيت على النار، وتصعيد الأوضاع في سوريا والعراق ومصر وليبيا، وتدعو إلى إجراءات غير مسئولة قد لا تستطيع هي نفسها القيام بها.
إننا نلاحظ أن التصريحات الروسية لم توجه أي اتهامات لدول بعينها. هذا انطلاقًا من مواقف مسئولة ورؤية أبعد بكثير من الرؤى التآمرية. تم الاكتفاء فقط بعرض الحقائق والمخاطر والتهديدات على الأرض. وهي رسائل مهمة للإرهابيين، ولمن يقفون وراءهم، ومن يدعمونهم بمختلف الوسائل، ومن يستخدمونهم ويوجهونهم، ويستثمرون نشاطاتهم. هذه الملاحظة كافية للتعقل والتعامل برؤية واضحة مع الأمور تفاديا لتضليل الرأي العام، وتصفية الحسابات قصيرة النظر. فالحرب ضد الإرهاب ليست مجرد نزهة، أو مكايدة طرف لطرف آخر، حتى وإن كانت هناك أجهزة استخبارات عدة متورطة فيها.