تزايدت مؤخرا التحليلات والتكهنات حول الأسباب الحقيقية، التي دفعت السعودية لإعدام الداعية الشيعى السعودى «نمر باقر النمر»، رغم الإعلان المسبق بحجم التوتر الذي سيخلفه هذا القرار، خاصة مع إيران التي تعتبر نفسها الوصى الشرعى على الشيعة في المنطقة، وجاء أبرز التحليلات ليشير إلى أن القرار السعودى، كان يستهدف تحقيق أكثر من هدف، لكن الأهم يبقى إحباط مخطط أمريكى لإسقاط نظام الحكم، وزعزعة استقرار المملكة لصالح صعود إيران كقوة مهيمنة على الشرق الأوسط عقائديًا وسياسيًا.
وكانت الولايات المتحدة، قد حذرت السعودية من إعدام النمر، لأن هذا سيؤدى إلى مشكلات كبيرة في المنطقة، ولن تستطيع واشنطن مساعدة المملكة ودعمها في مواجهة إيران، وذلك من خلال رسائل نقلها مسئولون أمريكيون إلى أعضاء بالأسرة المالكة في السعودية.
لكن وفقًا لمارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذى لمعهد بروكينجز والمساعد أول السابق لوزير الخارجية الأمريكى جون كيري، فإن الرياض ضربت بالتهديدات والتحذيرات الأمريكية عرض الحائط، لأنها بدأت تشعر ببوادر أزمة ومخطط أمريكى لتغيير نظام الحكم في المملكة أو إسقاطه لصالح بروز قوى أخرى في البلاد، ويكون للشيعة دور مهم وفعال في حكم المملكة مستقبلًا.
وكان السيناريو الأمريكى، يستهدف تكرار التجربة المصرية عام ٢٠١١ وإسقاط نظام الرئيس حسنى مبارك، والذي كان الحليف المقرب والرئيسى لواشنطن في المنطقة، لكن هذا لم يشفع له أمام المخططات الأمريكية التي رأت ضرورة إسقاطه.
وأوضح إنديك، في تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن سماء العلاقات السعودية الأمريكية، كانت ملبدة بالغيوم الفترة الماضية، وقال: «في الحقيقة لم يكن هناك وفاق بين الرياض وواشنطن، تجاه الكثير من القضايا والرؤى على مدى السنوات الماضية، وبدأ التوتر في العلاقات منذ تزايد الشعور السعودى بأنهم هدف لمخططات أمريكية لتقسيم المملكة وتغيير نظام الحكم».
ولفت إلى أن إعدام النمر، هو الإجراء الأخير في سلسلة إجراءات ومواقف وصدام بين الجانبين طوال الفترة الماضية، بدا مع هبوب رياح ما يعرف بالربيع العربي، ثم تعقد الوضع في سوريا واليمن وأخيرًا الاتفاق النووى الإيراني، الذي اعتبرته المملكة المسمار الأخير في نعش علاقتها الإستراتيجية مع واشنطن.
من جانبه أوضح بروس ريدل، مسئول كبير سابق عن شؤون الشرق الأوسط في المخابرات المركزية «سى آى إيه»، أن المملكة كانت تستعد للحظة الانفصال عن الولايات المتحدة سياسيًا واستراتيجيًا، وبدا الصدام واضحًا، عندما وبخ القادة السعوديون الرئيس الأمريكى باراك أوباما بسبب سياسته في المنطقة، وتخاذله الشديد في إنقاذ حلفائه، فضلًا عن إثارة الفوضى في الشرق الأوسط، سواء من خلال التخلى عن مبارك أو التوجه بقوة إلى إيران، وعدم اتخاذ موقف حاسم مما يجرى في سوريا، وكان هناك بالفعل قلق سعودى من أن أوباما أو من سيأتى بعده سيفعل نفس الشيء معهم.
وحملت زيارات المسئولين السعوديين المتكررة لواشنطن مشاعر الغضب والقلق تجاه السياسة الأمريكية، خاصة قبل وبعد توقيع الاتفاق النووى مع إيران، ووجه بعضهم سؤالًا مباشرًا للمسئولين الأمريكيين: هل ما زلنا حلفاء ويمكن لنا الاعتماد على واشنطن أم لا؟.
وكانت هناك تحذيرات من أن إيران وراء كل الأزمات التي تؤدى لزعزعة استقرار المنطقة، ولم تفلح محاولات أوباما في تهدئة مخاوف السعوديين، وجاء اتفاق يوليو العام الماضى بين طهران والقوى الدولية، ليمثل القشة التي قصمت ظهر البعير.
وخلص المحلل الأمريكى إلى أن إعدام النمر، لم يكن رسالة لإيران فقط أو لأسباب تتعلق فقط بتحريضه على العنف والقتل، بل حمل أيضًا رسالة قوية مرتبطة بالسياسة الخارجية، مفادها أنه «إذا لم تقف الولايات المتحدة في وجه إيران، فإن الرياض ستفعل ذلك بنفسها».
كما أن هناك قلقًا أمريكيًا من سياستها في سوريا ازداد خلال المحادثات حول سوريا أكتوبر الماضي، وذلك بعد تراجع جون كيرى عن مطالبة الولايات المتحدة بتنحّى الرئيس السورى بشار الأسد.
https://telegram.me/buratha