بالرغم من أهمية التوافق الدولي في مجلس الأمن لتسوية الأزمة السورية، فإنه لا يشكل أكثر من خطوة في مسيرة الألف ميل لوقف الحرب وإحلال السلام وإنهاء معاناة السوريين.
وبعد طول خلاف وإثر جولات ماراثونية من المفاوضات استطاع الجانبان الأمريكي والروسي جسر جزء من الهوة، والتوصل إلى اتفاق حدود دنيا خرج به قرار مجلس الأمن الدولي، لكن الواضح أن المجتمع الدولي أجمع على قضيتين هما ضرورة محاربة تنظيمي داعش والنصرة وهو أمر مهم من دون شك، ومنع انتشار العدوى السورية إلى الخارج.. لكن مبعث الخوف هو ترحيل الخلافات المستعصية ما قد يشكل قنبلة موقوتة تعطل الاستمرار في تسوية الأزمة.
أهمية القرار الأممي تكمن في أنه يمثل خريطة طريق متكاملة للتسوية السياسية ضمن سقف زمني محدد. لكن كل بند من بنود القرار ربما يحتاج إلى مفاوضات وجهود مضنية لإنهاء الغموض، وتنفيذ القرارات. فجميل أن يأتي قرار مجلس الأمن على أن "الوسيلة الوحيدة لتسوية دائمة للأزمة السورية هي عملية سياسية مفتوحة يقودها السوريون وتلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، وتجري في إطار التطبيق الكامل لبنود مؤتمر جنيف الذي صدر في الـ30 من حزيران/يونيو 2012 وتم تبنيه بالقرار رقم 2118" في 2013.. لكن المثير للقلق هو أن مرجعية "جنيف 1" لا تعني الكثير في ظل استمرار الاختلاف في تفسير الإعلان بين الأطراف المختلفة وخاصة فيما يتعلق بدور هيئة الحكم الانتقالي، ومصير الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وبعدها، وهو ما عطل حتى الآن التوافق الدولي.
وفيما يخص وقف إطلاق النار، فإنه بالتأكيد الخطوة الأهم لوقف معاناة السوريين بعدما أتت الحرب على أرواح 250 ألفا في أقل تقدير، وجعلت ثلاثة من كل خمسة سوريين إما نازحا داخليا، أو لاجئا في بلدان الجوار والمهجر. وربما كان المحبط هو أن المجلس يبني الخطوات العملية لوقف إطلاق النار إلى توافق المجموعة الدولية لدعم سوريا وتعهداتها بدعمه وتسهيل تطبيقه. ومعلوم أن المجموعة تضم 17 بلدا لكن أجنداتها تتضارب بحدة.
كما أن القرار الدولي لم يحدد موعدا ثابتا لوقف إطلاق النار وأوضح أنه سيدخل حيز التنفيذ "فور اتخاذ ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الإجراءات الأولية على طريق الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة". وأوكل القرار إلى الأمين العام للأمم المتحدة تحديد "أسس ومتطلبات وقف إطلاق نار ومواصلة التخطيط لدعم تطبيق وقف إطلاق النار"، وشدد على "الحاجة إلى آلية مراقبة وقف إطلاق النار والتحقق منه وتقديم التقارير حول التقيد به". كما لا بد من الإشارة إلى أن الجانبين الروسي والإيراني مازالا مصرين، على الأرجح، على توسيع تمثيل "المعارضة الوطنية" في الوفد الذي من المقرر أن يبدأ جولات مفاوضات مع ممثلي الحكومة السورية في مطلع العام المقبل، ما يعني أن موعد اجتماع وفدي الحكومة والمعارضة مازال رهنا بالتوصل إلى حل وسط بين الأطراف المختلفة، ما يفتح على تأخيره، وبالتالي تأخير موعد البدء بوقف إطلاق النار.
القرار الأممي أعلن حربا بلا هوادة ضد تنظيمي "داعش" و"النصرة" استبقها بقرار آخر للحد من تمويل هاتين المنظمتين الإرهابيتين. لكن تعليقات الوزراء عقب جلسة التصويت، والمؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية الروسي والأمريكي سيرغي لافروف وجون كيري كشفت عن استمرار الخلافات حول "مثيلات" "داعش" و"النصرة". وواضح أن التوافق على تحديد قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية يصطدم بعقبات كبيرة وتضارب مصالح وأجندات الأطراف "المستثمرة" في الأزمة السورية. ويسعى كل جانب إلى إدخال خصومه في خانة التنظيمات الإرهابية.
وتصر بلدان الخليج العربي على إدراج منظمات الحرس الثوري الإيراني وبعض الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية إضافة إلى "حزب الله" اللبناني في قائمة الإرهاب التي يشرف على تنسيقها الأردن، وفي المقابل تسعى الحكومة السورية إلى اعتبار كل من حمل السلاح إرهابيا يجب محاربته ومساعدة الجيش السوري في القضاء عليه.
وبداهة، فإن التوافق الدولي في مجلس الأمن يشكل حجر الزاوية لأي جهد حقيقي لإنهاء معاناة السوريين، لكن البعض يرى أن ما يؤخذ على هذا التوافق أنه مازال ضمن الحدود الدنيا، ويتعمد البناء على "غموض إيجابي" يمكن أن يعرقل المضي في مسيرة التسوية ويطيل "درب الآلام" السوري.
والواضح، حتى الآن، أن المجتمع الدولي اتفق على محاربة "داعش" و"النصرة" خوفا من تمدد خطر هذين التنظيمين إلى الخارج، لكنه رحّل الخلافات في شأن تنظيمات إرهابية أخرى لا تقل خطرا عنهما، ومارست ومازالت قتل وإرهاب السوريين. ولا يمكن إنكار أن القرار استفاد من تجارب سابقة فشل فيها العالم في المحافظة على مؤسسات الدولة وأدت إلى تدمير بلدان وانزلاقها في أتون حروب أهلية صعبة، ويمكن أن يسهم القرار في المحافظة على وحدة سوريا ومنع تقسيمها على أسس طائفية وعرقية.. لكن الملح حاليا هو الضغط باتجاه فرض حلول على الأرض تكون قابلة للتطبيق.
ومؤكد أنه بات مطلوبا من السوريين، حكومة ومعارضة، تجرع السم وتقديم تنازلات من أجل المحافظة على ما تبقى من سوريا من الدمار، والحفاظ على وحدتها الترابية، وبناء دولة جديدة على أساس المساواة بين الطوائف والإثنيات، وترميم الشرخ المجتمعي الكبير الذي توسع عقب تحول الحراك إلى حرب واسعة تجمع بين ميزات أسوأ ما في الحروب الأهلية والحروب بالوكالة.
وفي المقابل فإن الأطراف الإقليمية والدولية مطالبة بالإسراع في التوافق، وتسهيل تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير وعدم وضع العراقيل أمامه، وعليها التخفيف من حجم تدخلاتها، والتخلي عن استخدام سوريا كورقة في صراعاتها، وبذل الجهود للمحافظة على وحدتها الترابية، وإنهاء جذور التطرف والإرهاب عبر المساهمة البناءة في اجتراح حلول تنهي الكارثة السورية وتمنع انتشار العدوى إليها.
سامر الياس
https://telegram.me/buratha